الغارديان – ترجمة بلدي نيوز
يعلم رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أن اقتراحه الغير مدروس وتسرعه لشن ضربات على سورية، هو أمر تزداد معارضته يوماً بعد يوم، فأمر لا ينطوي على تخطيط أو استراتيجية، ولا يدرس الأمور الدبلوماسية جيداً، ومخاطر التهديد الإرهابي واللاجئين والضحايا المدنيين، هو اقتراح غير مجدي.
وهذا هو السبب الذي جعل مجلس العموم البريطاني يختار لجنة لتضع تقريراً حاسماً بشأن حملته العسكرية لقصف سورية، والتي كان تقريرها محور خطاب كاميرون الليلة، على الرغم من أنه لم يعالج بشكل كاف مخاوفهم .
فبعد الهجمات الدنيئة والمروعة في باريس الشهر الماضي، ومسألة ما إذا كان كاميرون سيقترح أن يقوي أو يقوض أمننا لهو أمر بالغ الأهمية، فليس هناك شك في أن ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" قد فرض إرهابه على الملايين في العراق وسوريا وليبيا، وعلى شعبنا البريطاني أيضاً، ولكن السؤال هو إن كان توسيع القصف الجوي من العراق حتى سورية_ من المرجح أن ينقص أو يزيد من تهديد التنظيم، أو إن كان سيتم فعلاً مواجهة الحملة الإرهابية في الشرق الأوسط أم أنها ستنتشر أكثر .
ولكن رئيس الوزراء لم يكن قادراً على تفسير سبب توسيع الضربات الجوية على سورية، والتي تتعرض بالفعل لقصف جوي الآن من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وقوى أخرى، وهل سيكون لها التأثير العسكري الكبير على الحملة التي شهدت حتى الآن اكتساب التنظيم لأراضي جديدة، مثل الرمادي في العراق وتدمر في سورية، فضلاً عن أنها تخسر أمام التنظيم.
الأهم من ذلك، هو أن كاميرون فشل حتى بإقناع أي شخص على أن المشاركة البريطانية في الحملة الجوية الحالية من شأنها ان ترجح كفة الميزان، فهناك قوات برية ذات مصداقية تستطيع استعادة الأراضي من التنظيم .
وقد اقترح رئيس الوزراء الأسبوع الماضي، أن القوات الكردية والجيش الحر الموجودة على أرض المعركة هي الأقدر على لعب هذا الدور، حتى أنه ادعى أن هناك قوة قوامها 70،000 من مقاتلي الجيش السوري الحر المعتدل على استعداد للتنسيق على الأرض مع الحملة الجوية الغربية.
هذا الادعاء لم يصمد أمام التدقيق فيه، فالقوات الكردية ستقدم مساعدة قليلة في المناطق السنية التي يسيطر عليها التنظيم، والجيش الحر الذي هو عبارة الآن عن مجموعات مختلفة، بعضها يعتبر معتدلاً، يقاتل بمعظمه في أجزاء أخرى من البلاد، لذا فالقوات البرية الوحيدة القادرة الآن على الاستفادة من حملة القصف الناجحة هي الجماعات السلفية الجهادية والمتطرفة الأقوى.
كما أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم /2249/ الذي صدر في أعقاب هجمات باريس، لا يعطي إذناً واضحاً لا لبس فيه لشن المملكة المتحدة غارات على سورية، ولكنه يرحب بما في هذا الإطار، فعلى سبيل المثال، يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة قطع التمويل، وعائدات النفط وإمدادات الأسلحة عن أراضي التنظيم.
هناك دلائل تذكر على ذلك، ولكنها لم تكن بجدية لتذكر فليس هناك حتى الآن أي دليل قوي على استخدام دول الاتحاد الاوروبي أي تنسيق عسكري مع استراتيجية دبلوماسية في سورية، على الرغم من الاخطار الواضحة والحوادث الكارثية، مثل إسقاط طائرة عسكرية روسية من قبل القوات التركية.
كما وتجنب رئيس الوزراء إخبار الشعب البريطاني عن التحذيرات والتأثيرات، التي هو على علم بها تماماً، الناجمة عن الضربات الجوية البريطانية في سوريا وتهديد الهجمات الإرهابية على المملكة المتحدة، كما أنه لم يقدم أي تقييم جدي لتأثير الحملة الجوية المكثفة على الضحايا المدنيين السوريين الموجودين في مناطق التنظيم، أو على أزمة اللاجئين السوريين على نطاق أوسع.
الأهم من ذلك، كان كاميرون تماماً غير قادر على شرح كيفية أن قصف المملكة المتحدة في سوريا من شأنه أن يسهم في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تفاوضية للحرب السورية_ والتي هي الطريقة الوحيدة لضمان هزيمة التنظيم في البلاد ، فقد نمى التنظيم في العراق بعد الغزو الأمريكي، وأزهر أيضاً في سورية بعد الفوضى والحرب المتعددة الجبهات .
إذا فنهج كاميرون يقول: نقصف اولاً، ثم نتحدث لاحقاً، ولكن قبل إضافة المزيد من القنابل البريطانية إلى الأخرى التي تنهمر الآن مطراً على سورية، المطلوب هو فقط تسريع محادثات السلام في فيينا، بمشاركة جميع القوى الإقليمية والدولية الرئيسية، وذلك بهدف التفاوض على حكومة ذات قاعدة عريضة في سوريا بدعم من غالبية شعبها.
في سياق هذه التسوية، ستتمكن القوى الإقليمية المدعومة دولياً بالمساعدة على استعادة الأراضي من التنظيم وهزيمته الدائمة التي لن تتحقق إلا من قبل السوريين بأنفسهم .
وفي الأسبوع الماضي، كنت في الصدارة للمعارضة المتزايدة في بريطانيا لخطط كاميرون في سورية، سواء في مجلس النواب وحزب العمل، وكان الرفض مستنداً على أربع عشرة سنة من الحروب الكارثية في الشرق الأوسط ورغم صعوبة طرح الموضوع في البرلمان، فمن الضروري أن نتعلم الدروس من تلك الحروب السابقة .
ففي ضوء هذا السجل من التدخلات العسكرية الغربية، سيكون قصف المملكة المتحدة لسورية مخاطرة أكبر مما وصفه الرئيس أوباما "بالعواقب غير المقصودة".
وقد قال رئيس الوزراء كاميرون أنه يريد إجماعاً من مجلس العموم على العمل العسكري، وهو الشيء الذي لم يحققه حتى الآن، فبعد العراق وأفغانستان وليبيا، يجب على أعضاء المجلس التفكير ملياً قبل التصويت وأن نضع باعتبارنا العواقب الوخيمة للحروب، فالمفاوضات السلمية هي الطريقة الوحيدة للتغلب على تهديد التنظيم.