بلدي نيوز - (طارق الخوام)
على وقع إعلان مجلة "الإيكونومست" مدينة دمشق المدينة الأتعس والأقل ملائمة للحياة في العالم، افتتح نظام الأسد "معرض دمشق الدولي"، ذلك المعرض الذي كان قبل وصول الأسد وأعوانه إلى السلطة، مثالاً على تقدم ورقي دمشق، وموقعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المهم في الشرق الأوسط، والذي دمره النظام، وحوّل أحد أهم ملامح أهمية سوريا إلى مجرد حدث روتيني، من جملة أحداث يستخدمها النظام لترسيخ سلطته وقبضته على سوريا، وأخيراً أصبح المعرض عبارة عن حلقة في مسلسله الشهير "سوريا بخير"، الذي بدأ بعرضه على قنواته المؤيدة منذ اندلاع الثورة السورية، لإيهام الناس أن الحياة طبيعية في العاصمة دمشق، وباقي المدن الخاضعة لسيطرته، في محاولة لاستخدامه للترويج لفكرة انتصاره في الحرب السورية، وأن الثورة في سوريا "خلصت".
بداية الأمر كانت عندما أعلنت صفحات موالية للنظام، أن مجلس وزراء النظام قرر إطلاق دورة جديدة من معرض دمشق الدولي، بعد انقطاع دام خمس سنوات، تأكيداً على أن "سوريا بخير"، وفي محاولة للاستثمار السياسي والإعلامي والعسكري، والقول أن النظام استطاع ضبط الأمن، واسترجاع سلطته الكاملة على دمشق، وأنها أصبحت في قبضته بشكل لا رجعة عنه، وأنه يعمل على إعادة الحياة إلى المناطق الخاضعة له، فعملية تنظيم مهرجان بهذا الشكل تعتبر عملية ذات أبعاد متعددة، ليس آخرها القول أنه بدأ بمرحلة التعافي الاقتصادي بعد عملية استعادة الأمن.
أما الاستثمار الإعلامي فهو واحد من أهداف النظام لتنظيم هذا المعرض، فهو يتشدق بالأعداد الكبيرة للمدنيين الذين يزورون المعرض (متجاهلاً ضآلة عدد الشركات المشاركة)، و"الزحام الكبير" الذي تسبب به المعرض، متناسيا أن أي حاجز في شوارع دمشق كفيل بالتسبب بعشرة أضعاف هذا الزحام، وأن أعداد المدنيين الذين يزورون هذا المعرض محدودة جداً مقارنة بالسنوات قبل الحرب، التي دمر فيها الأسد كل مقومات الصناعة في سوريا.
حيث يعمل نظام الأسد على الترويج للحياة في مناطقه، ويظهرها بمظهر الحياة الطبيعية المعتادة والسلسة "المنفتحة"، والمتفقة مع القيم الغربية، فهو يركز على إبعاد أي مظاهر عسكرية من الفيديوهات الترويجية التي ينشرها إعلامه وإعلامه الموازي، بحيث لا يشاهد أي عنصر أمن أو أي حاجز، ويسعى للعمل على إقناع المتلقي خارج سوريا، أن الحياة في مناطقه وبخاصة دمشق هي حياة "طبيعية"، يعكر صفوها عمليات إرهابية تنفذها الجماعات الإرهابية المتطرفة.
فنظام الأسد يستهدف الصحافة الغربية والرأي العام الغربي، عبر نشر العديد من الصور والفيديوهات والجولات من هذا المعرض، في محاولة للترويج لسيطرته، وأنه ينتصر على "الارهابيين" التكفيريين، حيث يسعى النظام عبر هذه الفيديوهات والإعلانات المختلفة، للقول أنه نظام متماهٍ مع الغرب، ومناسب وجاهز للتعامل معه، حيث ينشر النظام بشكل دوري الكثير من الفيديوهات والإعلانات المختلفة التي تظهر الحياة في مناطقه سواء البارات أو شواطئ البحر والنوادي الليلية، وأنها حياة طبيعية "منفتحة"، في مسعى منه لكسب التعاطف العالمي، في معركته ضد من يصفهم بالإرهابيين "المتشددين الظلاميين".
كما أن عملية استهداف المعرض بقذيفة هاون اليوم، تؤكد هذا الأمر، فالنظام استهدف المعرض ليقول للعالم أن "الإرهابيين" يحاولون منع الحياة، وأنهم يرفضون أي شكل من أشكالها الذي يمثله المعرض الذي يقيمه.
من جانبه، أكد الناشط الإعلامي وسيم الدمشقي لبلدي نيوز، أن العاصمة دمشق تعاني من انهيار كامل في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، انعكس سلباً على سكانها الذين لا يستطيعون التعبير عن واقعهم المأساوي خوفاً من الاعتقال والخطف من قبل شبيحة النظام وأعوانه، والذي وصل مرحلة أن دمشق أصبحت مليئة بالمشردين، والأشخاص الذين يباتون في الطرقات وعلى أرصفة الاسواق، نتيجة لأعمال النظام المختلفة، والتي دمرت كل مقومات الاقتصاد في سوريا.
وأردف الدمشقي "في الدورات الأولى لمعرض دمشق الدولي قبل وصول النظام للحكم، كانت دمشق عاصمة الحضارة والجمال والفن، وكل من كان يزورها يضرب المثل بطيبة أهلها وكرمهم، لكنها مع وصول النظام الحالي إلى الحكم، أصبحت غابة بكل معنى الكلمة، والقوي فيها من يساند النظام في تدميرها وقتل شعبها، وقد فقد معرضها أي أهمية اقتصادية أو اجتماعية، وتحول لمجرد حدث روتيني لتمجيد النظام وحالياً تلميعه والحديث عن انتصاراته".
وبحسب تقرير إيكونومست -الذي يعتمد على عدة عوامل، منها الاستقرار ونوعية الرعاية الصحية والتعليمية والبنية التحتية والبيئة- فقد تراجعت دمشق كمدينة صالحة للعيش بنسبة 28% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الجدير بالذكر أن دمشق احتلت في عام 2017 المرتبة الأخيرة في لائحة المدن الأكثر ملاءمة للعيش في العالم ضمن مجموعة (إيكونوميست) التي أعدتها وحدة البحوث الاقتصادية.
صورة انتشرت على مواقع التواصل حول أسلوب نقل الزوار عند عودتهم من "المعرض" بالشاحنات