بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
مقدمات الزلزال
بعدما هُزمت إسرائيل في العام 2006 لأنّها لم تقصم ظهر الحزب، انتصر نصر الله وحزبه انتصارا "إلهيا" لأنّ الضربة قوته ولم تهزمه، هكذا اختزل الحزب سردية هزيمته في العام 2006، رغم تنطع نصر الله فيما بعد، بأنّه لو علم بالنتيجة لما أقدم على شنّ الحرب، حيث فرض بموجبها القرار الدوليّ 1701 الذي أنهى القتال على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة.
وفي العام2008، كلفت إيران، "حزب الله" حماية "ظهر المقاومة" بدلا من حماية لبنان، حيث تمكن حينها "الحزب" من اجتياح مدينة بيروت وفرض عليها حصارا خانقا، وبالتدريج المنظم سيطر على أغلب المراكز الاقتصادية وفي مقدمتها "مرفأ بيروت" رئة لبنان الاقتصادية، ليستكمل دوره المحدد بتنفيذ الأجندات الإيرانية بعدما أشاح عن وجهه الحقيقي متحولاً من حركة "مقاومة" ضد إسرائيل إلى "ميليشيا طائفية" شرعت بانتهاج طرق أخرى لاستلاب القرار السيادي اللبناني عبر التوسع العسكري بمساندة مجاميع طائفية شيعية تدعمها إيران، فأخضع لبنان مستفيدا من حالة انهيار الأجهزة الأمنية والعسكرية بكافة أنواعها، وكذلك من الصراع الدولي والإقليمي، وهذا ما دفعه إلى اعتماد خيار "العنف المقدس" تحت راية "الولي الفقيه"، ابتدأه ضد "مراجعه" من رموز الشيعة كـ"الشيخ محمد حسين فضل الله" المرشد الروحيّ لـ"حزب الله" قبل أن تنبت مخالب الحزب. فكفّره نصر الله لإنكاره "ولاية الفقيه" ولانتقاده "خامنئي" ولمناصرته الشيخ صبحي الطفيلي -أول أمين عام للحزب -باعتباره مظلوما" فأمر نصر الله أتباعه بمضايقة "فضل الله" وذلك بمقاطعة مسجده المجاور للمربع الأمني للحزب في "حارة حريك" وتجاوز ذلك إلى إطلاق النار على منزل "المرشد الروحي" واضطهد مقلديه، وحاول تشويه صورته من خلال توزيع الكتب والمنشورات التي تشهّر به في المراكز الشيعية في قم والنجف والضاحية. ووصفوه بـ"المهرطق"، ولم يكن موقف الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعيداّ عن موقف صنوه فضل الله، فكلاهما لم يمنحا "الحزب" الموالي لإيران الخامنئية غطاء دينيا.
مع الثورة السوريّة تباينت الذرائع التي تبرّر اجتياح حزب الله الأراضي السورية، فالحزب الذي أنهى عمليا حربه ضد إسرائيل كشف عن انخراطه في "حلف الأقليات" الذي تقوده إيران ضد "الأغيار" ليتحول الأعداء من العدو الافتراضي المتمثل بـ"إسرائيل" إلى العدو الحقيقي الذي يجسده "كل المخالفين لإيران الخمينية" بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية والدينية سواء كانوا شيعة أم سنة أم حتى لو كانوا مسيحيين" فالكل في مفهوم الحزب "داعشيون" أو "تكفيريون" وفي أحسن الأحوال "مهرطقون".
ومع سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية تحول حزب الله إلى عصابة حاكمة داخل الدولة اللبنانية وما نتج عن ذلك من استطالات اجتماعية تفرض "نعل السيد" كثقافة إيرانية مقدسة تلزم اللبنانيين الانحناء عليها تيمنا بأحذية عسكر الأسد بسورية، ولا أدل على ذلك من حذاء الزيدي المنحوت في مدخل بغداد كوسم مذهبي لإخضاع الجميع بالأحذية، مما أدخل المنطقة في صراعات مذهبية وقبلية وجهوية بلغت ذروتها مع دويلة "حزب الله" الخارج عن صيغة التوازنات اللبنانية الطائفية الناظمة ليختزل لبنان وسورية بصبغته الإيرانية، وهذا ما أدخل المنطقة في أتون صراعات لا نهاية لها.
منذ نشأة حزب الله كـ"حركة مقاومة" ضد إسرائيل، كان في سرّ المؤسس "إيران"، والمطور الحقيقي له "نصر الله" ليكون نواة لدويلة سياسية مؤدلجة، جامعة لكل الشيعة داخل لبنان, وتوظيفها في سياسات واستراتيجيات وأهداف إيرانية كان من نتائجها القضاء على الحركة الوطنية اللبنانية واستئصال الشخصيات الوطنية من المشهد اللبناني لترسيخ دويلة الحزب وخطف لبنان العربي إلى هوية مغايرة, والمضي به إلى متاهات وحماقات حزب يفعل ما تأمره به طهران لابتزاز إسرائيل وتوظيف ذلك لمصالحها الخاصة، وقد مثلت الأحداث المتعاقبة منذ العام 2000م تمردا لحزب الله واجه به نفوذ الدولة في العاصمة بيروت على مدى عقدين, حيث أعلن أن سلطته فوق الجميع, لذلك بادر بمعزل عن الشعب اللبناني بالتمرد على القرارات السيادية اللبنانية منفذا للتوصيات الايرانية، ثم انطلق لتحقيق الهدف الرئيس من نشأته ووسع دائرة نشاطه العسكري بالاستدارة عن مواجهة إسرائيل وانخراطه في قتل الشعب السوري الثائر، وكل من يقف حتى موقف المواجهة الفكرية والسياسية من ايران.
الجنرال والزلزال
كشفت الوقائع والأحداث في كارثة بيروت ما أفادت به المعلومات الأمنية بأن مرفأ بيروت يختزن 2755 طناً من مادة "نيترات الأمونيوم" في العنبر 12، حوّل العاصمة تحت وطأة ما يشبه انفجاراً نووياً محدوداً إلى مدينة منكوبة في معظم أحيائها، وأدى إلى سقوط ما يفوق 160 ضحية وأكثر من 80 مفقوداً، وأكثر من أربعة آلاف جريح، وفجر غضباً شعبياً واسعاً على الطبقة السياسية برمتها وبالأخص "حزب الله"، من باب اتهامه في وسائل الإعلام، بأن المواد المتفجرة تعود له.
استندت الاتهامات للحزب إلى أن اللبنانيين يعلمون منذ سنوات أنه "يسيطر" على مرفأ بيروت، من خلال أجهزته الأمنية، ونشره موظفين يتبعون له في جميع مفاصله، وامتلاكه بوابة خاصة بالمرفأ اسمها بوابة "حزب الله" ـ شبيهة بالمعابر البرية مع سوريا المعروفة بخطوط "الحزب العسكرية"ـ
يستخدم "حزب الله" مرفأ بيروت من أجل استيراد بضائع متنوعة، تدخل إلى لبنان بأوراق مزورة عبر شركات تخليص جمركي وهمية تتبع له، يستفيد منها في تمويل أجهزته. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سبق أن اتهم "حزب الله" بتخزين أسلحة، وصواريخ في أماكن مدنية بقلب بيروت، من بينها المرفأ، وحينها نفاها الحزب أكثر من مرة. فضلا عن أن حزب الله متورط بجلب شحنات من "نترات الأمنيوم" صودرت بعض منها في بلدان مختلفة. وفي السياق، ذكر خبير عسكري لـ"موقع إيران إنسايدر"، إلى أن السبب الحقيقي للتفجير هو أن "حزب الله" يستخدم نترات الأمونيوم في مستودع داخل المرفأ لتصنيع حشوات دافعة للصواريخ، وتخزينها في هذا المكان، وجاءت الضربة والحريق ما أدى لانفجار هذه الحشوات الدافعة للصواريخ بالكامل.
خلفية الزلزال
ليس حزب الله وحده من يقف وراء التفجير المدمر الذي عصف بلبنان، وليس وحده من يقف وراء تعطيل وظائف الدولة وأدوارها وفرض الوصاية على مؤسساتها، بل ارتباط حزب الله الوثيق بإيران، وإن كان وحده من يشغل واجهة الأحداث الكبيرة لكن الواقع هو ما عبر عنه حسن نصر الله وملالي طهران في غير مناسبة، أن لبنان جزء لا يتجزأ من المنظومة الإيرانية. ومع كل تطور سياسي على الساحة اللبنانية، يقوم الحزب باستدعاء الروح المذهبية والتعبئة الدينية، بحيث تحول إلى عصابة مسلحة متمردة على الصيغة اللبنانية، أنهت هيبة الدولة وعملها، ومنعت التنمية بتعطيلها المشاريع السياسية والاقتصادية وفرضت على لبنان حسابات خارجية.
جنرال الضاحية يتوعد
رغم الزلزلة التي أصابت بيروت نتيجة التفجير المدمر، خرج نصر الله متنطعا بخطاب دفاعي عصر أمس الجمعة السابع من أغسطس/آب، في أول تعليق له على الكارثة التي أصابت بيروت ولبنان، فقال: "لا ندير المرفأ، ولا نتدخل فيه، ولا نعرف ما هو موجود بداخله. التحقيقات جارية، والحقائق ستظهر سريعاً لأن الموضوع ليس معقداً، وعندما تظهر الحقائق أطلب من الشعب اللبناني محاكمة المحطات التي ضللت هذه الحقائق".
ومنذ اللحظات الأولى للتفجير، قاد عبر إعلامه الممول إيرانيا حملة تأخذ الجميع إلى منطقة ظلام إعلامي محاولا إغراق الجميع بتفاصيل خارج جوهر التفجير في ظل أجواء سائدة في لبنان والمنطقة شبيهة بتلك التي سبقت اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، وفي إطار منطقة الظلام الإعلامية جاء خطاب نصر الله يحمل تهديداً ووعيداً، "أقول لكل الذين فتحوا معركة معنا، ومع محور المقاومة انطلاقًا من هذه الحادثة، لن تحصلوا على أي نتيجة، هذه المقاومة أعظم من أن ينالها بعض الظالمين، والكذابين، والساعين للحرب الأهلية، وطالما سعوا لذلك وفشلوا وسيفشلون". ويقصد بذلك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي تساءل باندهاش: "هل يعقل أن حزب الله ليس معه خبر بالشحنة الخطيرة في المرفأ؟ لا أعتقد ذلك. لست مقتنعاً برواية حسن نصرالله... لا نثق بتحقيق الأجهزة المحلية التي أصابها الاهتراء والتسييس".
وبذلك يدخل لبنان مرحلة صراع سياسي في ظل رؤى تشير إلى مواجهة سياسية وشعبية لبنانية مفتوحة مع التيار الذي فجًر لبنان والمنطقة.