ما أسرار عدائية فلاديمير بوتين في سوريا؟ - It's Over 9000!

ما أسرار عدائية فلاديمير بوتين في سوريا؟

نيويورك تايمز – (ترجمة بلدي نيوز)
إن بعض ما شوش إلى حد ما الانتخابات الرئاسية الأميركية المضطّربة في هذا الأسبوع كان انهيار العلاقات ما بين الكرملين والغرب، والتي بدأت بعد أن نأت الولايات المتحدة بنفسها عن التعاون مع موسكو في سوريا، واقترحت أن يتمّ التحقيق مع روسيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
واستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأمر بشكل سيء، دافعاً بالعلاقات نحو نوع من الانهيار الذي لم يشهد مثيل له منذ عقود، وكذلك في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة الروسية بالتلويح بالحرب بشكل فظّ للغاية، وفي الواقع فإن بعض المحللين بدأوا بالشك بأن هناك عوامل أخرى كانت تقود ردّ بوتين ذاك.
وعلّق بوتين على الفور عدّة اتفاقات نووية، بما في ذلك اتفاقية ثنائية بالغة من العمر 16 عاماً لخفض مخزونات البلوتونيوم المستخدمة في صنع الأسلحة، كما قام بوضع قائمة من المطالب الاقتصادية والقانونية غير القابلة للتحقيق، بكونها تكلفة لإعادة إحياء تلك الاتفاقات.
كما قام الرئيس الروسي بنشر أسلحة متطورة مضادة للطائرات في سوريا، وكذلك أعاد نشر صواريخ بعيدة المدى ذاتية الدفاع في قطاع البلطيق الروسي-كالينينغراد، تاركاً نسخة نووية مرئية من قبل أقمار التجسس الأمريكية.
وبعد أن دعت فرنسا أيضاً إلى التحقيق مع روسيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، قام بوتين أيضاً بإلغاء رحلة مقررة له إلى باريس، وأخيراً أعلن الكرملين بأنه يدرس احتمالية إعادة فتح قواعده العسكرية في كوبا وفيتنام، وأرسل 5000 من المظليّين للمشاركة في مناورات عسكرية في مصر، حيث كان التعاون الأول بين البلدين منذ عقود.
على الجبهة الداخلية، قام 200،000 عامل إنقاذ و50،000 من المركبات المتخصصة بالمشاركة في تدريبات الدفاع المدني، كما كرّر الكرملين في برنامجه الأسبوعي الإخباري الرائد تذكيره الصارخ، والذي ظهر لأول مرة قبل عامين، بأن روسيا لا تزال تحتفظ بقدرتها الكاملة على تحويل الولايات المتحدة إلى "غبار مشع"، حيث قال دميتري كيسليوف، ضيف البرنامج "إن السلوك غير المثقّف تجاه روسيا ذو بُعدٍ نووي".
لذلك... إذا لم يكن السيد بوتين في الواقع يقوم بإعداد الروس للحرب، فما الذي يقوم بفعله الآن بالضبط؟ على الصعيد الدولي -كما يقول المحللون، السيد بوتين يبدو بأنه يحاول تقديم نفسه كمن يطالب بالحدّ الأقصى من الرّئيس الأميركي المقبل، ساعياً لتحقيق هدفه الدائم في دفع قادة العالم الآخرين أن يعاملوه كندّ كفؤ، كما يقولون بأنه يزيد من الضغوط حول الاستئناف المتوقع للمفاوضات حول سوريا.
لكن وعلى نحو متزايد، فقد بدأ المعلّقون في روسيا بالاشتباه في دوافع أخرى لبوتين، بدءاً من الحاجة إلى صرف الانتباه عن الفجوات الكبرى في الميزانية الحكومية، والخطوات المؤلمة التي لا تحظى بشعبية من الناحية السياسية، حيث قالت يكاتيرينا شولمان المتخصصة في العلوم السياسية في أكاديمية الرئاسة الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة "إن الجزء الأخطر لا يظهر على شاشات التلفزة، إذ أن الجزء الخطير هو معركة الميزانية".
إن الروس الآن يواجهون ارتفاعاً في معدلات الفائدة، ورسوماً جديدة لصيانة المباني، الأمر المزعج حقاً بالنسبة إليهم، كما قد تضطر الحكومة الآن لخفض إنفاقها على الرعاية الصحية بنحو 33%، وذلك على الرغم من كل التبجّح الحكومي بخطط "العسكرة"، كما سيتم خفض الميزانية العسكرية بنسبة 6% سنوياً وذلك على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بعد 15 عاماً من الزيادات فيها.
وإلى جانب الشؤون الداخلية، فإن بوتين لا يزال يأمل في الاستفادة من الأزمة السورية لتغيير دور روسيا على الساحة الدولية، وذلك من خلال نشر قواته العسكرية هناك في العام الماضي، فقد كان يتطلع نحو التخطيط لاستخدام الصراع السوري لتحقيق الاستقرار في نظام الأسد والخروج من العقوبات الاقتصادية والعزلة التي يفرضها عليه الغرب بشأن أزمة أوكرانيا.
يقول نيكولاي بيتروف، أستاذ العلوم السياسة الروسي: "سيواجه الرئيس الأمريكي المقبل واقعاً جديداً والذي سيضطرّ لقبوله".
إن الأخاديد المختلفة أمام الروس قد تضر بطريقهم للنجاح بخططهم على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال... قد كان أحد أسباب موافقة روسيا بسرعة على إجراء مفاوضات جديدة بشأن سوريا هو ظهور بعض التذمّر العلني غير المعتاد من قبل الجيش الروسي بأن جيش النظام السوري ليس بحليف لائق.
حيث أشاروا إلى أن : " قوات النظام السوري لم تجر أي هجوم ناجح وحيد خلال العام الماضي"، حيث كتب ميخائيل خودارينوك -الكولونيل المتقاعد والمحلل العسكري في "كازيتا" الموقع الروسي للأنباء، كما تضمّنت المقالة تقييماً لاذعاً للفساد والعقم والعجز المتفشّي في جميع أنحاء جيش الأسد، ودعا ميخائيل الميليشيات المتحالفة من إيران وحزب الله "بالمشبوهين" على حد سواء.

وما وراء سوريا، فإن بوتين يطمح لإعادة هيكلة النظام العالمي، بعين متطلّعة نحو استعادة روسيا لما يراه وضعاً صحيحاً في مستوى اليد العليا عالمياً، يقول ألكسي ماكاركين -نائب رئيس مركز التكنولوجيات السياسية وموسكو للأبحاث : "أعتقد أن الحديث حول حرب محتملة هو مجرّد خدعة دعائية: إن روسيا تريد أن تظهر بأنها مستعدة للذهاب بعيداً، إنه مجرّد عنصر ضغط دعائيّ" ، مضيفاً: "إن روسيا تحلم بمؤتمر يالطا آخر، حيث ستقوم جنباً إلى جنب مع غيرها من القوى الكبرى باقتسام الخريطة"، كذلك قال بوتين بنفسه في تصريحات له يوم الأربعاء: "دعونا لا ننسى بأننا نتحمل مسؤولية خاصة بكوننا اثنين من أكبر القوى النووية لحفظ السلم والأمن الدوليين على المستوى العالمي" !
لقد تجنّب المحللون الحديث عن القواعد الجديدة لروسيا في كلّ من كوبا وفيتنام وربما مصر، متعذرين بكونه حنين إلى الماضي أكثر من كونه واقعاً حقيقياً، إذ أنه ليس هنالك من مؤشر بأن روسيا ستلقى أي موضع ترحيب في أي من تلك الدول، إذ أنها أغلقت تلك القواعد سابقاً لأسباب تتعلق بتكاليفها الباهظة جداً، في حين أن هذا هو الوقت الأصعب لروسيا لاتّخاذ أي إجراءات تعود عليها بالمزيد من الأعباء.
إن بوتين بات يعزز فخر بعض الروس بظهور بلدهم لمرّة أخرى كطرف مؤثّر، ولا سيما في ضوء شهرتها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، وإن كان ذلك ينم أساساً عن طريق اتهامات لها بالقرصنة، يقول بوتين عن ذلك: "قبل فترة وجيزة، منذ حوالي عقد من الزمن، لم تكن روسيا تُذكرُ أبداً، إذ قالوا بأنه لم يكن هنالك من شيء للتحدث عنه فيما يتعلق بروسيا، وذلك لأنها قوة إقليمية من الدرجة الثالثة، والتي لم تكن محطّ اهتمام"، مضيفاً "أما اليوم، فإن المشكلة رقم 1 في الحملة الانتخابية الأمريكية برمّتها هي روسيا، فقد بات هذا موضوع النقاش الأساسي، وهذا موضع ترحيب للغاية بالطبع، ولكن بشكل جزئيّ فقط".
لقد كان القسم "الجزئي"، هو أن تلك التصريحات كانت سلبية في معظمها، كما أنها لا تزال غير واضحة لكون المسائل الدولية لا تزال تصرف حقاً نظر المواطنين العاديين عن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة.
وللمرة الأولى منذ وصول بوتين لسدّة الحكم والذي بدأ في عام 2000، بات الروس يواجهون انخفاضاً كبيراً في معدّلات الدخل، إذ يحسب تقرير أكتوبر من المدرسة العليا للاقتصاد بأن الدخل الشهري الحقيقي للفرد الروسيّ انخفض إلى ما يقل قليلاً عن 500 $ شهرياً، أو ما يقرب من 87 % من مستوى الدخل في أغسطس لعام 2014، وقد بلغ الكمّ المتراكم من الأجور غير المدفوعة رقماً خيالياً وصل لـ 56 مليون $، في حين يقول مركز الإصلاحات السياسية والاقتصادية بأن عدد الإضرابات والمسيرات المرتبطة بالنزاعات العمّالية قد تضاعفت في الأشهر الثلاثة الماضية.
وبالنظر إلى أن المواجهة بشأن سوريا من المرجّح لها أن تؤخّر أي تخفيف في العقوبات المفروضة على روسيا أو غيرها من العلاقات الاقتصادية، فقد فعل بوتين ما قام غالباً بفعله في أي مواجهة: قام بإثارة المخاطر.
"إنني أرى خطاً محتوماً سيتبع للخطاب والذي يبدو بأنّه طريقتنا المعتادة للتحضير للمفاوضات"، كذلك قالت السيدة شولمان مقارنة الأمر مع كتاب اللعب في أوكرانيا خلال الأزمة الأخيرة في عام 2014 مضيفة: "لقد كان هناك تصعيد ومن ثم تشاور ومن ثم بعض التراجع، يبدو بأن هذا هو التكتيك المعتاد، والذي يبدو بأنّه بات فعّالاً".

مقالات ذات صلة

الحكومة الإيطالية تقنع الاتحاد الأوربي بتعيين مبعوث له في سوريا

محافظ اللاذقية: بعض الحرائق التي حدثت مفتعلة

النظام يحدد موعد انتخابات لتعويض الأعضاء المفصولين من مجلس الشعب

خسائر لقوات "قسد" بقصف تركي على الحسكة

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

قائد "قسد": الهجمات التركية تجاوزت حدود الرد وأضرت بالاقتصاد المحلي