عانى السوريون على مدى أكثر من 12 عاما من أعمال عنف وحشية، و اضطراب اقتصادي، وانتشار الأمراض بين السكان. وفي الوقت نفسه، شهدت البلاد في السنوات الأخيرة موجات من الظواهر المناخية المتطرفة: درجات حرارة حارقة وحرائق غابات مدمرة وموجات جفاف قاسية وعواصف رملية متواصلة.
وقد أدت هذه الكوارث المتفاقمة سواء من حيث تواتر حدوثها أو عنفها إلى زيادة هشاشة سوريا أمام التأثيرات القاسية لتغير المناخ. وهي من بين الدول الأشد تضررا من أزمة المناخ، فقد احتلت سوريا المرتبة 146 من بين 181 دولة على مؤشر مبادرة نوتردام للتكيف العالمي. كما يؤكد هذا التصنيف أيضا الضعف الشديد الذي تعاني منه البلاد وعلى قدرتها المحدودة على الصمود بوجه التحديات التي يفرضها تغير المناخ.
غير أن هذه الظروف المؤلمة لا ينبغي أن تحجب عنا مسؤولية النظام السوري في الوصول إلى هذا المنعطف الخطر؛ وهذا جانب مهم عند صياغة طريق المستقبل. وحتى قبل اندلاع الصراع أدت سياسات النظام مباشرة إلى تفاقم مجموعة من التحديات البيئية: سوء تدبير النفايات وندرة الماء وتدهور التربة وتلوث الهواء.
وقد ازداد الوضع سوءا في أعقاب الثورة السورية عام 2011. وفي تقرير هوارد موريسون، القاضي السابق في محكمة الجنايات الدولية، الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني سيتردد صدى هذه القضايا المقلقة، ويضع المسؤولية عن الدمار البيئي الواسع على نظام الأسد صراحة، الذي فاقم من حدة القضايا القائمة وأدخل قضايا جديدة؛ فحملات القصف الوحشي التي نسّقها النظام السوري واستخدامه المتكرر للأسلحة الكيماوية طوال الحرب الأهلية المديدة تسببت في إحداث دمار بيئي عميق. ويسلط التقرير الضوء على العواقب؛ فالأنقاض الخطيرة التي خلفها النزاع في المدن المدمرة، تحمل معها مخاطر بيئية وصحية كبيرة سواء في الوقت الحاضر أو في مراحل إزالتها لاحقا.
كما يسلط التقرير الضوء على استهداف الأسد لصناعة النفط، فأدى ذلك إلى نشوب حرائق وتسريبات نفطية كارثية دمرت الأراضي المزروعة وتسببت في أزمات صحية ولا سيما زيادة مشاكل الجهاز التنفسي بين السكان المتضررين.
كما يوضح التقرير كيف أدى تلاعب الأسد بالموارد الحيوية مثل الماء إلى تفاقم أزمة الوصول إلى الماء الآمن والنظيف وتسريع حدوثها، حاملة معها أمراضا صحية مختلفة. وفي الوقت نفسه أدى الاستهداف المتعمد لأنظمة الصرف الصحي إلى تلويث مصادر المياه الجوفية. بالإضافة إلى ذلك، أدت ويلات الحرب إلى تقليص الغابات في سوريا بسرعة، وهو ما يزيد المخاوف من زيادة مخاطر الفيضانات والتدهور الحاد في التنوع البيولوجي.
ومع ذلك، فإن توسيع نطاق تمويل المناخ ليشمل الجهة المسؤولة عن مشاكل المناخ الملحة في سوريا لا يقوض أمر المساءلة فحسب بل يثير المخاوف من أن يكون مردوده ضئيلا أيضا. فسجل النظام السوري الحافل بإساءة استخدام المساعدات وتوجيهها لغير مقصدها يكشف عن سلوكه المثير للقلق، حيث يتلاعب على نحو منهجي بالأموال المخصصة للإغاثة الإنسانية أو لأغراض التنمية.
وتشير كثير من الحالات إلى أن النظام يوجه المساعدات بشكل انتقائي إلى المناطق الموالية ويتلاعب في أسعار صرف المساعدات المالية المحولة، كما أن هناك تقارير متكررة عن إجراءات الشراء غير القانونية. علاوة على ذلك فالقيود التي يفرضها النظام على الحرية التشغيلية للوكالات الدولية تعيق تقييم الاحتياجات ومراقبتها على نحو مستقل، تاركا هذه الهيئات تعتمد بشكل كبير على البيانات المقدمة من الجهات التابعة للنظام.
وينطوي تخصيص تمويل المناخ لحكومة النظام أيضا على مخاطر كبيرة بسبب الفساد الهيكلي العميق داخل مؤسسات الدولة. فالفساد المستشري في مختلف المستويات الحكومية يطلق تنبيها مقلقا عن سوء الإدارة وتحويل الأموال المحتمل أن تقدمها مبادرات المناخ لغير مقصدها. ولا يؤدي هذا الفساد الراسخ إلى تقويض فعالية تمويل المناخ فحسب، بل تنتقص أيضا من شأن الإصلاحات الأساسية الضرورية لمعالجة تحديات الحكم في سوريا.
إذا أدى التركيز المتزايد على النزاع وأزمة المناخ إلى تمويل إضافي لسوريا، فلا ينبغي للجهات المشرفة على هذا الدعم أن تتعامل مع تغير المناخ من وجهة نظر فنية فقط. ويجب على التمويل المرتبط بالمناخ، مثل أي تمويل موجه إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، أن يدرس بعناية السياق الأوسع من أجل التخفيف من مخاطر الفساد وضمان أن تعزز هذه الأموال العمل المناخي فعلا دون أن تفاقم المشاكل القائمة في سوريا.
ونظرا للتحديات التقنية والسياسية التي تواجه التنسيق مع النظام ، الذي قاوم باستمرار التعاون المبدئي، فإن تمويل المناخ لسوريا يجب أن يستهدف البنى المجتمعية وبنى المجتمع المدني على المستوى المحلي؛ فهذه الجهات تملك المهارات والاهتمام الحقيقي بتحسين الظروف في مناطقها.
إن العمل مع النظام مباشرة، على الرغم من هذه الحقائق، يحمل معه الخطر بأن يسمح للأسد من التسلح بقضية مهمة أخرى لضمان بقائه السياسي. لكن هذه المرة لن يكون السوريون وحدهم من سيدفع الثمن.
وكالات