بلدي نيوز
نشرت مجلة "كوزور" الفرنسية تقريراً أكدت فيه أنه في الوقت الذي لا تزال فيه تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني تستحوذ على الرأي العام، يلوح في الأفق ملف جديد يتعرض بدوره لانتقادات ألا وهو الوجود الإيراني في سوريا.
وقالت المجلة، في تقريرها، إنه "يوم الأربعاء الماضي، التقى فلاديمير بوتين ببشار الأسد في سوتشي، وبعد تبادل المحادثات، علق المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، عن نتائج هذا اللقاء للصحفيين معتمدا كعادته اللغة الخشبية، حيث قال: "لقد جرت محادثات معمقة بين الطرفين، وقد استغل الرئيس الروسي الفرصة لتهنئة نظيره السوري على النجاحات التي حققها الجيش النظامي السوري في محاربة الجماعات الإرهابية، مما ساهم في توفير شروط إضافية لتفعيل العملية السياسية على نطاق واسع".
وأشارت المجلة إلى أنه "وراء هذا التصريح المراوغ والممل تختفي قنبلة روسية، فحسب الصحافة الروسية يتطلع بوتين، مع بداية العملية السياسية وفي أكثر مراحلها نشاطا، إلى دعوة القوات المسلحة الأجنبية إلى الانسحاب من الأراضي السورية".
وأردفت: "لكن لم يحدد بوتين بالضبط من يقصد بالضبط عندما قال القوات الأجنبية، فهل يحيل ذلك إلى القوات التركية التي تسيطر على عفرين أم القوات الأمريكية المنتشرة إلى جانب الوحدات الكردية؟ أو تراه يقصد القوات الإيرانية المتمثلة في الحرس الثوري والميليشيات الشيعية وحزب الله".
ونوهت المجلة إلى أنه "لا يمكن فهم الغموض الذي يلف تقرير الصحافة الروسية إلا في حال اعتباره إشارة مرسلة تحديدا إلى طهران، ولكي تصبح الرسالة أكثر وضوحا، صرح مستشار بوتين المكلف بالتعاون العسكري والتقني، فلاديمير كوجين، منذ ثمانية أيام، أي بعد مضي 24 ساعة من زيارة بنيامين نتنياهو لموسكو، بأن بيع أنظمة الدفاع الجوي إس-300 إلى سوريا ليس من بين اهتمامات موسكو".
وبرر كوجين ذلك قائلا إن "الجيش السوري لديه كل ما يحتاجه لمواجهة أعدائه"، مع العلم أنه قبل 15 يوما فقط كانت الحكومة الروسية ترى العكس، بحسب المجلة الفرنسية.
وأفادت المجلة بأنه "إذا عملنا على تحليل هذه التفاصيل الدقيقة، سنتوصل إلى أن الروس قد قبلوا بالموقف الإسرائيلي، فهم لا يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي يستهدف بهجماته السوريين، ما يعني أنهم لا يحتاجون إلى تحسين دفاعات الجيش السوري الجوية".
وذكرت أن "إسرائيل ضمنت احترام القوات الروسية المنتشرة على الخطوط الحمراء التي تسيطر عليها موسكو، وبما أن الحرب الأهلية قد انتهت، فلماذا هذا الانتشار المكثف للإيرانيين في سوريا؟ إن هذا السؤال ليس مطروحا من قبل إسرائيل فحسب، بل يشغل روسيا أيضا".
وأضافت المجلة أن "بقاء الأسد في الحكم يطرح عدة قضايا استراتيجية جديدة، مع العلم أنه لا يمكن اعتبار ذلك بمثابة انتصار في ظل هذه الفوضى التي وصلت إليها سوريا، وهدف الرئيس السوري يتمثل في استعادة الوضع الذي كانت عليه البلاد قبل شهر مارس/ آذار سنة 2011".
ورأت أن "ما يطمح إليه الأسد لا يبدو مستحيلا"، مستدركة قولها: "لكن يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر، لأن على بشار الأسد أن يتخلص أولا من حلفائه واحدا تلو الآخر، وسيكون الإيرانيون أول من يجب التخلص منهم".
وبينت المجلة أن "طهران تتعرض، من جهتها، إلى ضغوطات شديدة بعد اتهامها بمحاولة نقل الحرب إلى إسرائيل، الأمر الذي أجبرها على التصرف بعجالة لتبعد عن نفسها هذه التهمة"، منوهة إلى أن "ذلك ظهر جليا من خلال تقدم مختلف الميليشيات الموالية لإيران دون غطاء جوي ولا دفاع مضاد للطائرات، الأمر الذي يجعل من هذه القوات عرضة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية".
وأكدت أنه "نتيجة لذلك، نجحت الضربات الإسرائيلية في الحد من قدرات الإيرانيين في سوريا ومنعهم من تركيز خطوط دفاع ناجعة لمجابهة القصف الإسرائيلي"، معتبرة أن "إسرائيل نجحت منذ قرابة عشرة أيام، في تدمير المنظومة الصاروخية أرض- جو الإيرانية، التي تعتبرها تل أبيب مستوحاة إلى حد ما من منظومة إس-300 الروسية".
وأوضحت المجلة أنه "في حال أراد الأسد رحيل القوات العسكرية الأجنبية المنتشرة على تراب سوريا، فإن الروس بدورهم يطمحون إلى أن يظلوا القوة الأجنبية الوحيدة الفاعلة في البلاد"، متوقعة أن "يتسبب ذلك في إثارة التوترات".
وأردفت: "في الوقت الحاضر يحظى كل من بوتين والأسد بفرصة ذهبية لدفع الإيرانيين خارجا"، مضيفة أن "ما آل إليه الوضع في سوريا بات يصب في صالح إسرائيل، ففي ظل الظروف الحالية، بدأت تتشكل ملامح محور ثلاثي يضم موسكو ودمشق وتل أبيب".
وشددت على أن "كلاً منهم لديه أسبابه الخاصة لدفع الإيرانيين وأتباعهم إلى مغادرة سوريا"، مشيرة إلى أن "المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تلقت دعوة من بوتين لاستقبالها في سوتشي، ومن ثم وجه دعوة أخرى إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكون ضيفه في سانت بطرسبرغ".
وبينت المجلة الفرنسية أن "قضية التواجد الإيراني في سوريا ودفعها إلى سحب قواتها وميليشياتها، أو التخفيض في عدد عناصرها، قد أضحت من الآن فصاعدا جزءا من المفاوضات العالمية مع طهران".
المصدر: عربي 21