بلدي نيوز – (خالد وليد)
نظم موالون للنظام وبرعايته احتفالاً صاخباً "للألوان" في العاصمة دمشق خلال الأسبوع الماضي، والذي ظهرت فيه دمشق بمظهر مختلف تماماً عن كل ما يحكى عنها .
فظهر المئات من الشبان والأطفال، يطبقون تقليداً وثنياً هندياً، حيث بدؤوا يتراشقون بمسحوق الألوان لعدة ساعات، وسط صيحات الابتهاج والفرح.
ظهرت جميع أشكال البشر في هذا المهرجان، من الشبيحة بذقونهم ووشومهم إلى الشباب في عمر التجنيد، الذين يظهر على ملامحهم الثراء ومواكبة الموضة، إلى الفتيات من مختلف الأشكال وحتى العشرات من المحجبات، الذين رقصوا وغنوا أغاني "الضيعة"، وتراشقوا بالألوان وأخذوا "السيلفي". ونقلت القنوات والصفحات صور هذا الحدث السياحي المميز، في مشهد لا يمت لما يحدث في سوريا بصلة، من قصف وموت على بعد عدة كيلومترات من "مهرجان الألوان".
كذلك العشرات من الفيديوهات للمراقص والكازينوهات في حلب، والتي تغص بالراقصين من فئة الشباب، والعشرات من الفيديوهات من مقاصف و"كبريهات" الضيعة، في طرطوس واللاذقية.
من يشاهد هذا المهرجان وهذه الفيديوهات سوف يشك للحظة، بأن سوريا هي نفس البلد الذي يحدث فيه هذا المهرجان، فلا قصف ولا مجازر ولا طائرات، ولا معتقلين سياسيين ولا متظاهرين، ولا حصار ولا إعدامات ميدانية! .
بل هي مدينة تعيش أجمل لحظاتها، وأبناؤها يعيشون في سعادة وأمن وهي محمية من الإرهاب والإرهابيين، فمثل هذا المهرجان بالتأكيد سوف يكون هدفاً للإرهابيين بمفخخاتهم وأحزمتهم الناسفة، وقذائف الهاون التي يطلقونها على المناطق المدنية، والتي لم نشاهد أياً منها في أي تجمع ينظمه "مقاومو الإرهاب".
إضافة إلى مشاركة النظام في العديد من البطولات الرياضية والمسابقات العلمية أيضاً، والتي كان آخرها فوزه الغريب على الصين في كرة القدم، الذي لا يمكن القول إلا أنه حدث برضى الصين، الأمر الذي أحدث ضجة داخل الصين، وصلت لحد مظاهرات ضد قيادة المنتخب الصيني، التي اتهمت بالإهمال والفساد، والتي يبدو أنها ستغير بسبب هذه الخسارة .
إضافة لتنظيم النظام العشرات من المعارض العلمية لطلابه، خلال السنوات الماضية، والتي يحاول أن يظهر فيها بمظهر الراعي للعلم والإبداع العلمي، وأنه على الرغم من الحرب فهو يعطي التعليم أهمية قصوى .
عدا عن العديد من الصفحات على الفيسبوك، والمنظمات العلمية والطلابية التي تتبع مباشرة لزوجة الديكتاتور، والتي تحمل الجنسية البريطانية "أيما الاخرس" (الاسم الحقيقي لأسماء الأسد)، والتي تحاول عبرها الترويج لفكرة دعمها للعلم والبحث العلمي، والتي ترتبط بالعديد من الصفحات والمراجع العلمية العالمية، والتي تحاول إظهارها بصفة الشريك العربي لها، مثل صفحة "الباحثون السوريون" وغيرها .
حرب سيكولوجية
قد يسخر البعض ويستهزؤون من النظام، بسبب نشره لمقاطع وفيديوهات ترويج سياحي وعلمي، تظهر فيها الشواطئ النظيفة والفتيات بالـ"بيكيني" والمراقص، وأنهار العسل والنبيذ والرقص على الأغاني الصاخبة، فجميعها إشارات ودلالات مهمة وغير عبثية، بل تصب ضمن الحرب السيكولوجية التي يشنها النظام على الثوار .
فالنظام يسعى لمخاطبة العقلية الغربية بعدة مستويات يمكن حتى وصف ما يفعله بعمليات (غسيل الدماغ)، أو زرع الأفكار في اللاوعي، وبخاصة لدي المواطن العادي، ليظهر له أن الحياة التي يعيشها المدنيون في مناطق النظام هي حياة طبيعية، ومنفتحة ومتنورة بالمفهوم الغربي، وليس فيها حدود أو ممنوعات، وأنها على النقيض من حياة التزمت والتشدد والقيود التي يفرضها "الإرهابيون" الأصوليون في المناطق التي يحتلونها، ويخرجون النظام العلماني المتسامح منها، والذي تشابه حياة الناس في ظله حياة الغرب بكل تفاصيلها.
حيث الحرية والديموقراطية، فجميع البشر موجودون، من الملحدين إلى أقصى درجات التدين، ومن جميع الديانات والأعراق والطوائف والمشارب (تحت سقف الوطن).
فالنظام يريد أن يطرح فكرة مختلفة عن التي تروج عنه إعلامياً، عن أنه نظام ديكتاتوري قمعي، باستخدام الدعاية غير المباشرة وعمليات "زراعة الأفكار"، والتي لا تحتوي أي أفكار سياسية مباشرة، والتي يسعى خلالها للوصول إلى المواطن العادي، الذي ليس له توجه سياسي أو اطلاع على السياسة، بغية خلق رأي عام أوروبي وغربي حول الوضع في سوريا، يتوافق مع رواية النظام.
عطلة في سوريا!
من المعروف أن موضوع قضاء عطلة بالنسبة للأوربيين هو أمر من أساسيات الحياة، ما يعني أن النظام يستغل هذه الفكرة، فعند مشاهدة الشخص لهذا الاحتفال أو الإعلانات الترويجية للسياحة في الساحل السوري، أثناء بحثه عن المناطق التي يود قضاء إجازته فيها، فسوف يحدث على الأقل تشويش للفكرة التي يحملها عن سوريا (حرب ودمار) مقابل مشاهد الفردوس الذي يراه يُعرض أمامه عبر الفيديوهات الترويجية، وخصوصاً إذا لم يكن مهتماً بالسياسة حال معظم الأوربيين والأمريكان، فعلى عكسنا نحن الشرق أوسطيين، الغربيون لا يهتمون بالسياسة الخارجية، وأحياناً لا يهتمون بما يحدث خارج مدينتهم، وقد يكون التعبير الأمريكي "المحيطات تحمينا" مثالاً صارخاً على هذه النزعة .
أي أن النظام يستطيع استغلال هذه الفكرة (بدعم من محركات البحث)، للترويج له، كنظام حكم علماني ديموقراطي، يحارب الإرهابيين بشكل حقيقي، وقد يساهم هذا الأمر في توليد ضغط شعبي ضد أي تصرف أو أي عمل حكومي غربي ضد النظام .
النظام أغبى من ذلك
من الملاحظ أن الخطاب الإعلامي للنظام مر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى مرحلة الشبيحة خلال بدايات الثورة، والتي تخبط النظام كثيرا خلالها، ثم "مرحلة الإيرانيين" والتي استقدم خلالها النظام خبرات إعلامية إيرانية ومن قنوات تابعة لإيران وميليشيا حزب الله، الأمر الذي حقق فرقا حقيقياً في خطابه الإعلامي، والآن "مرحلة الروس"، والتي بدأت مع الغزو الروسي والتي يبدو أنها تشرف الآن على جيشه ومؤسساته الإعلامية، وتستخدمها في حرب "الإرهابيين"، وهو الاسم الجديد للسوريين الثائرين على نظام الأسد .