بلدي نيوز – (نور مارتيني)
بعد قرابة عامين من الشغور الرئاسي، وصل الجنرال ميشيل عون إلى سدة الحكم في لبنان، محققاً حلمه الذي انتظره أكثر من ربع قرن، منذ خروجه من لبنان ملتجئاً إلى فرنسا عام 1990، هارباً من "الجيش السوري"، حيث كان "عون" عراب القرار 1559، الذي أدى إلى خروج الجيش السوري من لبنان.
غير أن المفاجأة الأكبر كانت في الصفقة التي أدت إلى رأب الصدع بين تياري/ 8آذار/ و /14آذار/، من خلال وقوع الاختيار على "سعد الحريري" رئيساً للحكومة، بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و 2011 سابقاً.
تشير المعطيات الأولية إلى أن صفقة ما أبرمت على حساب "حزب الله"، من أجل ملء الشغور الرئاسي في لبنان، وأن جهة ما ضغطت باتجاه إتمام هذا الأمر، والمرجح أن تكون هذه الجهة هي "روسيا"، بحكم تواجدها كأمر واقع في الساحل السوري، سيما وأن هذه الخطوة جاءت مباشرة بعد الاتفاق السعودي- الروسي لاستقرار أسعار النفط، خاصة وأن أمريكا عمدت إلى استنزاف السعودية نفطياً قبيل الاتفاق النووي الإيراني، كونها دفعتها إلى تحطيم أسعار النفط عالمياً، من أجل إنهاك إيران اقتصادياً، قبيل الإفراج عن أموالها. من هنا يمكن القول إن روسيا، ضغطت باتجاه إيصال "ميشيل عون" إلى الرئاسة مقابل تولي "سعد الحريري" رئاسة الحكومة، لأنهما الشخصيتان اللتان يمكن أن يتوفر ضامن لهما، فالجنرال "عون" الحليف الاستراتيجي لحزب الله،، أما سعد الحريري فهو يحمل الجنسيتين الفرنسية والسعودية.
غير أن "جبران باسيل" صهر الرئيس اللبناني "ميشيل عون"، ووزير خارجية لبنان، صرّح مباشرة عقب وصول "عون" إلى رئاسة لبنان، أن "الرئيس عون كان حليفاً لحزب الله، لكنه اليوم لكل اللبنانيين"، كما طالب حزب الله وجميع الفرقاء اللبنانيين بترك سوريا للسوريين، خوفاً من تكرار السيناريو اللبناني ذاته في سوريا، نتيجة تدخل الأطراف الخارجية.
من هنا يتضح أن "حزب الله" هو الحلقة الأضعف في التوافق الرئاسي الأخير، وفي حال تشبث الرئيس الأمريكي المنتخب "ترامب" بمواقفه، فالأمور مع إيران، وذراعها العسكري في المنطقة المتمثل بحزب الله، ستؤول إلى الأسوأ، في حين ستكون روسيا في غنى عن الحليف الإيراني الذي خذلها اقتصادياً بعد الإفراج عن أمواله المحتجزة ورفع العقوبات الأمريكية، لتمويل حربها في سوريا.
ويأتي تصريح "ميشيل عون" في مقابلته الصحفية بأنه "لو خسر بشار الأسد الحرب، لتحولت سوريا إلى ليبيا ثانية"، ليظهر تجاهلاً لدور حزب الله في القتال إلى جانب بشار الأسد، وهو بحد ذاته إشادة ضمنية بالدور الروسي.
حول رؤيته لتضارب المصالح الإيرانية- الروسية في سوريا يرى الصحفي السوري "عدنان عبد الرزاق" أن "توحيد العدو ولو مرحلياً، ومحاولة إعادة إنتاج بشار الأسد، هي المشتركات العامة في سوريا بينهما، ولكن حتى هذه المشتركات، يشوبها الخلاف، وخاصة إن تعمقنا وسألنا من هم أعداء إيران التي تحاول دائما تغطيتهم بحلل الإرهاب والتطرف، وقتها، سنجد أن العرب السنة هم العدو الحقيقي، ليس لإيران الظاهرة، بل لفارس النكوصية، التي ترى بمكة هدفاً استراتيجياً، يمكن الوصول إليه عبر صنعاء، كما وجدت بكربلاء والنجف أهدافا، وتلك الأهداف، هي حوامل ليس إلا، لأن الدين بالنسبة لإيران، هو مطية ترّكبها استعادة مشروعها الامبراطوري"، ويلفت "عبد الرزاق" إلى أن الفروق في الأهداف تتوضح من خلال الفئات المستهدفة "فروسيا الاتحادية لا تستعدي السوريين أو العرب وفق أي اعتبار روحي أو قومي، بل ترى بسوريا آخر الآمال، بعد أن خرجت من أفغانستان وخسرت وجودها بالعراق ومن ثم دول الربيع العربي، ليبيا وتونس واليمن".
موضحاً أن"الهدف من زج كل طاقاتهما بسوريا، يختلف، فروسيا تريدها مستعمرة على المياه الدافئة، تنصب فيها منصات صاروخية وقواعد، لترد على الناتو من جهة، وتلوح لتركيا بعصا غليظة كلما اقتضت الضرورة، كما لتعيق مشروع نقل الغاز القطري عبر سوريا وتركيا لأوروبا".
من هنا يمكن قراءة ما يجري على أن سوريا كانت الفخ الأمريكي- الروسي الذي نصب لإيران، بالتوازي مع السعودية، من خلال استنزافهما اقتصادياً والزج بهما في حرب طائفية في سوريا واليمن، لصالح أجندات تختلف، فروسيا ليست بحاجة النفط، وإنما تتلخص رغباتها في مستعمرة على البحر المتوسط، أما أمريكا فهي بحاجة للنفط لدعم اقتصادها، وهو ما لايتعارض مع التطلعات الروسية في حال من الأحوال.