أتلانتيك كانسل –(ترجمة بلدي نيوز)
إن الهجوم الشامل على حلب من قبل الطائرات الروسية ونظام الأسد، مستهدفة كما هو الحال دائماً بالنسبة إليهم، قوافل المساعدات والمستشفيات والمنازل وأماكن التسوق والمساجد، يبدو بأنه جعل كبار المسؤولين الأمريكيين غير متفاجئين سوى بشكل طفيف، رازحين تحت وطأة نهج الرئيس أوباما للنظر في الاتجاه الآخر بينما تتكشف جرائم القتل الجماعي، فقد أقنعوا أنفسهم بأن مطالب موسكو للقيام بغارات جوية روسية-أمريكية مشتركة ضد الإرهابيين قد قدّمت انفتاحاً دبلوماسياً حقيقياً، وهذا ما يفسّر "سياسة العصا الطويلة" لمسؤولي الإدارة "رداً على جرائم الحرب الروسية الجارية"، إذ تقوم بتهديد روسيا -كما لو أن موسكو تهتم- بالتخلي عن الاتّفاق الذي يجسّد التعاون التكتيكي والاستراتيجي مع روسيا في سوريا، إن هذه لدبلوماسية حزينة وغير مجدية من اليأس والتمني.
ولا شك بأنه قد طرأ في بال كبار المسؤولين الأميركيين بأن المطالب الروسية للتعاون قد لا تكون صادقة تماماً، فكلما اعترضت الولايات المتحدة على عادة روسيا بالإشارة إلى وجود جبهة النصرة كذريعة لقصف المستشفيات المدنية، تقوم موسكو بالرد عليها بإلقاء اللوم على واشنطن لعدم تقاسم المعلومات الاستخباراتية بشأن الأهداف المحتملة.
وكلّما قامت واشنطن بالاعتراض على الهجمات الجوية الروسية على وحدات المعارضة السورية المدعومة أميركياً، فإن هذا أيضاً من شأنه أن يوصف من قبل موسكو أيضاً بأنه خطأ واشنطن: إذ ودون تحديد واضح، لمن يتبع من على الأرض في سوريا، سيكون على روسيا النظر إلى جميع السوريين الذين لا يحاربون مع نظام الأسد بكونهم إرهابيين، نعم، فمن المرجح بأنه قد طرأ في بال كبار المسؤولين الأميركيين بأن توجيه أصابع الاتهام الروسية واختلاق الحجج، لا يصل حتى إلى أدنى رغبة حقيقية للتعاون العملي.
ومع ذلك فقد رأى هؤلاء المسؤولون عدم وجود أي بديل أمامهم سوى تهميش شكوكهم والغرق بتهور بما يكاد يكون طريقاً مسدوداً، وهكذا فقد شهدنا حملة دبلوماسية نشطة تهدف الى إقناع فلاديمير بوتين الروسي لبرهنة دعواه بانسجام مع كلماته: للعمل والتعاون مع واشنطن للقيام بالتفريق التنفيذي والحقيقي ما بين عناصر القاعدة والمعارضة السورية الوطنية القومية، ولكن أليس هذا تفكيراً ساذجاً حقاً؟ نعم، هو كذلك بكل تأكيد.
إذ ان كلّاً من موسكو وطهران وعملائهم يريدون القضاء على المعارضة الوطنية والقومية، والمدنيين الداعمين لهم أولاً وقبل كل شيء: فإنهم عقبات حقيقية لحكم الأسد إلى الأبد، لكن وبالنسبة للمسؤولين الأميركيين الفزعين حقاً من الرجس الإنساني والنتائج السياسية الكارثية لما يحدث في سوريا، فما الخيار الذي يملكونه؟ ما هو الخيار الذي منحهم إياه الرئيس أوباما؟
منذ عدة سنوات صادفت في شوارع واشنطن مسؤولاً كبيراً في البيت الابيض والذي كنت أكنّ له احتراماً هائلاً، و سألته حول آفاق حملة السلام الإسرائيلية-الفلسطينية التي كان على وشك أن يبدأها وزير الخارجية جون كيري، لقد كانت الإجابة واضحة: "كيف لي أن أعلم؟ إنني أعمل في البيت الأبيض، في حين أن هذه صفقة كيري".
ويبدو أننا نرى الآن "صفقة كيري" أخرى، في محاولة لا هوادة فيها للعب الجودو الدبلوماسي مع الكلمات الروسية عن طريق محاولة ترجمة مطالب موسكو لحق نقض مستمر في الاستهداف المتبادل وحظر سلاح جو الأسد.
وفي النهاية يحصل كيري على الصورة الشاملة: مدنيين عزل مستهدفون، في حين أنه ليس هنالك من احتمال لتحقيق أي تقدم دبلوماسي في سوريا، بينما جعل كلّ من بوتين والأسد من تنظيم الدولة يبدو متردداً بالمقارنة معهم، عندما يتعلق الأمر بارتكاب مجازر القتل الجماعي في سوريا.
لذلك فقد حاول كيري وفشل كما يبدو، بإشعار روسيا بالعار ودفعها للتنفيذ العملي لكلماتها الخاصة، وفي حين تسقط قنابل على حلب قامت بتبديد أشهر من الدبلوماسية الدؤوبة، أطلق رئيس هيئة الأركان المشتركة رصاصة الرحمة من خلال مشاركته مع لجنة مجلس الشيوخ بتحفظاته القوية حول احتمال حدوث أي تعاون عسكري مع روسيا على أي مستوى.
لقد كانت اعتراضات الجنرال دانفورد عقلانية ومقنعة بصورة جيدة، لكن ومع ذلك، أين كانت السياسة الأمريكية من كل هذا؟ هل إن كل اللّاعبين الرئيسيين في البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون لديهم "صفقاتهم الخاصة؟"، ومن هو المسؤول؟
يمكن للرئيس باراك أوباما الغرق الآن في راحة سلبيته ومخزونه عديم القعر من اللامبالاة العامة تجاه اغتصاب مدينة حلب الذي يحدث الآن، إن الأمر ليس كأن الأمريكيين يؤيدون القتل الجماعي في الأماكن البعيدة عنهم، لكن وفي ضوء المغامرة الكارثية في العراق والحرب عديمة النهاية في أفغانستان، فإن قلة فليلة من الأمريكيين قد يتجادلون على افتراض أن سورية مشكلة مروّعة يتوجب على أحد آخر أن يتولّى حلّها.
لقد فازت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، بجائزة بوليتزر لمجلدها حول عمليات القتل الجماعي في القرن العشرين، وكيف أن الرؤساء الأمريكيين إما قد راقوا إلى مستوى التحدي أو تهرّبوا بعيداً عنه، لذلك فإن القيادة الرئاسية فقط يمكنها تحويل اللامبالاة الجماهيرية إلى عزم حادّ موجّه، إذ إن الافتقار لوجود مثل هذه القيادة في الإدارة ينجب لقطات دبلوماسية طويلة قد لا تعود بالنفع على النفوذ المساعد ولا على موقف السلطة التنفيذية الموحد.
إن الإدارة الأمريكية قامت حتى بالخروج عن طريقها الصحيح بإغراق تشريع العقوبات التي يهدف إلى تخفيف المجازر القائمة على المدنيين في سوريا، تلك العقوبات التي كانت بالتأكيد ستحصل على انتباه نظير كيري الروسي، ويمكن للمرء أن يتخيل ما سيفكر فيه وزير الخارجية عندما تشد انتباهه شهادة رئيس هيئة الأركان المشتركة.
نعم، إن إمعان النظر بدقة بالخيارات العسكرية ليس عملاً سارّاً لأي رئيس أمريكي، لكن وفي هذه الحالة يجب أن يأخذ في الحسبان وينبغي القيام به، كما أن الوجود الروسي في سوريا يزيد من الأمور تعقيداً، لا.. لا أحد يطالب بغزو واحتلال، أو تغيير النظام بالعنف والقوة، ولكن يجب أن يكون هنالك ثمن باهظ ليتمّ دفعه، وليس فقط من قبل المدنيين السوريين كما هو الحال الآن، وفي أقرب وقت.
ينبغي على الرئيس أوباما تجنّب خداع وتضليل بوتين، كما يجب عليه أيضاً تجنيب مسؤوليه البؤس والإذلال والإحباط في محاولتهم للعثور على الحقيقة، والشرف، والأخلاق في كلام مسؤولي بوتين، يجب أن ينظر لأمر ذبح المدنيين في سوريا وارتكاب أشد المجازر ضدّهم بأنه أمر غير مقبول على الإطلاق، و بأن يطالب وزير دفاعه بكل الخيارات العسكرية ليحدد الثمن الباهظ الذي سيدفعه النظام القاتل والجبان في سوريا، والمقتنع حالياً بأنه يستطيع فعل ما يشاء دون أي محاسبة أو عقاب، ليذبح المدنيين بأطفالهم وكبارهم كيفما يشاء أين ومتى أراد.
السياسي السابق والمحلل السياسي فريدريك سي هوف، رئيس مركز الدراسات السياسية الشرق أوسطية في مركز أتلانتيك كاونسل.