بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
بعد فترة من العمل استمرت ستة أشهر، تمكن الجناح العسكري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" من الإعلان عن ما سماه (مجلس الرقّة المدنيّ)، لإدارة شؤون المحافظة تمهيدًا للسيطرة على المدينة بعد إخراج تنظيم "الدولة" منها.
يأتي ذلك قبل انتهاء المعركة التي تشن ضد التنظيم في الرقة منذ تشرين الثاني الماضي، العملية العسكرية التي تعرف بـ "غضب الفرات"، وفي المحصلة يشكل مدى سيطرة الأكراد في مستقبل الرقة قضية خطيرة، على عدة أطراف، أولهم السكان العرب للمدينة وهم غالبية، وعلى تركيا التي تحارب تمردًا كرديًا وتخشى تنامي سطوة وحدات حماية الشعب الكردية عبر الحدود في شمال سوريا.
المعارضة غائبة
تمنح الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الدعم في معركة الرقة، فقد أعلنت واشنطن أنها ستعزز قواتها في سوريا إلى جانب تقديم الدعم العسكري واللوجستي لـ"قسد"، وهي تعتمد على هذه القوات بالدرجة الأولى في حربها على تنظيم "الدولة"، والآن تكثف هذه القوات هجومها قرب المدينة بغية عزلها والسيطرة عليها في نهاية المطاف ومن ثم تشكيل ملامح الحكم المدني.
يقول رئيس المكتب الإعلامي بالمجلس الثوري الكردي السوري الإعلامي (أبو المجد كومله): "لا يوجد في سوريا كيان كردي أو إدارة ذاتية أو ما يسمى (روج آفا)، ما يوجد هو حلفاء للنظام السوري من الأكراد، والكل شاهد ما حدث في الحكسة وقامشلي وعفرين، عندما قام النظام بتسليم هذه المنطقة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) لكي يقمع أي حركة انتفاضة كردية مع الثورة السورية".
ويضيف: "حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ليس له وجود حول الرقة أو الطبقة، ولكن يستغل البعض من الإخوة العرب، الحرب بالوكالة، فعندما قامت جبهة النصرة وداعش، بقتل المسلمين السنة، اضطروا للهرب نحو حزب العمال الكردستاني PKK، وهذا الحزب قام باستغلالهم وتجنيدهم"، ويوضح (كومله) لـ"بلدي نيوز" أن "المعارضة السورية لم تقدم المساعدة للنازحين قسريًا من مناطق الرقة إلى دير الزور، لذلك ذهبوا إلى حزب الاتحاد الديمقراطي وهو ما استغله الحزب لزجهم في حرب بالوكالة"، ويتوقع (كومله) أن الرقة ذاهبة إلى سيطرة النظام السوري، إلا في حال تمكن الثوار من التوجه إلى مدينة الرقة والطبقة دخولا من معبر تل أبيض، وذلك بعد عملة درع الفرات في الريف الشمالي لحلب.
مجلس مدني شكلي
يقول المختص في الشأن الكردي (مهند الكاطع) إن الشعب السوري تعرض للتدمير والقصف والتهجير في كل المحافظات السورية، والرقة هنا ليست استثناءً، بل تم تسليمها لداعش بإشراف النظام منذ تأسيس هذا التنظيم، ولم يخض ضدها النظام ولا الروس أي معركة أو هجوم.
ويضيف (الكاطع): "السواد الأعظم غير المنظم وغير المسلّح هو عملياً أقليّة، بنفس الوقت عصابات الأقليات المنظمة والمدعومة من جهات دولية ومسلحة هي (أغلبية بميزان القوة)، وبهذا لا تقاس الأمور في ساحات المعارك اليوم بموضوع الأقلية والأكثرية بقدر ما تقاس بمدى قوة كل طرف على الأرض ومدى حصوله على دعم"، مؤكدًا على أن مسألة إنشاء مجلس مدني في مدينة الرقة هو أمر شكلي اعتادت ميليشيات العمال الكردستاني على إقامته في كل مدينة أو بلدة تحتلها أو يتم تسليمها لهم من قبل النظام، ويستدرك خلال حديثه لـ"بلدي نيوز": "لكن هذا لا يعني بأن هذه الميليشيات أصبحت أمراً واقعاً، كما أن داعش التي استمرت منذ 4 سنوات في احتلالها لعدة مناطق لم ولن تصبح أمراً واقعاً، المدن السورية لأهلها، وميليشيات تمارس الإرهاب كالعمال الكردستاني وداعش لا يمكن لها أن تكرس لأمر واقع في ظل الرفض المحلي والإقليمي والدولي لها أيضًا"، ويوضح (الكاطع) أنه من الخطأ التفكير بأن العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بهذه العصابات ستكون إستراتيجية، فهي علاقات مؤقتة يتم من خلالها استخدام قوات جاهزة مسلحة عقائدياً بفكر إيديولوجي يمكن تطويعه لخدمة مصالح الولايات المتحدة حالياً وتجنبها استجلاب قوات أمريكية للمنطقة وتكاليف إضافية، حسب (الكاطع) الذي يضيف: "أعتقد بأن العلاقة الأمريكية مع دول المنطقة وبخاصة تركيا هي التي ستكون بالنهاية الفيصل في إنهاء الدعم الأمريكي العسكري لهذه القوات، ولن يكون هناك أي اعتراف سياسي بهذه العصابات في سورية من أي طرف على المدى البعيد."
صيف ساخن
بالتأكيد، سيثير دخول المقاتلين الأكراد إلى الرقة حفيظة السكان العرب، فرغم أن مقاتلي "الوحدات التابعة للعشائر العربية" سيدخلون إلى المدينة أيضًا، إلا أن "قوات سوريا الديمقراطية" سيكون لها دور قتالي أكبر.
يرى المختص في الشأن الكردي (عبو الحسو) أن منطقة الجزيرة والرقة ضمنًا باتت مركز نفوذ أميركي بحكم وجود النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية الواسعة والخصبة فمن يسيطر على تلك المنطقة يسيطر على مقدرات سوريا الرئيسية.
ويوضح (الحسو) أن أميركا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حاليًا هي الجهة الوحيدة الموثوق بها والمعتدلة والتي تحقق المصالح الأميركية، وذلك رغم وجود تواصل بين قيادات من الجيش الحر والولايات المتحدة للمشاركة في معركة الرقة، وقد يكون الدخول لفصائل من الجيش الحر تابعة لعشائر المنطقة من ناحية الجنوب البوكمال- دير الزور ووصولاً إلى الرقة.
ويشدد (الحسو) في حديثه لـ"بلدي نيوز" على أن المنطقة ستشهد صيفًا ساخنًا كما يبدو، وقد تشهد إعادة تموضع وتغير في التحالفات ولا سيما بعد الاستفتاء في تركيا والمكالمة الهاتفية التي جرت في أجواء إيجابية بين ترامب وأردوغان والتأكيد على ضرورة محاسبة الأسد ومحاربة تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK.
ويقول (الحسو): "هناك اتصالات ومحاولات من قبل قيادات في الجيش الحر للسماح بفصائل تابعة له للمشاركة في معركة تحرير الرقة وكذلك تركيا تضغط بهذا الاتجاه ودخول قوات عربية تابعة للعشائر للمشاركة في معركة تحرير الرقة والدخول من تل أبيض أو من مناطق درع الفرات ودخول منبج والوصول إلى الرقة، لكن تحقيق ذلك سيحدده التفاهم الأميركي – التركي".