بلدي نيوز – (نجم الدين النجم)
يشتعل المشهد السوري العام بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، المتزامنة مع شهية ملحوظة لوسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء، لشرح وتحليل ما وراء الضربة العسكرية التي وعد بها ترمب لنظام الأسد، بعد فشل مجلس الأمن بإصدار قرار يسمح بمحاسبة النظام على الجريمة الكيميائية المروعة التي ارتكبها في دوما منذ أيام عدة.
بعد أن أخفق مجلس الأمن الدولي 3 مرات في التصويت على مشاريع قرارات متعلقة بإنشاء آلية مستقلة للتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في هجوم على بلدة دوما بالغوطة الشرقية في ريف دمشق، انبرى ترمب ليؤكد على كلام مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي، التي قالت فيه أن بلادها سترد هذه المرة على جريمة الأسد، سواء نجح مجلس الأمن بإصدار قرار حول ذلك أو فشل.
وقال ترمب في آخر تغريداته على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "روسيا تتعهد بأنها ستسقط كل الصواريخ التي ستطلق على سوريا، استعدي يا روسيا لأنهم سيأتون أنيقون وجدد وأذكياء! لا يجب عليكم أن تكونوا شركاء مع حيوان قاتل بالغاز، ومن يقتل شعبه ويستمتع بذلك".
بالمقابل قالت الخارجية الروسية في ردّها على تصريح ترمب، إن الصواريخ الذكية ينبغي أن توجه صوب الإرهابيين وليس "حكومة شرعية" في إشارة إلى حكومة بشار الأسد، مشيرة إلى أن الصواريخ الأمريكية قد تدمر جميع الأدلة المتعلقة باستخدام الكيميائي على الأرض.
وفي خضم هذه المبارزات الإعلامية القوية بين طرفي الصراع، تفرض بعض الأسئلة نفسها بقوة على المشهد. ما مدى جدية الولايات المتحدة؟ وما الغاية الفعلية لهذه الضربة قوية التأثير حتى قبل أن تحصل؟ ومن هو الطرف المستهدف فعلاً؟ هل هو نظام الأسد المتهالك الضعيف لولا دعم حلفائه، أم إيران التي تعمل بصمت لتنفيذ أجنداتها في سوريا؟، وماذا عن روسيا، العدوة الأبرز للرأي العام الأمريكي في الفترة الماضية، والسبب الرئيسي في المجازر الدموية المتتالية في سوريا منذ سنوات.
حول هذا الموضوع يقول الكاتب والباحث "نواف الركاد" في حديث لبلدي نيوز: "بدأ الأمر عقب الاجتماع العاصف في مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي عُقد في البيت الأبيض الأسبوع الفائت والذي شهد خلافا بين الرئيس الأمريكي وأعضاء المجلس بعد تصريحات الرئيس حول ضرورة الانسحاب من سوريا، وكان الخلاف يدور حول رأي الرئيس بأن أعضاء المجلس يفرّطون بقيمة أمريكا الاقتصادية، بينما رأي المجلس كان أن الرئيس يفرّط بقيمة الولايات المتحدة الجيوستراتيجية.. وفي نهاية الاجتماع خضع الرئيس للمجلس على أن يمنحهم مدة ستة شهور لينظروا ماذا سيفعلون بشأن سوريا".
وأضاف: "جاءت المجزرة الكيماوية المروعة التي ارتكبتها قوات الأسد، فاستغلتها الإدارة الأمريكية من أجل ترجيح كفة الميزان التي مالت بشكل مقلق لصالح الروس مؤخرا، وهذا أصل السبب في الشجاعة الأمريكية التي فقدناها في سوريا خلال السنوات الماضية".
ويرى الركاد أن "الأهداف الأمريكية من هذه العملية تنقسم إلى عدة مستويات؛ على المستوى الدولي إثبات قدرة الولايات المتحدة مجددا على قيادة العالم وطمأنة الحلفاء، وعلى مستوى الشرق الأوسط الهدف هو إزالة الخطر الإيراني ومنع إيران من ترسيخ أقدامها في سوريا، وعلى مستوى سوريا تريد أميركا تحقيق التغيير السياسي الجدّي وإنهاء الحرب بعد تحقق الغايات الاستراتيجية لها ودحر تنظيم داعش".
ويشير الركاد إلى أن "الولايات المتحدة وإسرائيل حريصتان على عدم سقوط نظام الأسد بشكل دراماتيكي، لكنّهما أيضا حريصتان على هزيمة المشروع الإيراني في سوريا، وحرمان روسيا من احتلال الموقع القيادي المتفرّد والمقرّر.. وليكن معلوماً أيضا فإن الدور الروسي كان ولا يزال وسيبقى مطلوبا أمريكيا حتى في المرحلة القادمة لضمان وجود بعض المشاريع السافلة في سوريا".
من جانبه يرى الناشط والباحث "أيهم الأحمد" أن "ما جرى في سوريا خلال السنوات الماضية كان مشكلة هامشية في سياسة أميركا، خصوصا بعد سنوات طويلة خاسرة في منطقة الشرق الأوسط غيرت الكثير في الرأي العام الأمريكي المستاء من كثرة الحروب".
وأضاف: "بعد استغلال روسيا لهذا الأمر أفضل استغلال في سوريا وتحالفها مع إيران وتركيا وبناء علاقات جيدة مع مصر وبعض دول الخليج العربي، شعرت الولايات المتحدة أن ابتعادها عن الساحة السورية فعلياً كان تصرفاً سيئاً، والولايات المتحدة اليوم تريد تحجيم روسيا بالدرجة الأولى، وإعادتها إلى مكانها الطبيعي كدولة إقليمية فاعلة في محيطها، وليس قوة دولية جبارة عابرة للقارات".
وأشار "الأحمد" إلى أن "ضرب أي ضلع من أضلاع المثلث الروسي الإيراني الأسدي، سيؤدي حتماً إلى تضعضع بقية الأضلاع، وفي حين كان تصريح ترمب بنيته الانسحاب من سوريا متعدد الغايات، التي كان أحدها إعطاء روسيا والنظام نوعاً من الأمان لارتكاب خطأ جديد، فإن غاية الضربة الأمريكية اليوم لها غايات أكبر من مجرد عقوبة لنظام الأسد، وهي حتماً تستهدف روسيا وإيران عسكريا أو سياسياً".
ويذهب الأحمد إلى أن "الضربة العسكرية ستكون عملية واسعة النطاق وليست ضربة، فالولايات المتحدة تريد وضع الضغط الكبير عسكريا لطرد إيران من سوريا، والضغط السياسي والدبلوماسي لدفع روسيا لتقديم عرض تستغني فيه عن أحلامها، والذهاب باتجاه تسوية شاملة في سوريا".