بيزنس انسايدر - (ترجمة بلدي نيوز)
حتى في ذروة الحرب الباردة لم تصل حدة التوترات بين روسيا والغرب إلى المستويات المرعبة التي رأيناها في الأشهر القليلة الماضية، إن روسيا تتحدى الآن الغرب في كل مجال ممكن فعلياً، بداً من هجمات القرصنة الإلكترونية، إلى اتخاذ المواقف النووية، والغزو العسكري للبلدان ذات الميول الغربية، وترهيب حلفاء الولايات المتحدة والدول المحايدة.
ووفقاً للدكتور جيفري لويس -الناشر والمؤسس لمنظمة الحد من الأسلحة الفتّاكة، ومدير برنامج حظر انتشار الأسلحة في شرق آسيا في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، ومعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، والباحث غير المقيم في مركز ستانفورد للأمن والتعاون الدولي والمحرر المساهم في -Survival- ، فإن طفرة الانبعاث الروسية تعود بشكل رئيسي إلى شيء واحد - ألا وهو جنون العظمة والارتياب، إذ قال: "لقد رأينا فشل المؤسسات الديمقراطية في روسيا، إذ أنها لم تكن المجتمع المنفتح والحرّ الذي كنا نأمل فيه مع نهاية الحرب الباردة، ومع هذا الفشل تأتي حالة من انعدام الأمن من جانب قادة موسكو"، كذلك وصف النظام الروسي الحالي بكونه بات نظاماً أشد ديكتاتورية في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي.
وتوفّر الديموقراطية لبلدان مثل الولايات المتحدة مساراً سياسياً مستقراً، والذي أنشئ من أجل تغيير الأيدي المتحكمة بالسلطة، إن السياسيين في الولايات المتحدة يخدمون مصالح الجمهور، الذين يملكون كل الوسائل القانونية والسياسية ليحلّوا محل قياداتهم دون القيام بثورة.
لكن في روسيا، حيث توجد حالة متفشيّة من انعدام المساواة ما بين القلة القوية التي تتمتع بالنفوذ والمواطنين الروس العاديين، الحكام هناك "في حالة رعب مستمرّ من أن تتم الإطاحة بهم من السلطة، والتي لم يصلوا إليها ديمقراطياً أو بصورة مؤقتة، إنهم يخشون حدوث أي انقلاب عليهم"، يضيف لويس: "إن الحكمة من كتاب جورج كينان لعام 1946 "برقية من موسكو" لا تزال سارية"، حيث جادل كينان حينها بأن الاتحاد السوفياتي بات يرى نفسه "مطوّقاً بالرأسمالية"، وإنه لا يستطيع التعايش سلمياً مع تلك الرأسمالية، أو العالم الغربي بالمجمل.
"في أساس تكوين وجهة نظر الكرملين العصابية نحو الشؤون العالمية يقبع المنطق الروسي التقليدي والغريزي لحالة من انعدام الأمن" يقول كينان واصفاً الأمر بأن "الحكام الروس لامسوا بشكل دائم أن حكمهم كان قد عفا عليه الزمان نسبياً من حيث الشكل والهشاشة والتصنع في أساسه النفسي، وباتوا غير قادرين على تحمل المقارنة أو الاتصال مع أي أنظمة سياسية في الدول الغربية".
إن لويس يؤكد أن هذه الشروط لا تزال قائمة، وأن "الطريقة التي يتعامل بها النظام الروسي مع حالة انعدام الأمن بممارسته للسطو و"البلطجة" وتهديد جيرانه يؤكد ذلك"، تلك الممارسات التي بتنا نرى منها أمثلة كثيرة اليوم، كما أضاف لويس بأن "روسيا التزمت ببناء أمنها على حالة انعدام أمن جيرانها"، وأن ذلك الأمر كان سهلاً بالنسبة لروسيا، فإن خلق حالة عدم الاستقرار بالنسبة إليها كان أمراً سهلاً، ففي حين أن تحقيق الاستقرار يتطلب المساءلة والشفافية والذي لا يحتاج النظام الروسي أن يشغل له بالاً يقوم على نحو متزايد بالسيطرة على وسائل الإعلام في البلاد وتوجيهها لصالحه.
إن التدخل الروسي في أوكرانيا ودول البلطيق جزء من تلك الخطة والرغبة في زعزعة استقرار الدول المجاورة لروسيا، و دفع موسكو للفوضى في الغرب يمكن أن ينظر إليه كمحاولة يائسة منها للفوز بسوريا، وكذلك الأمر بالنسبة لاختراقاتها للنظام الانتخابي في الولايات المتحدة، "من المهم لـ (الشرعية الروسية) أن تحاول تقويضنا باستمرار لإثبات أننا سيئون وفاسدون تماماً كما هي عليه"، يقول لويس.
لسوء الحظ بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الكثير من حملة روسيا لتشويه سمعة المؤسسات الغربية تنجح، إن المرشح الجمهوري دونالد ترامب في كثير من الأحيان يروّج لتلك المعلومات التي كشفها موقع ويكيليكس، وهي منظمة لها علاقات مع روسيا، فضلاً عن مهاجمة شرعية الديمقراطية الأمريكية وتهديده بتجاهل نتائج الانتخابات.
إن موجة التأييد لبوتين، والتي تحافظ على ارتفاع مصطنع عن طريق تزويره لها وتحكّمه في وسائل الإعلام كافة في البلاد وقمع المعارضين له بشتى الطرق، تحسّنت كذلك بشكل كبير في أوساط الجمهوريين في الولايات المتحدة في هذه الدورة الانتخابية.
يقول الدكتور لويس بأن روسيا قد موّلت العديد من المنظمات القومية اليمينية المتطرفة في أوروبا، مثل مارين لوبان الفرنسية، تلك المنظمة القومية الصاعدة، والتي تسعى لقانون ونظام قومي، كما يبدو السلطويون في اليمين المتطرف -والذين باتوا ظاهرة موثّقة جداً في أوروبا- بأنهم يفضّلون الأنظمة الاستبدادية أمثال فلاديمير بوتين.
في بلدان كالمجر فإن الزعماء الأقوياء الذين يتمتعون بخطاب قومي، يقومون بدثر الديمقراطية التي أوصلتهم إلى السلطة، قادة كهؤلاء يميلون بعد ذلك على نحو متزايد نحو بوتين كحليف لهم لن يقوم بلومهم أبداً لممارساتهم القمعية ومهاجمتهم للصحافة أو المؤسسات الديمقراطية الأخرى.
"إن القيادة الروسية تريد للمواطنين الأميركيين وغيرهم في الغرب أن يقولوا بأن أولئك الذين يديرون بلدانهم، هم سيئون وفاسدون تماماً كما هو حال أولئك الذين يديرون روسيا" يقول لويس.
وفي حين أن بعض الأمثلة من الفساد والاستغلال يمكنها بالتأكيد أن تتواجد في الحكومات الديمقراطية الغربية، فإن المواطنين العاديين والصحافة الحرة يمكنهم التحدث بحرية مشيرين للأمر، عندما يختلفون مع الأغنياء وذوي النفوذ، وبذلك يأتي دور المساءلة الحكومية، بينما بوتين من ناحية أخرى، لا يريد وجود أي شكل من حرية التعبير أو اختلاف الرأي أو الحكم بالإجماع، إنه يريد فقط نظاماً معيناً يقوم بتوفير الأمن لحكومته السلطوية التي تفتقر لأي شكل من أشكال الحرية والانفتاح.
"إن الروس لا يريدون سوى يدٍ مطلقة للتنمر على جيرانهم، وليس هنالك من حدّ للقوة الروسية من شأنه أن يجعل بوتين يشعر بالأمان، لا يوجد من شيء يمكننا القيام به يمكن أن يجعلهم سعداء" كذلك قال لويس مستطرداً: "إذا ما أعطيناهم البلطيق طوعاً، سيقومون حينها بطلب فنلندا وبولندا".
وتملك الولايات المتحدة بضعة خيارات للتعامل مع هذا الخطر، ففي حين أن الولايات المتحدة تسمح بحرية التعبير واختلاف الحوار، فإن الدعاية الروسية ستستمر دونما شكّ بمحاولة أن تجد طريقها نحو المجتمع الغربي.
ويضيف الدكتور لويس "إن بوتين على الصعيد الداخلي يقوم بتعزيز قوته، وهو مصاب بجنون العظمة، وكذلك جنون الارتياب، ليس هناك الكثير مما يمكننا القيام به بشأن ذلك، لا يمكننا إصلاح الحال مع روسيا الحالية، إن على الروس أن يقوموا بإصلاح ذلك بأنفسهم".
-أليكس لوكي: مساعد محرر الأخبار ومدون عسكري/سياسي في "بزنس إنسايدر".