نيوز ويك – ترجمة بلدي نيوز
مؤخراً، وقبل بضعة أسابيع، كانت الولايات المتحدة قد رفضت مراراً التعاون الاستراتيجي مع روسيا في سوريا، أما الآن فقد أكدت التقارير اقتراح شراكة محدودة هناك، حيث ستقوم الولايات المتحدة فيها بتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الهجمات مع روسيا ضد جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وفي المقابل، فإن روسيا ستقوم بإجبار نظام الأسد على وقف شن غاراته الجوية على المناطق التي تسيطر عليها جماعات الثوار التي لا تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية.
وبغض النظر عما إذا كان ذلك الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ أم لا، فإن مجرد وجود خطة كهذه تؤكد الانفصال الكامل الآن ما بين سياسة الولايات المتحدة المذكورة وسياستها الفعلية في سوريا.
فالاتفاق مع روسيا لا ينبغي الحكم عليه ما إذا كان سيساعد في إنهاء الحرب وتحقيق التحول السياسي، ولكن إن كانت السياسة الأمريكية السابقة الفعلية في سوريا: قد قامت بالتخفيف من العنف الانتقائي أم لا، فقبل أسبوعين، وقع 51 من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأمريكية على مذكرة تحدد بشكل أساسي أدوات من شأنها إنجاز مهمة الولايات المتحدة في سوريا، بينما لا تزال تستند سياسة الولايات المتحدة الرسمية تجاه سوريا على اتفاقات جنيف 2، الداعي لتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات سلطة تنفيذية كاملة مشكلة على أساس الموافقة المتبادلة.
لقد استخدم الدبلوماسيون نفس المنطق لتحقيق نفس الغايات، إذ دعوا لشن هجمات ضد النظام، فيما يواصل اليوم برنامج وكالة المخابرات المركزية فقط من الناحية النظرية، ولكن مبدأ استخدام الوسائل العسكرية لتحقيق أهداف دبلوماسية في سوريا تم التخلص منه على أساس أنه غير مجدي.
ولذلك لم يعد مفيداً الحكم على سياسات البيت الأبيض ضمن الأهداف الأمريكية الرسمية، كما أوضح مسؤول كبير في الادارة، ومن الآن فصاعداً فإن أهداف الولايات المتحدة في سوريا ستكون محدودة في خفض مستوى العنف قدر الإمكان، ولأطول فترة ممكنة.
إن هذه نقطة مهمة من الناحية التحليلية: فمن الآن وحتى كانون الثاني من عام 2017، فإن هذا الاقتراح السياسي الأحدث وأي اقتراحات قد تتبعه لن تهدف إلى منع نظام الأسد من مهاجمة المناطق المدنية، وذلك باستخدام تكتيكات المحاصرة والتجويع، أو تمنعه من رفض إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المعرضين لخطر الموت، ولن تهدف إلى تعزيز عناصر مقبولة من المعارضة للضغط على النظام، بل ولن تسعى لحماية أولئك السوريين التعساء الذين يقعون في الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة التي تعتبرها كل من روسيا والولايات المتحدة غير مقبولة.
إن سياسة أمريكا الآن هي الحفاظ على العنف "عند أدنى مستوى ممكن له، ولأطول فترة ممكنة"، وهي خطة غريبة في وضع القتل والحرب والمعاناة والدمار في حركة بطيئة.
ولا تزال هذه الاتفاقية، وحتى لو لم يتم الإعلان عنها رسمياً تتناقض وبشدة مع موقف الولايات المتحدة إلى حد كبير، ذلك الموقف الرسمي المرئي حول سوريا، والسؤال هو ما إذا كانت الخطة الامريكية قد ذكرت أن هناك تعاون مع روسيا في هذه السياسة، الجواب: ليس في الواقع.
ففي العديد من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، تتواجد جبهة النصرة بكونها مجموعة رئيسية في محافظات إدلب وحلب، إذ لها دور كبير في القتال ضد النظام وداعميه، وكثيرا ما تتعاون مع الجماعات القوية مثل حركة أحرار الشام (والذين تعتبرهم روسيا ارهابيين ولكن الولايات المتحدة فلا)، وهي متواجدة أيضا في الجنوب، بين جماعات الثوار التي تدعمهم الولايات المتحدة بشكل مباشر، وبوجود هذه الجماعات فإن تحديد المناطق الآمنة وغير الآمنة بشكل منفصل قد يكون صعباً جداً.
بطبيعة الحال، يمكن لجبهة النصرة في أي وقت الانتقال إلى مناطق يفترض بأنها آمنة، ومن شأن ذلك إما أن يضمن سلامتها أو أنه سيهدد الجميع هناك، ومن الناحية النظرية، قد يكون هنالك بعض الانخفاض في العنف في بعض الأماكن، وأما في الممارسة العملية، فإنها هشة للغاية ويمكن في أي وقت أن تزيد باندلاع أعمال عنف في مناطق أخرى.
إن هذه تحديات عملية، ولكن هناك مشاكل أكثر خطورة أمام كل المبادرات في هذه الحرب ذات الأهداف المحدودة تتجلى في الحرب نفسها، سواء أكان وقف إطلاق النار، واتفاقيات إيصال المساعدات الإنسانية المتفرقة، إذ أنها وببساطة تدفع ثقة النظام وروسيا وبشكل أكبر إما لتغيير تكتيكاتهم أو تجاهل تلك الاتفاقات تماماً.
وقد أثبت النظام السوري مراراً بأنه لا يرى أي قيمة في الحد من حريته في التصرف في هذه الحرب، إذ أنه يتصور بأنه قادر على كسب الحرب عسكرياً ويحسب بشكل صحيح، أنه لا توجد أي تكاليف لاستخدامه لأساليب الخداع، إذ أن النظام يتجاهل دائماً مطالب السماح لوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين، ويستمر في انتهاكاته لوقف إطلاق النار.
إن الأسوأ من ذلك كله ، هو أن السجل في سوريا يدل على أن روسيا هي إما غير راغبة أو غير قادرة على كبح جماح النظام في انتهاكه الصارخ للاتفاقات التي تدعمها روسيا بنفسها، في حين أن الخطة الامريكية الروسية المقترحة لا تذكر أي شيء عن فرض تكاليف على النظام إن قام بمهاجمة مناطق آمنة معينة، الأمر الذي يشير إلى وجود مشكلة في الثقة أو أن لا فائدة من روسيا، وفي كلتا الحالتين، وكما تبدو الأمور فإنها تجعل أي اتفاقيات من هذا النوع مجرد اتفاق عبثي.
كما أن هنالك العديد من المشاكل الأخرى في خطة الولايات المتحدة للدخول في شراكة مع روسيا، وبطبيعة الحال: فإنها تسمح لروسيا باستخدام القصف العشوائي في المناطق التي تتواجد فيها جبهة النصرة، كما تنقل تركيز السياسة من إنهاء الحرب، لمحاربة مجموعة واحدة في جانب واحد من الحرب، و من المحتمل أن يجلب جبهة النصرة وغيرها من القوات المناهضة للنظام ليصبحا أقرب معاً، كما إنها تكافئ روسيا على انتهاكاتها وفظائعها المتسقة مع النظام، والتي تبتز أساساً الولايات المتحدة في محاولة إخضاع روسيا والنظام للامتثال بالاتفاقات التي وافقا عليها بالفعل، كما ستطفئ محادثات جادة حول التحول السياسي وإنهاء الحرب في سوريا.
وخلال خمس سنوات من الحرب، قامت الولايات المتحدة بتحقيق القليل جداً في سوريا، وفي حين تكمل إدارة أوباما مسارها فإن فشلها يتكدس، ويميل بنحو متزايد في تجنب الأهداف طويلة المدى، أمام تلك ذات المدى القصير، ومع ذلك، فإنها لن تقوم بتحقيق أي منها.
إن نظام الأسد ليس أحمقاً بحيث يوافق على الامتثال لنهايته المؤلمة، من هذه المساومات، ولن تستطيع روسيا أن تقوم بإجباره على القيام بذلك.