بلدي نيوز – (نور مارتيني)
لم يعد السوريون يكترثون - كما في السابق- بأخبار التحرّكات الدولية، فبعد قرابة الستة أعوام من التلاعب بأرواح السوريين، والمقايضة عليها، لقاء حلحلة الملفات الساخنة، والقضايا الإقليمية المؤجلة. سيما وأن الفيتو الروسي والصيني المتكرّرين في كلّ مناسبة، حوّلا جلسات مجلسة الأمن إلى عرض كوميدي رديء، يرتدي لبوس الكوميديا السوداء، ولكنه لا يتعدّى حدود التهريج، والرقص على آلام السوريين وجراحهم.
كما هو متوقع، انتهت جلسة أمس السبت في مجلس الأمن، دون أن تأتي بجديد لإنهاء معاناة السوريين، بل أظهرت مقدار التعامل اللامسؤول مع هذا الملف، فالجلسة التي قُدّم فيها مشروعان مختلفان، لم تتمكن من تحقيق أي تقدّم في هذا الملف المفتوح منذ ما يزيد على خمسة أعوام.
الجلسة التي جرى فيها التصويت على مشروع قرار فرنسي، وآخر روسي، بشأن وقف أعمال العنف في حلب، انتهت بـ"فيتو" رفعته روسيا ضد القرار الفرنسي، ليقابله "فيتو" ثلاثي مقدّم من أمريكا، وبريطانيا وفرنسا على مشروع القرار الروسي، وتأييد أربع دول فقط، والذي قدّم قبيل ساعات من انعقاد الجلسة، ولم يكن هنالك وقت كافٍ لنقاش فحواه، بحسب تبرير المصوتين بالرفض على مشروع القرار، أي أنه جيء بهذا القرار على عجالة، لعرقلة المشروع الفرنسي، خاصة في ظل تهديد الرئيس الفرنسي "هولاند" بـ "عزل روسيا" في حال رفعت الفيتو ضد مشروع القرار الفرنسي.
وما إن رفض مشروع القرار الفرنسي، حتى عادت "روسيا" إلى التصعيد في حلب، وتكثيف غاراتها مجدّداً، على أحياء حلب الشرقية المحاصرة في لعبة "كسر للعظم".
يمكن قراءة الفيتو الذي رفع ضد المشروعين على أنه حيلة جديدة من قبل أمريكا، للتوجه إلى الرأي العام الأمريكي بورقة جديدة، يوهم بها الناخب الأمريكي أنه يحاول إيجاد حل للمسألة السورية، وأن أمريكا لا تسير بركاب روسيا، كما يرى كثيرون، والدليل هو الفيتو ضد مشروع القرار. غير أن مشروع القرار جاء ليصبّ في مصلحة الروس، ويترك لهم المجال لاستكمال ما بُدِئ في الشمال السوري، خاصة في ظل فترة "السبات الانتخابي" في أمريكا.
كلّ هذه المعطيات، تعيد للذاكرة مشروع الضربة الأمريكية السابق، عقب مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق والتي أودت بحياة قرابة 1700شخص، حيث عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المفاوضة على ملف السلاح الكيماوي، مقابل التخلي عن توجيه ضربة سكرية للنظام، وكان لها ما أرادت. إلا أن البعض يقرأ الموضوع على صورة مختلفة هذه المرّة، خاصة مع اللهجة التصعيدية، واتهام روسيا بشكل مباشر بالضلوع بقتل المدنيين بالشراكة مع النظام السوري، الذي قام مندوبو بعض الدول بالاستهزاء بمندوبه، غير مرّة، خلال الجلسات الأخيرة.
حول جدية الولايات المتحدة في توجيه ضربة للنظام السوري، ترى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض "نغم غادري" أنه "قد سبق وتابعنا موقف الولايات المتحدة الأمريكية، إبان مجزرة الكيماوي، يومها قام الرئيس الأمريكي أوباما بتوجيه تهديد مباشر للنظام، سرعان ما سحبه".. وتتابع "الغادري" في حديث خاص لبلدي نيوز: "من المخزي أن يقوم رئيس دولة كالولايات المتحدة الأمريكية بسحب تهديداته للنظام السوري، وليس تجميدها أو أي بديل آخر، ما يدلّل على هشاشة الإدارة الأمريكية الحالية".
وتلفت عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض إلى أن "التهديد عملياً ليس موجهاً ضد النظام السوري، بل هو نوع من الابتزاز السياسي لروسيا، أو المناورة السياسية لروسيا"، موضحة أن "الموضوع لا ينحصر بالضربة العسكرية، وليس مقتصراً على سوريا وحدها، بل هنالك العديد من الملفات العالقة بين روسيا وأمريكا، وتجري المناورة عليها على حساب دماء الشعب السوري".
لم تعد القضية السورية تشهد ذات الزخم والاهتمام الإعلامي، بسبب ارتباط اسم السوري بكافة أشكال الموت، فضلاً عن استهلاك القضية السورية بشكل مسيء إعلامياً، ما صرف الاهتمام عن المشكلة الرئيسية المتمثلة بنظام الأسد، والانصراف عنها إلى الجزئيات والمبررات التي أوجدها النظام لتسويق "بروباغاندا" خاصة به، تظهره "حامياً للأٌقليات" الذين يهجّرهم تباعاً، ومحارباً للإرهاب الذي يزرعه يومياً في كل شبر من الأرض السورية!.