بلدي نيوز - (متابعات)
نشرت وكالة رويترز، اليوم الخميس، تقريراً مفصلاً عن المتعاقدين المدنيين الروس الذين تدفعهم لقمة العيش والحاجة، للتعاقد مع الحكومة الروسية للقتال في سوريا، ووفقاً لإحصائية أعدتها الوكالة، واستندت إلى معلومات من أشخاص على معرفة بالقتلى، ومسؤولين محليين، فقد قتل 28 متعاقداً خاصاً على الأقل في سوريا هذا العام، بينما تشير وثائق قنصلية روسية اطلعت عليها رويترز إلى أن العدد ربما يزيد على ذلك بكثير.
وتضمن التقرير قصة المتعاقد فلاديمير كابونين الذي كان يعمل كمتعاقد عسكري خاص، ويبحث عن فرصة لتحسين دخله، مقارنة بما يمكن أن يكسبه في مسقط رأسه بأحد الأقاليم الروسية.
ونقلت الوكالة عن صديق لأسرته وأحد أقاربه، "إن رجل الشرطة السابق ابتهج لأنه صار قادرا على الإنفاق على زوجته وابنه، فغادر "أورينبورج" الواقعة على بعد نحو 1500 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة موسكو، لينضم إلى المتمردين الموالين لروسيا الذين يقاتلون قوات الحكومة في شرق أوكرانيا".
وأضاف "عندما هدأ القتال هناك توجه إلى سوريا ليعمل مسعفا ميدانيا مع قوات تحت قيادة روسية، حيث قتل وجرى نقل جثمانه إلى وطنه، لكن الحكومة لا تعترف بأنه كان في سوريا، لذا فقد جرى دفنه دون أي تكريم عسكري، ولا يحمل قبره ما يشير إلى أنه سقط خلال عمليات عسكرية".
وقالت مصادر مطلعة لرويترز على عملية نشر المتعاقدين، "إن "كابونين" الذي كان في الثامنة والثلاثين من عمره، واحد من مئات من تعاقدوا سراً مع الحكومة الروسية للقتال في سوريا منذ بدأت موسكو عمليتها العسكرية هناك 2015".
وسلك كابونين مسارا طرقه كثير من المتعاقدين ألا وهو.. الخدمة في الجيش، أو مع قوات الأمن، ثم العودة للحياة المدنية، فالنضال من أجل لقمة العيش، ثم الحصول على فرصة لكسب المال عن طريق القتال سراً لصالح روسيا سواء في أوكرانيا، أو سوريا.
ويقول أفراد في عائلات المتعاقدين الروس إنهم كانوا يحصلون في سوريا على أجور تصل إلى 6500 دولار شهريا وهو ما يزيد على متوسط الأجور في روسيا بأكثر من 12 ضعفا.
وقال "فاسيلي كاركان"، الذي كان زميلاً لكابونين في المدرسة، لرويترز "إذا تركت العمل مع جهات إنفاذ القانون فليس أمامك سوى طريق واحد هو أن تصبح من المرتزقة".
ويتذكر "كاركان" أن "كابونين" كان خجولا مثل طفل حتى بدأ تدريبات ملاكمة الركل (الكيك بوكسينج)، وصارت هذه الرياضة هوايته المفضلة طول حياته.
وحصل كابونين على شهادة في الطب، كما درس القانون لكنه سار على خطى أسرته وانضم للشرطة.
ففي عام 2010 عثر على وظيفة جديدة في أحد السجون حيث كانت زوجته تعمل في مستشفى للسل، وكان دور كابونين هو العمل مع المسجونين للحصول على أي معلومات عن التخطيط لمحاولات هرب، أو شغب في السجن، لكنه ترك هذه الوظيفة عام 2012.
وقال متحدث باسم سجون "أورينبورج"، إن كابونين ترك الوظيفة بإرادته، لكن صديقاً لعائلته تحدث عن تقليص وظائف، وقال إنه ظل يبحث عن عمل لنحو عامين.
وقال صديق العائلة "لا يوجد مكان للعمل... لن تحصل هنا على أكثر من عشرة آلاف روبل (170 دولارا) شهريا".
وقال أحد أقارب "كابونين"، "إنه غادر روسيا في آخر رحلة له إلى سوريا في الرابع من يناير/ كانون الثاني، والتحق بقيادة شركة طبية، لكنه أصيب في 31 يناير كانون الثاني، وتوفي في السابع من فبراير/ شباط بمحافظة حمص السورية".
وقال قريبه، "إنه علم بذلك من رجال شرطة سابقين كانوا زملاء لكابونين، وخدم بعضهم في سوريا، ومن شهادة وفاته التي جرى تسليمها لأرملته ناتاليا.. ولم تتضح كيفية إبلاغها، ومن هو الشخص الذي سلمها شهادة الوفاة"، ورفضت ناتاليا الحديث إلى رويترز.
وقال أقارب متعاقدين آخرين قتلوا، "إن الأنباء تأتي عبر أصدقاء، أو زملاء، أو هاتفياً من أشخاص يقولون إنهم يمثلون شركة خاصة".
ودفن كابونين بجوار أفراد من عائلته في أورينبورج، وجرى تثبيت صورة له على صليب، وأظهرت الصورة رجلا حليق الرأس في ملابس مدنية.
وقال قريبه إن أرملته حصلت على تعويض مالي دون مزيد من التفاصيل، ووفقاً لروايات أقارب متعاقدين آخرين قتلوا في سوريا، فإن صاحب العمل يدفع ثلاثة ملايين روبل (51227 دولارا) تعويضا لورثة المتعاقد القتيل.
وقال أقارب قتيل آخر من المتعاقدين لرويترز إن أرملته تسلمت تعويضا نقديا داخل فندق في مدينة "روستوف أون دون" بجنوب روسيا.
وتنفي الحكومة الروسية إرسال متعاقدين عسكريين غير حكوميين للقتال خارج حدود البلاد، ولم ترد وزارة الدفاع على سؤال بشأن حالة كابونين، ودور المتعاقدين في سوريا، واعتبرت الوزارة تقارير سابقة لرويترز عن المتعاقدين محاولة لتشويه مهمة روسيا لاستعادة السلام في سوريا.
وعلى مدى عامين تحدثت رويترز لعشرات من أفراد عائلات، وزملاء، وأصدقاء المتعاقدين العسكريين الذي قتلوا في سوريا.
وتقول مصادر مطلعة على نشر القوات "إن المتعاقدين يعملون تحت قيادة الحكومة، وإنهم ساعدوا في تحويل دفة الحرب لصالح بشار الأسد د، لكنها لم تكشف عن حجم التدخل العسكري الروسي، أو الخسائر التي تكبدها الجيش".
ويكشف استعداد كابونين، ومن هم في مثل حالته، للانضمام إلى مثل هذه المهام قدرة الكرملين على جذب عدد كبير من المقاتلين المستعدين للموت في الظل" طالما يحصلون على مقابل جيد.
وتنفي موسكو نشر قوات للدعم والإمداد في أوكرانيا، أو توفير دعم عسكري مباشر للانفصاليين، لكن أحد أقارب كابونين قال "إنه التحق للعمل كمسعف عسكري مع ديمتري يوتكين، وهو زعيم جماعة مؤلفة من جنود روس سابقين كان يقاتل هناك تحت اسم مستعار هو (فاجنر)".
تقول المصادر المطلعة على نشر المتعاقدين إنه عندما جرى نقل يوتكين، ورفاقه إلى سوريا لدعم القوات النظامية الروسية، ذهب كابونين معهم وقال مسؤول في وكالة أوكرانية لإنفاذ القانون "إنه اعتبارا من أبريل نيسان 2016 عمل كابونين مسعفاً ميدانياً في وحدة إجلاء طبية تحت قيادة يوتكين في سوريا.
وتقول الوكالة إنها حصلت على سجلات 1700 متعاقد روسي جرى نشرهم في سوريا بعد أن كان معظمهم في أوكرانيا.
خلال زيارة لسوريا في 11 كانون الأول الجاري أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنجاز المهمة في سوريا، وعبر عن تقديره لتضحيات الجنود الروس الذين قتلوا هناك، ولم تشر الحكومة الروسية إلى الخسائر في صفوف المتعاقدين، والحكومة غير ملزمة بالكشف عن الوفيات من غير القوات النظامية العاملة تحت قيادتها، وخسائر الجيش الروسي في سوريا سر من أسرار الدولة.
ولم تثن وفاة كابونين صديقه فاليري دزيوبا، وهو أيضا رجل شرطة سابق تدرب على رياضة الكيك بوكسينج في أورينبورج، عن التوجه إلى سوريا للقتال كمتعاقد مع الجيش.
وتلقت عائلته اتصالاً هاتفياً من رجل لم يكشف عن اسمه، لكنه أبلغهم بوفاته يوم 20 آب دون أن يكشف عن ملابسات الوفاة، وقال أحد زملاء دزيوبا، وقريب كابونين ومسؤول في القرية التي دفن فيها دزيوبا "إنه قتل في سوريا".