بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
أبرمت روسيا –قبل أيام- هدنة في الغوطة الشرقية تقضي بوقف لإطلاق النار وتستمر لغاية 20 آذار الحالي، وأول أمس أبرمت اتفاقاً جديداً في حي الوعر الحمصي المحاصر.
في السابق تصدرت إيران مهمة إبرام الهدن مع الفصائل العسكرية للمعارضة السورية دون أي رقابة دولية، أو ضمانات لحياة السوريين في المناطق التي تبرم فيها الاتفاقيات، لتأخذ روسيا الآن لعب دور جديد في سوريا من خلال التصدر في توقيع هذه الهدن، وهو ما يهدد الدور الإيراني، حيث بات يشعر الإيرانيون أن روسيا تحصد نتاج عملهم على مدار العامين الماضيين في سوريا.
القرار الروسي هو النافذ
تعرف الهدنة بأنها عملية تفاوضية يتم بموجبها التوصل لوقف مؤقت للعمليات القتالية، مفتوح على احتمالات عدة كالتوصل إلى اتفاق سلام أو تمديد وقف إطلاق النار أو تجدد العمليات القتالية.
يؤكد المحامي والناشط الحقوقي السوري (غزوان قرنفل) على أن القرار الروسي هو القرار النافذ في سوريا، ويقول: "ما تقرره روسيا بشأن الهدن سيسري رغم تعارضه أحيانًا مع رغبات وحاجات الإيرانيين العسكرية، فلروسيا آليات عمل تختلف أحيانًا عما تراه إيران" .
ويوضح (قرنفل) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" أن روسيا لا تريد أن تتفرد إيران بالقرار بشأن سوريا وتسعى لترتيب أوضاع النظام على مختلف المستويات بما يسمح بإعادة تأهيله وتعويمه دوليًا من جديد مع الحفاظ على مساحة المصالح الإيرانية فيه لكن وفق الرؤية الروسية ومقتضيات مسؤولياتها كدولة عظمى وتسعى لإنتاج حل للمسألة السورية، ويعتبر رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار (قرنفل) أن تعاطي أطراف المعارضة بهذا الشأن مع روسيا هو اعتراف بكونها الدولة الراعية والضامنة للحل، خصوصًا أنها تتصرف وكأنها حصلت على ما يشبه تفويضًا دوليًا بإنتاج هذا الحل وفق قواعد دولية صارت أكثر مرونة لدرجة (الميوعة) في محددات هذا الحل، كبيان جنيف 1 والقرار 2254.
ويرى (قرنفل) أن "روسيا وتحت ذريعة الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انهيارها ستعيد تأهيل النظام - ببشار أو بدونه - وتضيف بعض مساحيق التجميل لوجهه القبيح حتى يصبح أكثر مقبولية بعد هذا الكم من الإجرام".
التعاطي مع الروس أكثر ضمانة
في المحصلة يلجأ كلا الحلفين الروسي والإيراني لإبرام الهدن بعد فرض الحصار والجوع والقتل، وذلك بهدف تفتيت المعارضة السورية المدنية عبر اتفاقيات الهدن المحلية، وقد سجل اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الزبداني (كانون الثاني 2012) كأول اتفاق معلن، ثم شهد العامان 2013-2014 العدد الأكبر من اتفاقيات الهدن.
وعلى نقيض ما يراه (قرنفل)، يعتقد الصحافي السوري (فراس ديبة) أن إيران لم تكف يدها عن إبرام الهدن، فبينما أبرمت روسيا اتفاق هدنة سابقاً في وادي بردى، قامت إيران وميليشياتها بإفشال الهدنة ومنعت الضباط الروس من الدخول إلى وادي بردى، واستمرت بهجومها على المنطقة إلى حين تمت الوساطة الألمانية التي توصلت إلى اتفاق بخصوص الوادي مع النظام و"حزب الله" برعاية شكلية روسية.
ويتابع (ديبة) القول: "علينا أن ننتظر مدى التزام ميلشيات الأسد وخامنئي بالاتفاقات الجديدة التي تبرمها روسيا حتى نستطيع تقدير ما إذا كانت روسيا هي صاحبة الكلمة فعلاً أم أن سيناريو وادي بردى سيتكرر".
وفيما يتعلق بقبول الثوار والمدنيين بالطرف الروسي في الهدن، وإذا ما كان الأمر بمثابة الاعتراف بأن الحل الروسي هو النافذ، يوضح (ديبة) أن الثوار والمدنيين يفاوضون من يقدم نفسه على أنه المفوض بالاتفاق، وختم بالقول: "التعاطي مع الروس قد يكون من منظورهم مضموناً أكثر من التعاطي مع النظام وإيران وميليشياتها".
روسيا وصي على النظام
قدمت روسيا نفسها كوسيط عن النظام السوري وضامن لبنود اتفاق في حي الوعر المحاصر، لذلك يؤكد مدير مركز مدارك لدراسات الإسلام السياسي السني والشيعي (محمود شعبان (أن روسيا تسعى إلى تقديم نفسها كوصي على سياسيات النظام السوري باعتبار أن المنوط بها تقديم مقترحات لحلول.
ويضيف لـ"بلدي نيوز": "تريد أيضًا أن تقدم نفسها للأطراف المتصارعة سواء المحسوبين على الثورة السورية إلى الجماعات المسلحة بقدرتها على تقديم حلول سياسية تنقذ الوضع في سوريا"، ويستدرك (شعبان) بالقول إنه وعلى الرغم من مثالية المشهد إلا أن الواقع أن مقترح روسيا كان سياسيًا فقط وليس عسكريًا، بمعنى أنها تقديم مقترح للإعلام وللرأي العام وللجماعات السورية، لكنها عسكريًا ماضية في اتجاه آخر، وهي تغض الطرف عن تجاوزات النظام السوري وهو ما كان بخرق الهدنة على يد النظام السوري بعد أقل من أربع وعشرين ساعة، ويتابع: "على الرغم من أن أحرار الشام رافضون للاتفاق، إلا أن الجماعات المسلحة في سوريا وعلى رأسها جيش الإسلام الذي يسيطر على معظم الغوطة تريد وقف نزيف الدم حتى وان كانت المبادرة مقدمة من إيران وليس روسيا، وهو ما أكده حمزة بيرقدار المتحدث العسكري باسم جيش الإسلام، الذي يتولي مسؤولية تولي مهام إبرام الاتفاق مع النظام السوري بضمانات روسية، حيث قال الرجل إنهم لا يمانعون أي مقترح روسي من أجل وقف نزيف الدماء في سوريا".
ويتوقع (شعبان) أن تنتظر الدولة ذات السلطة الواضحة في الشأن السوري حتى يتمخض سعي روسيا عن اتفاق، وحال اكتشاف طهران انتقاص الاتفاق من حقوق إيران فسوف تتراجع عن الموافقة على الاتفاق وتخرقه كالعادة في تعاملها مع الملف السوري.