بلدي نيوز - (ميرفت محمد)
تسعى إيران بشكل حثيث وجنوني للوصول إلى معبر "التنف" الذي تتمركز فيها قاعدة أمريكية وبريطانية، ذلك المعبر الذي يقع على مقربة من الطريق السريع الرابط بين بغداد وبين العاصمة السورية دمشق، وعمّان.
وهي تدرك أن خيارها الوحيد لتحقيق حُلم الهلال الشيعي، هو في السيطرة على معبر "التنف"، ولذلك دفعت بمليشيا "الحشد الشعبي" العراقي وغيرها من الداخل السوري، وتمكنت من دخول قريتين حدوديتين داخل الأراضي السورية، ومع التطورات العديدة في معارك البادية السورية، هل يتحقق انكسار إيران في معركة البادية؟
تعديل مسار (الكريدور) الإيراني
يتمثل الهدف الأساس الكامن وراء حركية أذرع طهران وحلفائها في البادية السورية، أنها الممر الإستراتيجي الرابط من محافظة ديالي على الحدود العراقية الإيرانية شرقًا، وحتى معبر "التنف" حيث يقع المعبر على مقربة من الطريق السريع الرابط بين بغداد وبين العاصمة السورية دمشق، وعمَّان والجنوب اللبناني.
وتشير مصادر سورية إلى أنه بعد توقيع اتفاق تخفيف التوتر، أو خفض التصعيد، في استانة 4، توجهت إيران نحو هذه المنطقة، إذ سمح الاتفاق بنقل قوات للنظام والإيرانيين والميليشيات الشيعية، إلى البادية السورية بغية قطع الطريق على أي توجه أمريكي مع المعارضة السورية، وبهدف فتح طريق إمداد لإرسال الأسلحة الإيرانية للنظام السوري.
يقول الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية (معن طلّاع) أن التحركات الإيرانية في البادية السورية ترتبط بالأوامر الصادرة عن قادة فيلق القدس قاسم سليماني وهادي العامري، وهي أوامر متعلقة بتعديل مسار الكريدور الإيراني (الممر الذي يربط طهران بالبحر المتوسط) ونقله من شمال سوريا لعدم ارتياح طهران من التواجد المتزايد للقوات الأمريكية إلى الجنوب.
ويضيف طلّاع "تدل تلك الحركية على أن نقطة دخول الكريدور إلى الأراضي السورية تقع على بعد 140 ميلاً جنوب المسار السابق مع الحفاظ على المسار الأصلي الذي يصل الحدود العراقية الإيرانية مروراً ببلدة جلولاء في محافظ ديالى متجهاً نحو الشمال الغربي إلى بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين حتى الوصول إلى جنوب بلدة تلعفر غربي الموصل"، وتابع "وبعد ذلك ينحرف إلى الجنوب الغربي بموازاة الحدود مع سوريا ودخول الأرضي السورية عبر المنطقة الحدودية الواقعة شمال شرق بلدة "الميادين" السورية، والتوجه منها إلى مدينة دير الزور وصولاً إلى مدينة تدمر الواقعة تحت سيطرة قوات النظام وسط سوريا، والانطلاق منها إلى العاصمة دمشق وبعدها إلى مدينة حمص وصولاً إلى الساحل السوري على البحر المتوسط".
معركة البادية .. نفوذ إقليمي أم دولي؟
تمتلك البادية السورية أهمية بالغة بالنسبة لإيران، وهي تزج بآلاف المقاتلين الآن في هذه المنطقة، عبر عدة جبهات، جبهة تدمر (خنيفيس) في ريف حمص الجنوبي الشرقي، وجبهة القلمون الشرقي تجاه معبر طريق دمشق الدولي، والجبهة الثالثة ريف السويداء الشرقي على محور سد الزلف.
يؤكد الصحافي السوري (فراس ديبة) على أن معركة البادية هي معركة رسم خرائط النفوذ بين الدول الإقليمية في سوريا، وتأتي أهميتها من أنه في حالة سيطرة إيران عليها أو المليشيات الموالية لها، فهذا يعني أن طهرن أصبحت متصلة برًا حتى ضاحية بيروت الجنوبية أو الساحل السوري، و أن مشروع الهلال الشيعي قد اكتمل فعليًا، من خلال وصل إيران بالجنوب العراقي عبر البادية السورية، إلى المناطق الشيعية في لبنان.
ويرى (ديبة) أن طبيعة المنطقة الصحراوية قليلة الجبال أمر يُصعب على أي قوة مهما كانت كبيرة أن تسيطر عليها بشكل كامل، موضحًا "ستبقي منطقة متنازع عليها لفترة طويلة، فهي منطقة مكشوفة أمام أي قوة تملك طيران أو تمللك صورايخ دقيقة الإصابة، لذلك يصعب التمركز فيها، ويصعب الثبات على أراضيها، لذلك الراجح أن السيطرة ستكون للميلشيات الطائفية الإيرانية في هذه المرحلة".
مسارات التحرك الإيراني وتوجهات المعركة
يقول الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية (معن طلّاع) تهدف طهران عبر أذرعها الميليشاوية في تلك المنطقة التغلغل في ثلاث مناطق، هي القلمون الشرقي والبادية وريف السويداء الشرقي، وذلك لإيقاف انتصارات الكتائب الثورية على تنظيم الدولة وما سيحققه لها من مكاسب، ومحاصرتها في القلمون الشرقي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لحرمان قوات التحالف الدولي من خدمات حلفائه المحليين (كتائب الشهيد أحمد العبدو – أسود الشرقية- مغاوير الثورة وغيرهم) في معركة دير الزور المحتملة، وبالتالي استبدال تلك الخدمات بخدمات ميليشا الأبدال الشيعية وقوات النظام المنتشرة في هذه المنطقة.
ويشير (طلّاع) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" إلى انه من الناحية العملية ما تزال إيران تمتلك الخيارات الميدانية التي تساعدها على تنفيذ تلك الأهداف رغم الضربات الصاروخية المركزة والمنفذة من قوات التحالف على أذرعها وحلفائها، مضيفًا "لا تزال تحاول الالتفاف على رسائل واشنطن بعدم الاقتراب لتلك المنطقة (من نقطة سد الزلف إلى منطقة البوكمال ونقطة الحميمة، أي بدائرة قطرها 60 كم تقريباً) هذه المنطقة التي شهدت عمليات عسكرية نوعية لكتائب مغاوير الثورة وبعض الفصائل الأخرى كشهداء القريتين وشهداء القلمون ضد تنظيم الدولة كخطوة أولى لدخول الميادين والبوكمال ضمن أطر وخطط معركة دير الزور".
ويتابع القول "إذ وتهرباً من تلك الضربات غيرت تلك الأذرع مسار تحركها العسكري وانطلقت إلى شمال منطقة السبع بيار المتواجد فيها تنظيم الدولة الذي انسحب منها بعد يومين وبذلك تكون قد حققت أمرين: الأول تجنبت ضربات التحالف كونها تقاتل التنظيم، والثاني: محاصرة القلمون الشرقي الذي يتواجد فيه كتائب الشهيد أحمد العبدو".
وبالرغم من التطورات العسكرية التي تشهدها مناطق البادية السورية والضربة المؤلمة الموجهة لأذرع طهران إلا أن (طلّاع) يعتقد أن المنطقة لا تزال مرجحة على كل الاحتمالات، خاصة إذا ما ربطناها بشكل مباشر بخطط التحالف حيال الخطوات اللاحقة للرقة، تلك الخطط التي تحاول موسكو من جهتها أيضاً عرقلتها وعدم توفير البيئة المناسبة لها، وهو ما يرجح تفاهماً وتنسيقاً أكثر عمقاً بين الروس والأمريكان فيما يتعلق بمحاربة التنظيم في سوريا وقد يكون على حساب طهران أو لصالحها، حسب (طلّاع).