حلب المُدّمّاة: انتقام بوتين لإنقاذ كبرياء روسيا - It's Over 9000!

حلب المُدّمّاة: انتقام بوتين لإنقاذ كبرياء روسيا

الغارديان - (ترجمة بلدي نيوز)
بعد أيام قلائل من بدء روسيا تدخلها العسكري في سوريا لصالح نظام الأسد المتهاوي في سبتمبر من عام 2015، قال باراك أوباما بأن "روسيا ستغرق في المستنقع السوري"، كما أنها لن تنجح في مسعاها، وبعد عشرة أشهر، لم تتحقق رؤية أوباما، ففي حين تساعد روسيا حليفها بشار الأسد في محاولة منه لاستعادة السيطرة على حلب، أحد آخر معاقل المعارضة السورية الاستراتيجية، ليس هنالك من دلائل كثيرة تشير إلى أن آلة حرب الكرملين قد تعثّرت في مسعاها أو أنها عالقة في "مستنقع"، في الواقع يبدو بأن روسيا سجّلت المزيد من الانتصارات عوضاً عن الانتكاسات في سوريا، حيث لا يكاد أي شخص يتذكر إعلان بوتين في مارس الماضي، عن بدء سحب قواته، حيث تحوّل ذلك الانسحاب لأن يكون نظرية مشابهة جداً لـ"مستنقع" أوباما.
إن معظم المحاولات لشرح العملية العسكرية لبوتين في سوريا ركّزت على ما يلي:
1- حساسيته من الثورات الشعبية، ورغبته في منع تغيير النظام في دمشق كما حصل في عام 2011 في كل من تونس ومصر وليبيا.
2- رغبة بوتين في تأمين موطئ قدم أخير لروسيا في العالم العربي.
3- إرادته في برهنة أن روسيا ستفعل كل ما في وسعها للدفاع عن حليفها.
4- رغبته في تحويل الانتباه بعيداً عن أوكرانيا.
5- وكذلك انتزاع تنازلات غربية كتخفيف العقوبات على بلاده.
6- الانتهاز والاستفادة من عدم استعداد الولايات المتحدّة للضلوع في المزيد من التورّط في منطقة الشرق الأوسط.
7- اعتقاد بوتين أنه ومن خلال خلق حالة من الفوضى، حتى لو لم تكن هنالك من نهاية واضحة للعبته تلك، فستظهر روسيا بأنها تستطيع إسقاط المخططات الغربية.
8- إن الأمر متعلّق بسياسة روسيا الداخلية: تعزيز القومية وتأكيد الذات العسكرية التي تسير جنباً إلى جنب مع حاجة بوتين لحماية هيكل سلطته الخاص.
وعلى الأرجح إن هنالك حقيقة تنطبق على كل ما سبق ذكره أعلاه، ولكن وفي حين تقوم القاذفات الروسية بصبّ نيرانها على سكان حلب المحاصرة، في ما يمكن أن يكون المعركة الأكثر حسماً في الحرب في سوريا، يمكن اعتبار ذلك الأمر كقطعة أخرى لحل لغز عقليّة بوتين ونيّته المخفية: إذ أن سوريا هي المكان الأفضل الآن لروسيا حيث تريد أن تمحو ذلّها من هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن المنصرم.
وعندما تنبّأ أوباما بذلك "المستنقع"، كان يعني تكرار المستنقع السوفييتي في هندو كوش، فقد كان في الواقع يشبّه بوتين بسابقه بريجنيف، عندما قام بإرسال قواته إلى أفغانستان في عام 1979، تلك الحرب التي انتهت بشكل سيء للغاية بالنسبة للاتحاد السوفييتي ويمكن القول بأنها لعبت دوراً رئيسياً وكبيراً في زواله، حيث قال توني بلينكن، نائب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي السابق لأوباما، للصحفيين بأن الروس "يقومون بارتكاب خطأ استراتيجيّ فادح في سوريا"، كما أضاف: "أعتقد بأنهم يتذكرون أفغانستان جيّداً" حسناً، إن الكرملين يذكر أفغانستان جيداً، إذ تسعى القيادة الروسية لسوريا أن تكون مناقضاً كليّاً لتلك الكارثة، حيث أن المقصود بسوريا، يسعى لاستعادة السلطة الروسيّة كقوة عسكرية لمرة أخرى".
إذ إنه الانتشار العسكريّ الأول من نوعه لموسكو خارج أراضي الاتحاد السوفييتي السابق منذ أفغانستان، وقد انضم بوتين إلى "الكي جي بي" في عام 1975، قبل أربع سنوات من بدء الغزو الروسي على أفغانستان، وحتى لو لم يسبق له أن خدم هناك، فإن هذا الصراع ونتائجه بالتأكيد، قامت بترك تأثير كبير عليه، وقد وصفت الفائزة بجائزة العام الماضي لنوبل في الآداب، الكاتبة سفيتلانا أليكسييفنا، في أحد كتبها، "فتيان زينكي": أصوات سوفيتية من الحرب المنسية، الصدمة التي يعاني منها جيل كامل، من قصص الفظائع في الحرب التي باتت تتغذى ولمرة أخرى على المجتمع السوفياتي، على الرغم من الرقابة الشديدة".
لقد انتهت الحرب في أفغانستان في عام 1989، بعد أن أمر غورباتشوف قوات بلاده بالانسحاب، وكانت هنالك بعض الصور الدعائية لهتاف بعض الجنود الجالسين على عربات مدرّعة بينما كانوا يعبرون نهر "أمو داريا" عائدين إلى الأراضي السوفيتية، لكنها كانت إهانة مدمرة وإذلالاً لدولة عظمى، هزمت من قبل جيش من البدو من المجاهدين الأفغان، والذين قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بتزويدهم ببعض صواريخ "ستينغر"، "المضادّة للطائرات".
وقتل في أفغانستان أكثر من 15،000 جندي سوفييتي، بينما قتل ما يقدّر بنحو مليون من المدنيين الأفغان، وبعد أشهر من الانسحاب الروسي، سقط جدار برلين وتفكّكت السلطة السوفييتية، وكانت أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفييتي، كفيتنام بالنسبة لأمريكا، فقط مع ما يترتب على ذلك من إضافة بأن الاتحاد السوفياتي كُسِرَ حرفياً كدولة بعد ذلك بوقت قصير.
ولذلك لا يحتاج بوتين لأن يأطّر علناً أن سوريا هي مقامرته الانتقامية ضد الولايات المتحدة، لخسائر السوفييت الذين عانوا منها منذ عقود في أفغانستان، ولكن التأثير النفسي من تراجع استراتيجيات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بلغ الكثير من ذلك الشيء.
ودعونا ننظر إلى أوجه الشبه: فعندما دخل السوفييت إلى أفغانستان، بدا الأمريكيون غارقون في حججهم التي لا تنتهي حول نفسهم، أولها حول فيتنام، ومن ثم حول ووترغيت، اليوم تسعى روسيا نحو مصلحتها في سوريا في الوقت الذي تتخبط فيه الولايات المتحدة في عهد سياسة "ترامب" وتزايد فك الارتباط والانعزالية، وفي عام 1979، قام المتعاطفون مع الاتحاد السوفييتي في الغرب حينها، بالتصفيق للتدخل في أفغانستان حيث قال زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي حينها، جورج مارتشيه، بأن الاتحاد السوفييتي وبتدخله ذلك يهدف الى إنهاء عصر "الإقطاعية"، اليوم في أوروبا والولايات المتحدة، وليس فقط في صفوف اليمين المتطرف، هنالك أصوات تعلو معربةً عن إعجابها بسياسات بوتين في سوريا.
ولا نستطيع القول بأن المقارنة هنا هي تفصيليّة، ففي أفغانستان قام الجيش السوفييتي بشنّ غزو بريّ واسع النطاق، والذي تضمّن نشر أكثر من 115،000 جندي في ذروته، ولكن في سوريا، فإن روسيا تقتصر غالباً في حربها على سلاحها الجوي، وحتى إذا ما كان لديها "مستشارين عسكريين" على أرض الواقع، وتجنيد مدفعي وجويّ، فإن لدى روسيا في سوريا، حليفاً خارجيّاً رئيسياً: ألا وهو إيران، وعلى النقيض من ذلك ففي عام 1979، كان ينظر إلى إيران من قبل موسكو باعتبارها العدو اللّدود، لأن الإسلاميين الإيرانيين حينها والذين أسقطوا حكومة الشاه، بدأوا بزعزعة استقرار الحكومة في كابول الموالية للشيوعية والمدعومة من قبل حكومة الاتحاد السوفييتي.
وبالنظر لأوجه الاختلاف في المسألة، صرّح رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر في عام 1979، بأن غزو أفغانستان كان "أخطر تهديد للسلام منذ الحرب العالمية الثانية"، أما في عام 2015، فقد كان في استقبال الخطوة الروسية في سوريا، عدم اكتراث وتنحيّ من قبل أوباما، حتى لو قام ذلك الأمر بالضرر بمصالح واشنطن، وفي عام 1979 قام السوفييت بمهاجمة أفغانستان عشيّة عيد الميلاد، كما لو أنهم كانوا يأملون أن يكون الأمر بشكل مباشر، أما في سبتمبر لعام 2015، فقد أعلن بوتين عن قيامه بالعملية العسكريّة في سوريا في خطاب ألقاه في الأمم المتحدة، كما أنه في عام 1979 كان الاتحاد السوفييتي يجني أرباحاً طائلة من ارتفاع أسعار النفط إذ أنه كان قوياً اقتصادياً، أما في عام 2015، فقد أطلقت روسيا حربها في سوريا بينما هي في خضمّ ركودها وانهيارها الاقتصادي.
إن هنالك دروس مهمّة من حملة أفغانستان والتي يدركها بوتين جيّداً، إن فشل حملته وارتفاع خسائره هو الشيء الذي يرغب كلياً في تجنبه في سوريا، إن إسقاط مروحيّة الهليكوبتر العسكرية الروسية مؤخراً على أيدي الثوار السوريين ومقتل جميع أفراد طاقمها الخمسة، أحيا تلك الذكريات المؤلمة حول أفغانستان، كما أن الجيش السوفييتي لم يتمكّن حينها من "السيطرة" على أفغانستان، فلا قوات الأسد ولا حزب الله، ولا القوات الإيرانية المشاركة في القتال، ولا الروسية، سيمكنها في أي وقت أن تأمل في السيطرة على جميع الأرض السورية.
ومع ذلك، فقد دعمت روسيا حتى الآن بنجاح وجود الأسد ومنع سقوطه عن طريق تدخلها العسكري، في حين فشل الاتحاد السوفيتي في نهاية المطاف حينها بإنقاذ النظام الحليف له في افغانستان (ذلك الهدف الذي أعلن السوفييت عنه حينها).
ومن المستحيل لنا أن نجزم مدى استدامة المكاسب الروسية في المستقبل، ولكن بوتين يتذكر بكل تأكيد قول الرجل الذي غالباً ما حاول بوتين تقليده، يوري أندروبوف، رئيس المخابرات السوفيتية القوي في اجتماع للمكتب السياسي حينها في عام 1979: "لا يمكننا أن نخسر أفغانستان"، إذ أن بوتين يعتقد اليوم بأنه لا يمكنه بأي شكل كان أن يخسر سوريا.

مقالات ذات صلة

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

روسيا تكشف عن أربع دول عربية عرضت استقبال اللجنة الدستورية بشأن سوريا

أبرز ما جاء في أستانا 22 بين المعارضة والنظام والدول الضامنة

بدء اجتماعات مؤتمر أستانا 22 في كازاخستان

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

صحيفة أمريكية توثق آلية تهريب نظام الأسد للممنوعات إلى الأردن