بلدي نيوز – (جواد الزبداني)
لم يتجاوز عمر "ياسر" اليتيم الأبوين السنين العشر، وياسر طفل من مدينة الزبداني استشهد أبواه بقصف النظام لهم أثناء هروبهم من جحيم قواته التي كانت تحاول اقتحام المدينة، وحينها شرع الثوار بنقل الأهالي عبر الأراضي الزراعية إلى بلدتي مضايا وبقين في الجنوب الشرقي لمدينة الزبداني حيث تسكن شقيقة ياسر الكبرى "هديل" والتي تزوجت قبل عامين وسكنت مع زوجها هناك .
لم يستطع ياسر نسيان لحظة وفاة والديه على مدخل النفق الذي سيوصلهم لمضايا عندما تم استهدافه بالهاون مما أدى لاستشهادهما، ولم ينس أيضا من قتل والديه ودمر منزله وحارته ومدرسته وأبعده عن رفاقه والكثير الكثير من الأشياء البشعة التي دفعت ياسر ليكون عن قناعة تامة أصغر الثوار في مضايا وبقين ليقوم هو وأصدقاؤه بتشكيل كتيبة ليحملوا ألعابهم الصغيرة ويكونوا ثواراً .
ورغم أن ياسر في سن المدرسة إلا أن حالة زوج أخته المادية لا تسمح له بإرساله إلى المدرسة ليقوم ياسر بمساعدة زوج أخته بمحله لتصليح الأحذية، وبعد انتهاء عمله يكمل مهامه كقائد فصيل الأطفال ليقوم وأصدقاءه بأخذ ألعابهم التي تتكون من قطعة من الحديد أو الألمنيوم ويضعوا عليها حبلاً لتصبح بندقيتهم التي سيحررون بها سوريا من "بيت الأسد" كما يقول ياسر، ويتابع لنا الحديث عن أعماله وأحلامه: "نحن نذهب بشكل يومي وندور جميع شوارع البلدة مرددين الهتافات والأغاني الثورية والتكبيرات التي لم يعد الكبار يرددوها لنقوم أثناء ذلك بجلب المياه لمنازلنا بعربتنا الخاصة التي صنعناها وكتبنا عليها أسماءنا وبعد أن نوصل المياه نقوم بخدمة أهالي البلدة فمن يريد المياه جلبنا له المياه وغير ذلك بمقابل مادي لكي نشتري بعض الحلوى ولكننا لا نتوقف عن ترديد الأناشيد أبدا طيلة النهار".
يتكلم ياسر بطفولة وبراءة أنهكتها الحرب الطويلة، فهو يقوم بما عجز عنه قادة الفصائل في سوريا، فهو ورفاقه يرفضون أن يعبئوا المياه للمؤيدين بل ويرفضون أن يزيلوا علم الثورة عن عربتهم.. ذلك العلم الذي رسموه بأيديهم الصغيرة، حيث إن ياسر رفض أن يتنازل عن قيم الثورة وعلمها حتى بمقابل المال الذي يقوم بجمعه في آخر اليوم وتوزيعه على أصدقائه في الكتيبة. وياسر لديه الكثير من المشايع كما أخبرنا: "نحن نقوم بتوفير نصف دخل الكتيبة اليومي لنشتري في آخر هذا الشهر كمية من الحلويات لنبيعها ويستمر عملنا فأنا من واجبي تأمين الحلويات لأصدقائي وأختي هديل أيضا".
ويقوم الأطفال باللعب باستخدام أسلحتهم كما يحبون تسميتها، فتارة يعلنون الانشقاق وتارة خوض المعارك وتارة الموت وهو أكثر ما يحزن في لعبتهم تلك، فكلها سعادة وفرح حتى الموت لديهم جميل فضحكات الميت لا تفارق وجهه كما يمثل الطفل، وحتى الحرب لديهم جميلة خاصة عندما يقومون بفتح معركة وتقسيم أنفسهم لثوار ولا أحد يريد أن يلعب وكأنه من الجيش والشبيحة .
وعندما سألناه عن المدرسة رد قائلا: "أنا كنت أحب مدرستي ومازلت أشتاق لرفاقي ولأستاذي الذي بقي في الزبداني يحارب النظام فهو أول من علمنا أن بشار مجرم وهو من يقصفنا ويدمر منازلنا وأنا الآن أتمنى أن أعود للدراسة لكني لا استطيع بسبب كوني قائد كتيبة وأعمل مع زوج أختي أيضا، ولكن زوج أختي وعدني إن فك الحصار عنا سيجعلني أكمل دراستي".