لماذا لن تحدث عمليات "تحجيم" لإيران قريباً في المنطقة؟ - It's Over 9000!

لماذا لن تحدث عمليات "تحجيم" لإيران قريباً في المنطقة؟

بلدي نيوز - (المحرر العسكري) 
ما تزال تتكرر التحليلات والتصريحات المختلفة عن إيران وتحجيمها في المنطقة، ونزع أظافرها ومخالبها، وطردها خارج سوريا، وربما تحجيمها في العراق أيضاً، وأنها تتعرض لحرب باردة من قبل الروس والأمريكان، وأنها قوة غير مرحب بها إطلاقا، وأن جميع الاتفاقيات الدولية تتضمن إخراجها من المنطقة بكل تأكيد، باعتبار أنها "قوة احتلال"، تساند نظاما ديكتاتوريا، وأنها قد تتعرض أيضا لضربة جوية أمريكية أو حتى إسرائيلية (خصوصاً بعد الحديث الاسرائيلي الأخير عن حرب في المنطقة بعد فشل إسرائيل في إخراج إيران من جنوبي سوريا بعد محادثات مع الأمريكان)، وإلى آخره من التحليلات التي تجانب الحقيقة أو تتجاهلها عمداً أو جهلاً.
لو نظرنا إلى توزع القوى في المنطقة، فسنجد القوى في المنطقة وقد أخذت كل قوة الحصة التي تريدها، فأمريكا اخذت الشمال السوري والقيمة الاستراتيجية الكبيرة فيه، والذي يسمح لها بالاتصال بأواسط آسيا والاشراف على تركيا وتهديدها، والوصول بسهولة لجميع قواعدها العسكرية في المنطقة، وهو محمي جيداً بميليشيا دربتها وصنعتها وتسيطر عليها بشكل ممتاز، ما يسمح لها بتنفيذ عمليات واسعة في المنطقة انطلاقاً من هذا الكانتون، فهي تستطيع العمل بحرية عبر "أوراسيا" كلها، انطلاقا من هذه المنطقة التي تمثل مركزها بشكل حقيقي، ما يعطيها كل ما تريده على الناحية الاستراتيجة والعسكرية، إضافة لسيطرتها على حقول النفط الواسعة والقمح والمياه، وغيرها الكثير من مصادر القوة في المنطقة.
الروس أخذوا الساحل، وأصبح لهم أخيراً موقع على المتوسط، يحلمون بوصله بروسيا عبر تركيا التي "لا مفر من الصدام معها لاحقا"، ويشرفون باعتقادهم على أهم مواقع استثمار الغاز الطبيعي، والتي تعني لهم الكثير استراتيجيا، إضافة للترويج لسلاحهم المتخلف الذي تعّرض للإذلال خلال عقود من المعارك ضد أمريكا.
أما إيران، فقط أخذت خطها التجاري-الاستراتيجي، وحققت حلمها بالتغيير الديموغرافي المطلوب في المنطقة، وهي تشرف وتطل حاليا على الخليج العربي، وتحاصره بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي تشرف وتسيطر على مناطق على المضائق الأكثر أهمية لعبور النفط والغاز.

صدام "غير ضروري"
يمكن القول أن أي حديث عن صدام في المنطقة بين روسيا وأمريكا وإيران في الظروف الراهنة ليس منطقياً، فكل قوة حصلت على مبتغاها، وكل قوة فرحة بما لديها، فالأمريكان قسموا الأدوار والحصص، وأعطوا كل طرف حصته حسب مشاركته في المعركة، ولو نظرنا للأمر بمفهوم المساحات، لرأينا أن إيران هي الرابح الأكبر حسب مفهوم المساحات ونسب السيطرة، حتى لو كانت الأراضي كلها صحراء، فايران تسيطر على معظم العراق وكامل الصحراء السورية ووصولا إلى لبنان، وتسيطر على اليمن، ولها نفوذ في أكثر من منطقة، وتشرف على أهم مضائق في العالم، ما يعني أنها في وضع جيد على المستوى العسكري والاستراتيجي، وعلاقتها مع القوى التي تنتشر في المنطقة هي علاقة قوية ومتينة، وعلاقات التحالف المتبادل بين القوى المتعددة دائماً ما تكون إيران موجودة فيها، ضمن محور علاقات النظام بالروس والميليشيات الكردية، وعلاقات الميليشيات الكردية بايران وأمريكا، والتحالف الموجود بين الثلاثة والذي تشكل الميليشيات الكردية مركزه.
إيران في الوضع السوري والعراقي، تمثل جوهر الاستراتيجية العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، ويمكن القول أنها -تتفوق على روسيا في أهميتها بالنسبة لأمريكاـ لكن أمريكا أدخلت روسيا لأهداف متعددة تشمل رغبتها بتوريطها، وتوسيع آفاق الصراع، الذي تنظر إليه أمريكا على أنه صراع نفعي لكن تشوبه الكثير من المرجعيات العقائدية.
إيران في الحالة الموجودة في المنطقة، تمثل دور القوة في المصطلح أو علاقة التعاون الشهيرة (أنا المخ وأنت العضلات)، فهي مع الروس يمثلون العضلات وأمريكا تمثل المخ.
فالإيرانيون يقدمون العنصر الذي تحتاجه الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهو العنصر البشري الرخيص، حيث تتحكم إيران بما لا يقل عن 250 ألف عنصر في سوريا والعراق، وقرابة عشرة أضعافهم من العناصر المحتملين كاحتياطي استراتيجي طويل الأمد، ما يعني أنها تقدم خدمة كبيرة للأمريكان والروس، بحمل راية المعارك البرية، التي يدرك الأمريكان أنها أكثر شراسة حتى من معارك أفغانستان والعراق، فعلى عكس الجيش الأمريكي الذي تطور عسكريا وتقنيا ولم يتطور فكريا، فالقوى المقاتلة له تتطور فكرياً وتكتيكياً بشكل سريع، بسبب انعدام "المنهجية" لديها، والدماء الجديدة التي تتدفق باستمرار في سلسلة القيادة مع الاغتيالات المستمرة التي ينفذها الأمريكان سواء بالقصف أو العمليات الأمنية (في حين تستمر رتابة وتقليدية القيادات العسكرية الامريكية)، ما يعني أن الأمريكان يعانون بشكل حقيقي من احتمالية انهيار قواتهم في المنطقة، إذا دخلت بشكل كبير وبأعداد ضخمة، خصوصاً بعد التطور الكبير الذي حصل في تكتيكات الهجمات بالعربات المفخخة (مقارنة بقبل عشرين عاماً) التي تستخدمها القوى المقاتلة في سوريا والعراق، ويكفي أن نعرف مدى تأثيره، أن عربة مفخخة واحدة قتلت قرابة 40 من عناصر الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً، وجرحت عدة أضعاف هذا العدد، وسط فشل في التعامل معها متعدد المستويات، على الرغم من السيطرة الكاملة للهم على الأرض والجو والاتصالات، ومستوى تسليح والدعم الجوي للميليشيات الكردية والذي يطابق المعايير الأمريكية للعمليات.
مع ذلك فشلت الميليشيات الكردية والجيش الأمريكي؛ في التعامل مع العديد من التكتيكات والقدرات التي توجد لدى القوى التي ترفض الوجود الأمريكي والغربي عموما في المنطقة، ما يعني أن محاولة أمريكا للتدخل بثقلها البري البشري تعني كارثة حقيقية لها، على المستوى البشري والمعنوي والمادي، خصوصاً مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصالات كثيراً مقارنة بآخر حروبها الكبرى عام 2003 في العراق.
الأمر نفسه ينطبق على الروس، باعتبارهم الدب الذي أخرجه الامريكان من السيرك ووضعوه في مستودع للفخار، فانطلق يحطم كل شيء، والذين ستكون نتائج تدخلهم البري كارثية كذلك لو حدثت، فمعدل خسائر النظام يوميا بين 50 إلى 100 قتيل، ما يعني كارثة حقيقة، لو أن هذه القوات كانت من الروس بشكل كامل، وسيكون سيناريو افغانستان بمثابة نزهة مقارنة بما يمكن أن يحدث للروس في سوريا لو تدخلوا بريا بموجب العقيدة القتالية السوفيتية التي ما زالت راسخة لديهم.
إذاً، إيران تقدم قوات مشاة رخيصة ومطيعة، ولا مشكلة في خسائرها البشرية بهدف تحقيق أهدف الاستراتيجية الامريكية التي تعتبر روسيا مجرد أحد عواملها وعناصرها، ما يعني أن روسيا مستفيدة من الوجود الإيراني وليست بحاجة للتصرف ضدها، وبخاصة مناصبة العداء أو السعي لتحجيم الإيرانين، "فقصة تحجيم الروس (الطيبين ) للإيرانيين لا تخرج عن عملية الدعاية لضمان الروس للاتفاقيات مع النظام، باعتبارهم سوف يطردون الايرانيين (الاشرار) من المنطقة ويحمون المدنيين من شرور النظام وشرور الميليشيات".

مقالات ذات صلة

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

قائد "قسد": الهجمات التركية تجاوزت حدود الرد وأضرت بالاقتصاد المحلي

لمناقشة العملية السياسية في سوريا.. "هيئة التفاوض" تلتقي مسعود البرازاني

"رجال الكرامة" تعلن إحباط محاولة لتصفية قاداتها

تقرير يوثق مقتل 27 شخصا خلال تشرين الأول الماضي في درعا

إسرائيل تعلن اعتراض "مسيرة" انطلقت من الأراضي السورية