بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
رغم التحالف الكبير بينهما، إلا أن سوريا شكلت دائمًا محطة تتضارب فيها مصالح الحليفين الاستراتيجيين روسيا وإسرائيل، فوسط الكم الهائل من التطورات سرعان ما تقطع إسرائيل ضبط نفسها وتعجل في الإعراب عن قلها من التحالف الإيراني-الروسي.
وبينما استبشرت إسرائيل خيرًا في التدخل العسكري الروسي، ما يزل القلق حاضرا بسبب المسافة المتساوية التي تنتجها روسيا بينها وبين (العدو الإيراني) حسب الإسرائيليين، حيث ترى إسرائيل في الوجود العسكري المتنامي لإيران في سوريا الخطر الكبير، الذي لا تكف تقارير المخابرات الإسرائيلية عن التحذير منه، وبينما همس رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في أذن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) الذي التقى به في آذار الماضي "إيران باتت هُنا.. باتت قريبة جداً"، نتساءل في هذا التقرير عن السياسة الروسية بين إيران وإسرائيل.
تجاذب المصالح بين روسيا وإسرائيل
"حقيقة وجود محور روسيا-إيران يقلقنا جدًا، ونحن نقول إن إيران، وأنا قلت ذلك للرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين، تمثل خطرًا، ليس بالنسبة لنا فحسب، بل وبالنسبة لروسيا في نهاية الأمر"، جزء مما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) قبل أيام في مقابلة مع القناة الإسرائيلية التاسعة، الناطقة بالروسية.
فكما أسلفنا، طالما شكل تقارب -الحليفين القويين وأبرز الداعمين لنظام بشار الأسد- إيران وروسيا قلقا كبير لإسرائيل، التي توقعت أن يأخذ التنسيق الأمني والاستخباراتي عمقا أكبر بعد التدخل الروسي، ورغم بروز تحركات تشير إلى أن هناك درجة تنسيق أعمق من المعلن عنه، تهدف لوقف تمدد إيران ونفوذها في سوريا، تحت غطاء التحالف "الروسي الإيراني" المشترك، لكن مع مرور الوقت لم يستمر ذلك وهو ما أخذ يثير التخوفات الإسرائيلية بين الفنية والأخرى.
وعلى الأرض أخذت إسرائيل تتحرك لمصلحتها بعيدًا عن الحليف الروسي، فقد تمكنت من تعطيل اتفاقيات مهمة بين الطرفين، وواصلت ضرباتها الجوية في الداخل السوري.
وقد جاء في تقرير الدوري (تقديرات استراتيجية)، الصادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن "للعلاقات المتطورة بين إيران وروسيا دلالات وتداعيات سلبية على إسرائيل، مثل استعداد موسكو لتزويد طهران بسلاح متطور سيصل قسم منه في نهاية المطاف إلى حزب الله".
المصلحة الروسية أولًا
رغم وجود تعاون وتنسيق روسي إيراني في سوريا منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم، إلا أن الباحث الأكاديمي السوري المقيم في موسكو (محمود الحمزة) يؤكد أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست استراتيجية، وذلك لاختلاف الأجندات، فروسيا لديها أجندة جيوسياسية بينما إيران تسعى لنشر أفكارها الطائفية وتعمل من أجل إمبراطورية فارسية.
ويوضح (الحمزة) أنه بعد معركة حلب بدأت مؤشرات تفيد بخلافات روسية إيرانية تجسدت في سقوط تدمر بيد (تنظيم الدولة) بسبب النظام والميليشيات التابعة لإيران وعبرت وسائل الإعلام الروسية عن خيانة وغدر حصل تجاه القوات الروسية في تدمر، وفي حلب أعاقت الميليشيات التابعة لإيران خروج المقاتلين والمدنيين من حلب.
ويعتبر (الحمزة) المفاوضات بين روسيا والمعارضة السورية المسلحة بمشاركة تركية وغياب إيران دليل آخر على تلك الخلافات، مضيفًا لبلدي نيوز "هكذا تتالت المواقف التي توحي بخلافات روسية إيرانية، ومن جهة أخرى سارع الرئيس بوتين لزيارة إسرائيل بعد انطلاقة الثورة السورية لضبط الساعات والتنسيق بخصوص الملف السوري إلى أن جاء التدخل العسكري الروسي ليبرز للعلن التنسيق والتحالف الروسي الإسرائيلي والدليل أن الطائرات الإسرائيلية تتجول في الأجواء السورية وتقصف مواقع للنظام دون أن تحرك روسيا ساكنًا".
ورغم مطالبة إسرائيل لروسيا بالتخلي عن إيران لأنها تشكل خطر على أمن إسرائيل، فالنتيجة –حسب الحمزة- وجود تحالف تكتيكي بين روسيا وإيران وكذلك بين روسيا وإسرائيل، موضحًا أن "روسيا المعاصرة ليست الاتحاد السوفيتي وهي تنهج سياسة براغماتية ومصالحها فوق أي اعتبار وهي مستعدة للتخلي عن إيران أو حتى إسرائيل إذا اقتضت مصالحها الاقتصادية والسياسية ذلك".
روسيا.. مسافة متساوية من إسرائيل وإيران
يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية (أنطوان شلحت) أنه رغم التحالف المتين بين روسيا وإسرائيل خاصة في الأمور الاستراتيجية إلا أن هناك تضارب مصالح قد يحدث أحيانًا بين إسرائيل وروسيا.
ويستدرك بالقول "هناك عدد من الخطوط الحمر التي حتى الآن لم يتم تجاوزها لا من طرف إسرائيل ولا من طرف روسيا، لكن أحيانا ينشأ تضارب مصالح مثل أي دولتين في وضع تحالف"، مضيفًا "التدخل الروسي محكوم لتحقيق مصالح روسيا، وصحيح أن قسم من هذه المصالح ربما تتماشي مع المصالح الإسرائيلية لكن هذا الأمر لا يحدث بصورة مطلقة".
ويوضح مدير وحدة المشهد الإسرائيلي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في حديثه لبلدي نيوز أن التقارب الإيراني الروسي هو جوهر تضارب المصالح بين إسرائيل وروسيا، لأن إسرائيل تسعى من خلال تحالفها مع روسيا للضغط على موسكو من أجل أن تنأى بنفسها عن إيران، لكن على ما يبدو الموقف الروسي يأخذ مسافة متساوية من إسرائيل ومن إيران، فروسيا في النهاية تفكر في مصالحها الاستراتيجية.
وفيما يتعلق بمردود زيادة الضربات الإسرائيلية في الداخل السوري وعلاقته بالتحالف مع روسيا، يرجع (شلحت) ذلك لكون سياسة إسرائيل التقليدية والبعيدة عن التحالفات تقوم على رفع شعار (ما حك جلدك مثل ظفرك)، ويوضح (شلحت) "هذا ينطبق ليس فقط على التحالف القائم بين روسيا وإسرائيل بقدر ما ينطبق على الحلف القائم بينها وبين الولايات المتحدة أيضًا، فهناك تحركات تقوم بها إسرائيل بدون تنسيق كامل مع حلفائها".
إسرائيل تفضل النظام السوري
بعد تولي الرئيس الأمريكي (رونالد ترامب) الإدارة الأمريكية، عجل (نتنياهو) للتأكيد لموسكو وواشنطن أن إيران وميلشياتها يشكلون "خطراً وجودياً" على دولة إسرائيل، وهو ما يتطلب تكثيف الضربات الإسرائيلية داخل سوريا، وبالفعل تحركت إسرائيل نحو خطواتها، لذلك يشير القيادي في تيار الغد السوري (عبد الجليل السعيد) إلى أن ما يقلق نتنياهو هو قيام روسيا بإعلام الإيرانيين عن مواطن القصف التي تريده إسرائيل لحزب الله أو لغيره.
ويعتقد (السعيد) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" أنه ربما إسرائيل تأمن على نفسها بالوجود الإيراني قبل الروسي، ويقول "الإسرائيليون يقصفون أهدافا يرون أنهم تضرهم في سوريا، يقصفون مواقع لحزب الله، يقصفون مواقع الحرس الثوري الإيراني بالقرب من المقرات العسكرية التابعة للنظام السوري، وهم لا يتلقون أي ردة فعل على ذلك وإنما الرد يكون من النظام بقتل المدنيين والعزل من الشعب السوري".
من وجهة نظر (السعيد) فإسرائيل لن تجد أفضل من النظام السوري الذي يهدم مقدرات سوريا ويجلب لها المحتلين من مشارق الأرض ومغاربها، ويقول "ربما المعارضة السورية تنظر إلى أن هناك مصالح للدول الإقليمية والمجتمع الدولي الممثل في روسيا والولايات المتحدة، فالكل يدير مصالحه حسب ما يرتئيه ولكن مصلحة إسرائيل لن تزيد هذا الدمار الذي صنعه النظام السوري، باستجلاب الروس والإيرانيين والميلشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية"، ويتابع القول "لربما إسرائيل اليوم ليس فقط تعيش أمنًا وأمانًا وإنما يضاف عليه الاطمئنان، ونستذكر هنا تصريحات رامي مخلوف حينما قال أن أمن سوريا من أمن إسرائيل".