بلدي نيوز – (إبراهيم رمضان)
يبدو أن الصين مثل جميع الدول العظمى، تسعى لتثبيت موضع قدم لها المنطقة، التي أصبحت مسرحاً لأعقد العمليات العسكرية واللوجستية منذ عقود.
فالحرب في سوريا استجلبت الكثير من الجيوش إلى المنطقة، حيث أصبحت مليئة بالقواعد العسكرية التي تعود لدول متعددة، بداية من إيران وأمريكا وروسيا وألمانيا وفرنسا وغيرها.
الجديد في الأمر أن الصين تسعى كذلك للحصول على قاعدة عسكرية في سوريا، أسوة بدول مجلس الأمن الخمسة التي تملك قواعد عسكرية لها في المنطقة برية وبحرية وجوية، والتي تقع مجملها في مناطق التي تسيطر عليها قوات النظام أو قوات متحالفة معه، أو التي لا تعتبره "عدواً".
تسلل
الصين هي إحدى القوى العظمى الخمس في العالم، والتي لا يعرف الكثيرون عن تسللها التدريجي إلى المنطقة، والذي وصل لمرحلة قاعدة عسكرية في جيبوتي، التي تعتبر إحدى أهم المناطق الإستراتيجية على مستوى العالم، والتي لا تبعد كثيراً عن قواعد دول كبرى أخرى في المنطقة .
لتكون سوريا الخطوة التالية في التوسع العسكري الصيني عالمياً، والذي لا يمكن سوى القول أنه يحدث "بهدوء شديد".
تعاون قديم
التعاون العسكري بين النظام والصين ليس حادثة جديدة، فهو تعاون قديم ترسخ خلال فترة بدايات حكم بشار الأسد بعد زيادة القيود الروسية على الواردات العسكرية لسوريا، والتي وصلت حدوداً كبيرة جداً، ما دفع النظام للالتفات إلى الصين للحصول على الكثير من الأعتدة والذخائر منها، وبخاصة في مجال الإلكترونيات العسكرية، والتي أغرقت قطع النظام بها إضافة للأسلحة الإيرانية .
الأنباء التي تواردت عن رغبة الصين ببناء قاعدة عسكرية صينية في البحر المتوسط ليست بالمستبعدة، خصوصاً بعد زيارات عدد من كبار الضباط الصينيين إلى النظام، والتي أعلنوا فيها زيادة "التعاون" بين الصين والنظام عسكرياً و"إنسانياً".
هل تبني قاعدة عسكرية؟
الصين لا تعاني من مركب نقص "المياه الدافئة" الذي تعاني منه روسيا، لكنها تمتلك عدداً من الأسباب والمبررات التي قد تدفعها لبناء قاعدة عسكرية في سوريا، وتحديداً بحرية ولو كانت بالحدود الدنيا لحجم القواعد العسكرية.
أولها رغبتها بالحصول على موطئ قدم لها في المنطقة، وربما حصة من الكعكة السورية، فالجميع يعرف عن الدعم العلني الروسي للنظام، أما الدعم الصيني فهو دعم صامت، ولكنه مستمر.
فالصين لها استثمارات نفطية كبيرة في سوريا، ودول الجوار، ويعتبر وجود قاعد صينية في المنطقة مناسباً جداً لرصد ودراسة جيوش دول التحالف وقدراتها العسكرية عن كثب، وبخاصة القوة الجوية، التي تعتبر الصين على الرغم من إنتاجها الكمي الكبير، متخلفة في المستوى التقني إلى حد ما.
حيث من النادر أن توجد جيوش هذا العدد الكبير من الدول، وكل تلك الطائرات بمستوى الفاعلية والنشاط والمدة الزمنية، مثل الوضع في سوريا والعراق .
فإذا بنت الصين قاعدتها في ميناء طرطوس، فهي ستحقق إطلالة على المخزون النفطي في المتوسط، وإطلالة إستراتيجية على القاعدة الروسية في اللاذقية، والقاعدة البريطانية في قبرص، والقواعد الإسرائيلية على المتوسط، إضافة لقربها النسبي من باقي قواعد دول التحالف، التي بنيت في الشمال الشرقي لسوريا، وبخاصة المطارات.
الامتداد الصيني باتجاه المنطقة هو امتداد هادئ وصامت، لكنه ينبئ بنية صينية للاستثمار طويل الأمد في المنطقة، خصوصاً مع كميات الوقود الأحفوري الهائلة، والتي كان للصين العديد من الاستثمارات فيها في سوريا، بخاصة في بادية حمص التي تعتبر الآن واحدة من الجبهات النشطة في سوريا .
تختلف الصين في طبيعة تدخلها في المنطقة أنها تدخل هذه المنطقة للمرة الأولى في التاريخ، فالصينيون لا يذكر لهم أي شكل من أشكال الاحتكاك "غير التجاري" مع المنطقة منذ خمسة آلاف عام، وربما يدخل دخولهم إلى المنطقة بداية إعلان الصين كقوة عظمى "ذات مخالب"، فالتوتر الصيني الأمريكي خلال قمة دول العشرين لا يمكن أن يكون معدوم الأسباب، فهو مرتبط تماماً بالطموحات الصينية التي يبدو أن السوريين سيكونون أول من يدفع ثمنها.