واشنطن تايمز - (ترجمة بلدي نيوز)
قبل خمس سنوات، كان الرئيس أوباما أول من دعا الرئيس بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة، ذلك المطلب الذي أثبت عدم جدواه بشكل فريد في الحرب الوحشية المستمرّة والتي توسعت هذا الأسبوع لتشمل استخدام الطائرات الحربية الروسية لقاعدة حربية في إيران، لشن عمليات قصفها في دعم نظام الأسد.
لقد كان يوم 18 من أغسطس لعام 2011، عندما أعلن الرئيس الأمريكي أوباما ولأول مرة بشكل علني بأن "الوقت قد حان ليقرّر الشعب السوري مصيره، كما أننا سنستمر في الوقوف بحزم إلى جانبهم"، كما جادل مسؤولون في الإدارة الأميركية بإمكانية عدم وجود "سلام حقيقي دائم"، لطالما أن الأسد، بكمّية الدماء الكبيرة تلك التي تغطّي يديه، باق في السلطة.
ومع ذلك فإن بشار الأسد وبدلاً من التنحّي عن السلطة، قد قام بالتورّط فيها بشكل أكبر، مستخدماً كل الوسائل الممكنة، بينما جلست الولايات المتحدة غالباً على جانب هامشيّ من الحل العسكري منذ ذلك الوقت، فقد قُتِلَ أكثر من 450،000 من المدنيين السوريين في تلك الحرب، بينما اعتمد الأسد بشكل متزايد على روسيا لمساعدته في أرض المعركة.
في يوم الأربعاء، وفي خطوة يمكن أن يكون لها ارتداد في منطقة الشرق الأوسط، أكدت إيران بأن روسيا تستخدم أراضيها لشن ضربات جوية في سوريا، كموجة ثانية من القاذفات الروسية التي حلّقت من الجمهورية الإسلامية لضرب أهداف في البلد الذي مزقته الحرب المستمرّة.
لقد عمّقت موسكو من إجراءات تورّطها في الحرب السورية، مما أثار غضب الولايات المتحدة، التي قالت بأن تلك الخطوة قد تشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يحظر توريد أو نقل طائرات عسكرية لطهران.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الأربعاء بأن أي استياء من قبل الولايات المتحدة إزاء التعاون العسكري الروسي مع إيران، لا ينبغي له أن يشتّتها عن الجهود المبذولة للتوصّل إلى اتفاق ما بين الولايات المتحدة وروسيا حول تنسيق إجراءات في سوريا وتأمين وقف إطلاق النار.
لقد جادل الكرملين مُظهِراً قليلاً من المراعاة لقلق الولايات المتحدة بأنه لم تكن هنالك من أسباب توحي بأن تصرفات روسيا قد انتهكت قرار الأمم المتحدة، مصرّحاً بأن موسكو لم تقم بتزويد إيران بطائرات عسكرية للاستخدام الداخلي الخاص، وهو ما تحظره الوثيقة، كما قال اللواء إيغور كوناشنكوف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية في بيان له يوم الأربعاء "إن ذلك لا يتماشى مع قوانيننا الخاصة في إسداء المشورة لقيادة وزارة الخارجية الأمريكية، ولكن من الصعب مقاومة تقديم التوصية لبعض ممثلي وزارة الخارجية للتحقق من منطقهم ومعرفتهم من الوثائق الأساسية للقانون الدولي."، كما أضاف اللواء كوناشنكوف "وعلاوة على ذلك، فإننا ننصح ولمرة أخرى ممثلي وزارة الخارجية الأمريكية، بلنظر إلى الخريطة واكتشاف أن سوريا هي دولة مستقلة ذات سيادة".
لقد أعلنت روسيا في يوم الثلاثاء أول ضرباتها من مكان قريب من مدينة همدان الإيرانية - 175 كيلومترا جنوب غربي طهران-، وصرّحت وزارة الدفاع الروسية في يوم الأربعاء، بأن هنالك موجة أخرى من القاذفات التي غادرت من إيران ضد أهداف معيّنة في شرق سوريا.
وقال علاء الدين بروجردي، رئيس البرلمان الإيراني للأمن القومي، ولجنة السياسة الخارجية، بأن الروس كانوا يستخدمون قاعدة "الشهيد نوجه" الجوية في إيران، والتي تقع على بعد نحو 30 ميلاً إلى الشمال من همدان، القاعدة المنعزلة حيث تم الكشف عن هبوط للطائرات الحربية الروسية فيها في أواخر العام الماضي، كما أضاف السيد بروجردي بأن طائرات روسية مقاتلة من طراز توبوليف 22M3 حطّت داخل إيران، فقط للتزود بالوقود، وذلك تحت إذن من مجلس الأمن القومي الأعلى للبلاد، وهي الخطوة التي سمحت لهم بحمل شحنة أكبر من القنابل "أكثر من 20 طن متري"، كما قال النائب الإيراني "في حين تتعاون كل من موسكو وطهران ليكونا من أكبر الداعمين للأسد المضطهّد دولياً، لم تكن هنالك من خطط لوجود قاعدة دائمة."، كما أضاف معقّباً "ليس هنالك من تمركز للقوات الروسية في أراضي جمهورية إيران الإسلامية".
إن استخدام روسيا للقاعدة الجوية الإيرانية جاء في خضم القتال العنيف في مدينة حلب السورية، حيث يقاتل الثوار السوريين بضراوة قوات النظام السوري، المدعومة من قبل الجيش الروسي، وفي الوقت الذي تعمل فيه كل من واشنطن وموسكو نحو التوصّل إلى اتفاق في سوريا والتي يمكن أن يمنحهم تعاوناً أوثق.
توقّعات مُتبدّدة
وقال جيم فيليبس، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة التراث المحافظة، "إن تشهير السيد أوباما العلَنيّ لبشار الأسد قبل خمس سنوات مضت، وتصريحه في عام 2012 حول "خطه الأحمر الشهير" ضد استخدام الأسلحة الكيميائيّة في سوريا، أثار الكثير من التوقعات بأن الولايات المتّحدة قد تتخذ إجراءات صارمة للإطاحة بالنظام السوري، وبدلاً من ذلك، فإن الإدارة الأمريكيّة خففت من ردها إزاء مسألة إيصال المساعدات الإنسانية وفرض العقوبات، حيث لم تقم بمهاجمة نظام الأسد عندما استخدمت قواته الأسلحة الكيميائية ضد الثوار المدعومين من قبل الغرب."، كما أضاف فيليبس "إن رفع التوقّعات من دون اتخاذ أي إجراءات فعّالة لتلبية تلك التوقعات، كان لها تأثير مدمّر على معنويات المعارضة السورية، والتي بحثت على نحو متزايد عن جماعات إسلامية سنّية لتتعاضد معها ضد نظام الأسد الوحشي.
كما أن فشل الرئيس الأمريكي بدعم تصريحاته بإجراءات فعّالة، أدّى أيضاً إلى تقويض مصداقيته وتشجيع نظام الأسد لانتهاك "خطه الأحمر" في أغسطس لعام 2012"، مستخدماً الأسلحة الكيميائية."
لم يُجِب البيت الأبيض على طلب التّعليق حول تأثير دعوات أوباما للأسد بالتنحّي، وقد اعترف أوباما بأنّه غير راضٍ عن الوضع في سوريا، ولكنّه دافع عن قراره بعدم التورّط في حرب برية أخرى في الشرق الأوسط، وإرجاء تسليح جماعات المعارضة السورية إلى إن يتمكن من تدقيقها، كما كان قد تنبّأ الرئيس أوباما أيضاً، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتأسف لاحقاً على قراره بالتدخل في الصراع السوري، وعقب التراجع عن شنّ هجوم صاروخي متوقّع ضد الأسد في عام 2012، وافق أوباما على مساعدة روسيا للتفاوض على التخلص من مخزون سوريا للأسلحة الكيميائية، ومع ذلك فقد كانت هنالك تقارير تشير إلى شنّ نظام الأسد لاعتداءات أخرى تتعلق بالأسلحة الكيميائية، حدث أحدها مؤخراً في يونيو/حزيران.
كما تفاقمت الحالة المأساوية في مدينة حلب صعوبة ، بحيث قامت مجموعة من آخر الأطباء المتبقّين في المدينة بكتابة رسالة إلى السيد أوباما في الأسبوع الماضي يطالبون فيها بالحصول على شحنات من الإمدادات الطبية هم في حاجة ماسّة إليها، حيث جاء فيها "لسنا بحاجة لدموعكم أو تعاطفكم أو حتى صلواتكم، إننا بحاجة إلى التصرّف المباشر، فنحن لم نر أي مجهود باسم الولايات المتحدة لرفع الحصار، أو حتى باستخدام نفوذها لدفع الأطراف المسؤولة على حماية المدنيين".
لقد أنفقت إدارة أوباما ما يقرب من 5.6 مليار دولار، على المساعدات الإنسانية للسوريين منذ بداية الحرب في البلاد، كما وقّع أيضاً السيد أوباما تشريعاً في عام 2014، إلى وزارة الدفاع الأمريكية لتدريب وتسليح الثّوار السوريين المعتدلين، وهو الجهد الذي أخفق في إنتاج أكثر من حفنة من المقاتلين.
كما نقلت أيضاً الولايات المتحدة جوّاً أطناناً من الأسلحة وقام السيد أوباما بنشر أعداد صغيرة من القوات الأمريكية الخاصة في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة، بالإضافة إلى الآلاف من الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد الجماعة المتطرفة المتواجدة في سوريا والعراق.
وقال السيد فيليبس بأن الإجراءات المتّخذة الأسد أثبتت بأنها "قليلة جداً، ومتأخرة جداً"، كما أضاف "أما الآن فإن الإدارة الأمريكية تدرس إمكانية تنسيق حملات عسكرية جوية مع روسيا، على الرغم من حقيقة أن الروس كانوا يقومون باستهداف الجماعات الثورية السورية المعتدلة، والتي يحظى بعضها بدعم من الولايات المتحدة، أكثر مما كانت تستهدف تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة في سوريا"، كما قال مستطرداً "إن هذا من شأنه أن يزيد من تشويه مصداقية الولايات المتحدة مع الجماعات الثورية السورية وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ".
إن استخدام روسيا للقاعدة الإيرانية ينذر حتى بقصف روسي أكثر كثافة في داخل سوريا، حيث سبق أن اتُّهِمت موسكو بقيامها بشنّ هجمات عشوائية أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين.
وفي يوم الأربعاء، أوقعت غارات جوية مفترضة لطائرات النظام الروسي أو السوري على مدينة إدلب والتي تسيطر عليها قوات الثوار في شمال غرب البلاد، خسائر كبير من المدنيين، حيث أسفرت الحصيلة الأولية عن مقتل 17 شخصاً وجرح 30 آخرين على الأقل، وذلك حسبما ذكر فرع الدفاع المدني للمحافظة، كما أظهر شريط فيديو تم نشره على موقع المنظمة الإلكتروني، عمّالاً للإنقاذ وهم يسحبون الجثث من تحت الأنقاض على طول الشارع المتضرر بشدة إزاء قصفه، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أيضاً بحدث تلك الضربات، قائلاً بأن هنالك عشرات من المدنيين القتلى والجرحى.
بالنسبة لإيران، فإن السماح لروسيا بشنّ هجمات جوية من داخل البلاد من المرجّح له أن يبرهن عدم فعاليته، فإن الكثير من الإيرانيين لا يزالوا يتذكّرون كيف قامت روسيا، جنباً إلى جنب مع بريطانيا، بغزو واحتلال إيران خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك لتأمين حقول النفط وخطوط إمدادات الحلفاء.