كروكس – (ترجمة بلدي نيوز)
دفعت الذكرى السنوية لتولي البابا فرانسيس منصبه هذا الأسبوع بالعديد من المعلقين إلى ذكر قائمة بأبرز أعمال البابوية –وبالتأكيد لم تكن السياسة الخارجية للبابا– ولا سيما في سوريا ضمن هذه القائمة، حيث أدت الدبلوماسية الفاتيكانية في جعل الأسد أكثر أمناً في دمشق، ودفعت حليفه القوي بوتين إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط.
ويبدو أن ما يسمى في لغة الفاتيكان "العلاقات مع الدول" هي واحدة من نقاط الضعف في البابوية الفرنسيسكان، فقد كرس البابا فرانسيس اهتماماً خاصاً لأربع دول هي: سوريا، وأوكرانيا وكوبا وفنزويلا، ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للناس العاديين في أي من تلك البلدان، ناهيك عن السكان الكاثوليك، أن يكونوا أفضل حالاً بسبب سياسته.
فهل كان البابا فرانسيس المسؤول عن الكوارث البشرية في تلك البلدان؟ من المؤكد لا -لكنها بالكاد يمكن وصفها على أنها قصص نجاح للدبلوماسية البابوية، وسوريا كانت الامتحان- فقد قاد البابا فرانسيس حملة اتهام أخلاقية ضد التدخل العسكري الغربي المقترح على سوريا عقب اتهامات الأسد بأنه ألقى الأسلحة الكيميائية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة حول دمشق.
بل وأطلق فرانسيس دفعة دبلوماسية شاملة ضد توسيع الصراع، وقد ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك في وقت لاحق، مقدراً فضل البابا وحسمه في وقف الزخم الموجه ضد النظام السوري من قبل مجموعة الدول الثماني وحثهم على تبني المبادرة الروسية لتسليم الأسلحة الكيماوية، مع أن مديح الرئيس الروسي للبابا وتقديره هو أمر يدعو للانتقادات وليس المديح!
وفي أيلول 2013، كان البابا فرانسيس في ذروة شعبيته العالمية، وسط حملته الشهيرة "من أنا لكي أحكم على مثليي الجنس؟"، وذلك أثناء رده على أسئلة الصحفيين وهو على متن الطائرة عائداً إلى روما، والتي أكسبته ثناء كبيراً مع أن الخلافات المذهبية داخل الكنيسة كانت لا تزال في أوجها.
واستثمر البابا مكانته وشعبيته تلك في معارضة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة لتطبيق خط الرئيس باراك أوباما الأحمر ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، ودعا الكاثوليك في جميع أنحاء العالم للانضمام له في وقفة احتجاجية في صلاته ضد العمل العسكري الغربي!
ومن المؤكد أنه لو كان أوباما عازماً فعلاُ ومصمماً على تنفيذ سياسته المتعلقة بالخط الأحمر لما استطاع البابا منعه، ومع ذلك كان لجهود الفاتيكان الدبلوماسية أثرها, وانتهى الوضع السوري إلى تسليم الأسد للأسلحة الكيميائية والتعويل على روسيا في الأمم المتحدة لتمارس حق النقض ضد أي قرار ضده، وأصبح الروس هم الضامنون لامتثال الأسد بمعنى أن الحليف يراقب حليفه!
وكان هذا انهياراً تاماً لسياسة أوباما -واعتبر على نطاق واسع أعظم فشل في سياسته الخارجية– حيث أصبحت روسيا قوة أجنبية رئيسية في سوريا.
وهزم بوتين أوباما شر هزيمة، وعلى الرغم من أن فرانسيس لم يضع الفاتيكان إلى جانب بوتين، إلا أن معارضته أي عمل غربي ضد النظام السوري خدم مصالح كل من الأسد وبوتين.
وبعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، أسفرت دبلوماسية أوباما وفرانسيس في جعل الأسد أكثر أمنا في دمشق، وخولت حليفه القوي بوتين للعب دور أكبر في الشرق الأوسط، منذ أن أخرج أنور السادات السوفييت من مصر عام 1972.
ولم يعتبر البابا ولا الرئيس الأمريكي جهودهما في ذلك الوقت فشلاً ذريعاً، ولكن بوتين اعتبرها بالتأكيد انتصاراً كبيراً، وبدأ على الفور باستعراض عضلاته في أوكرانيا، وتوجيه حليفه هناك إلى التخلي عن الاتفاق المقترح مع الاتحاد الأوروبي لصالح تحالف مع روسيا البيضاء.
وحين اندلعت الانتفاضة الشعبية الأوكرانية، اضطر بوتين للانتظار حتى انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014، وحالما أطفئت الشعلة الأولمبية -كانت القوات الروسية تغزو شبه جزيرة القرم- ولم يكن هناك خط أوباما الأحمر هذه المرة، ولا أي وقفة احتجاجية أو صلاة بابوية.
فبوتين كان يعلم أنه لن يواجه أي معارضة من البابا أو أوباما وازدادت قوته وسرعان ما قامت القوات الروسية باجتياح شرق اوكرانيا واحتلالها، وفي سوريا قام مع حليفه الأسد بالسيطرة على ما تبقى من سوريا ودمر حلب.
المفارقة الأكثر قسوة عندما ينظر المرء إلى أن أزمة اللاجئين السوريين في مرحلة ما بعد 2013 والتي زعزعت استقرار حتى أوروبا هي نتيجة أخرى لتعزيز البابا لقوة الأسد وبوتين.
ومع أن البابا فرنسيس يصر على الالتزام باستقبال اللاجئين، إلا أنه أقل صخباً لذكر الأسباب التي تدفع اللاجئين لترك ديارهم، فملايين اللاجئين السوريين هم نتيجة لحرب الأسد وتقاعس المجتمع الدولي والدبلوماسية البابوية التي لجأت في وقت لاحق لتقديم إيماءات قوية! -فقط إيماءات- لمواساة المنكوبين دون توقع أي مساعدة عملية من المجتمع الدولي.
فقد أرسل البابا عن طريق الكاردينال في سوريا، رسالة للأسد يطلب منه التوقف عن ذبح خصومه، ونظم الفاتيكان مجموعات في أوروبا لدعم الأوكرانيين الذين يعانون من العدوان الروسي، وهذه الإيماءات هي ما بقي عندما تفشل السياسة.
وربما لم يكن هناك شيء يمكن أن يقوم به الكرسي الرسولي ليوقف بوتين بعد أن تخلى أوباما عن ذلك، ومع ذلك يبقى تدخل البابا لمنع معاقبة النظام السوري قد صعب الأمر على أوباما لفرض سياسته، لو أراد ذلك.
إن الضغط العالمي الذي مورس من قبل البابا فرنسيس قد فضل الأشرار، حتى لو كان حسن النية، فلم يكن "فوزاً " للبابا فرنسيس، وسبب معاناة عظيمة للشعب السوري.