"الصباح الذي جاؤوا إلينا فيه".. برقيّاتٌ عن عذابات سوريا - It's Over 9000!

"الصباح الذي جاؤوا إلينا فيه".. برقيّاتٌ عن عذابات سوريا

The New York Times  - ترجمة بلدي نيوز
"الصباح الذي جاءوا إلينا فيه" هوعنوان كتاب جديد ومؤثّر، لكاتبته جانين دي جيوفاني، يصف تلك اللحظات الرهيبة في حياة السوريين العاديين عندما تصبح الحرب في بلادهم حرباً شخصية، تلك اللحظات عندما يُطرَقُ البابُ فجأةً، لتقوم أجهزة الشرطة أو المخابرات بأخذ أحد أفراد الأسرة بعيداً عن ذويهم.. نحو المجهول، تلك اللحظات عندما تقوم طائرات الحكومة بإسقاط براميلها المتفجرة على منزلك، مدرستك، مستشفى حيّك، ممزّقة حياتك اليومية إلى الأبد.
تُقطَعُ عنك المياه والصنابير تجف، عملة بلادك تصبح أوراقاً قطنية لا غير، وقناص يقتل أخاك الصغير، القمامة منتشرة في كل مكان يملأهاالذباب، لأنه لم يعد هنالك هناك من عمال خدمات في المدن المحاصرة، وتنتشر الأوبئة بكثرة وأمراض منذ عهد العصر الفيكتوري القديم، من شلل الأطفال والتيفوئيد والكوليرا، كل شيء شحيح عدا المأساة والأمراض، في حين تحولت أحياء بكاملها إلى مجرد أنقاض.

يرتدي الأطفال خفاً مطاطياً يدوي الصنع في برد الشتاء القارس، لأنهم لا يملكون أي أحذية أو ملابس شتوية تقيهم برد الشتاء العاصف، ويضطرّ الناس رغماً عنهم للتخلي عن معجون الأسنان، والمال، والفيتامينات، وحبوب تحديد النسل، والأشعة السينية، والعلاج الكيميائي، والأنسولين، ومسكنات الألم.
خلال السنوات الخمس التي شن فيها نظام الأسد حربه الأعتى والأبطش على الاحتجاجات الشعبية السلمية المناهضة له، تصاعدت تلك الحرب إلى حرب شاملة، وتم استخدام كافة أنواع الأسلحة فيها وكل أساليب الموت والتدمير، وقتل فيها أكثر من نصف مليون مدني سوري، في حين تم تهجير وتشريد نحو 12 مليون شخص آخر- وهم أكثر من نصف سكان البلاد ما قبل تلك الحرب الدامية- بما في ذلك خمسة ملايين مدني كانوا قد فرّوا إلى البلدان المجاورة وأوروبا بما تصفه الأمم المتحدة اليوم بـ"أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية."
في كتابها "الصباح الذي جاؤوا إلينا فيه" تصف لنا الآنسة جانين دي جيوفاني بدقّة ماهيّة العيش في سورية بظل الحرب، ساردة بتفصيل بعضاً من القصص الفردية لمواطنين مدنيين تصيب القارئ بالرعشة متصوراً كمية العذابات تلك: الطلبة الذين اقتادهم الشرطة والاستخبارات الحكومية لاستجوابهم وتعذيبهم بشتى أنواع الطرق الساديّة.

الأطفال الصغار الذين لقوا حتفهم بسبب الإصابات الوبائية الإنتانيّة، لعدم توفّر المساعدة الصحيّة الكافية والكادر الطبي، النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب من قبل الجنود الحكوميين عند نقاط التفتيش وفي السجون، العائلات التي حاولت الهروب من المدن المحاصرة كمدينة حمص وما لاقوه من عذابات، ليعودوا أدراجهم مرغمين بعد ذلك، فقط بسبب عدم وجود أي مكان آخر استطاعوا الذهاب إليه.
إن حقيقة أن الكثير من الكُتَّابِ على أرض الواقع يقتصرون على تقديم تقارير من المراحل الأولى للحرب، يذكر القارئ بأن تلك الأهوال العديدة سوف تتصاعد في السنوات الأُخَرِ القادمة- بانعدام أي نهاية تُرى في الأفق لتلك المأساة.
إن الكاتبة دي جيوفاني تحدثنا عن خباز يدعى محمد، والذي تلقى رسائل من الحكومة تهدده فيها بأنه سيخطف وسيقتل إن لم يتوقف عن حراسة المخبز الذي ساعد في إطعام كامل الحي الذي تسيطر عليها المعارضة السورية في مدينة حلب، وندى، الفتاة التي قامت بإحضار الطعام والإمدادات الطبية لزملائها الطلاب على الخطوط الأمامية، والتي كانت قد ساعدت في وقت لاحق بنشر رسالة المعارضة من خلال مواقع الفيسبوك وتويتر، وبعد ذلك اعتقلت في منزل والديها، واحتجزتها الاستخبارات الحكومية لمدة ثمانية أشهر وثلاثة أيام، تعرضت فيها للضرب والجلد والاغتصاب، في حين قال سجانوها لأفراد أسرتها بأنها ماتت.
طالب آخر، حسين، كان قد ساعد في تنظيم بعض المظاهرات السلمية الأولى التي ظهرت في سوريا، عقب ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر، وأطلق عليه النار من قبل القوات الحكومية الموالية للأسد، ومن ثم تم اعتقاله إثر إصابته تلك، حيث تعرض للضرب المبرح والتعذيب في أقبية سجونهم. يخبر حسين الآنسة دي جيوفاني كيف أنهم قاموا بشقّ بطنه وسحب أمعائه خارجاً!!! وبعد خياطتها بشكل بدائي، نجا حسين بأعجوبة إثر ذلك، فقط لأن الطبيب الموالي للنظام، كان قد أشفق عليه، وأعلن بأنه ميت، سامحاً له بالهروب خارج المشرحة!!!
وتقتبس دي جيوفاني قول أحد كبار الباحثين في هيومن رايتس ووتش،: "إن الحكومة السورية تدير أرخبيلاً افتراضياً من مراكز التعذيب المنتشرة في جميع أنحاء البلاد".
مثل العمل الحائز على جائزة نوبل للبيلاروسية سفيتلانا أليكسيي فيتش، يعطي كتاب دي جيوفاني صوتاً لأولئك الناس العاديين والذين أرغموا على العيش خلال فترة مظلمة من التاريخ، وهو شبيه لكتاب الصحفي أنتوني شديد لعام 2005، "ليلة التعادلات الأدنى" والذي روى فيه تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، فإن كتابها يروي عن تداعيات الحرب السورية وأهوالهاعلى النساء والأسر والأطفال.
مراسلة ذات خبرة كبيرة في حروب البوسنة والشيشان وسيراليون، تكتب دي جيوفاني بإلحاح وحسرة، مصممّة على تقديم شهادة موثقة لما شهدته عيناها في سورية، لأنها عازمة على أن "لا ينسى الناس أبداً بفيض حزنها- في جمل الكتاب المتقطعة، في ذكرياتها السابقة عن مشاهد مماثلة من معاناة منطقة البلقان، في تعاطفها الذي لم يستطع تقديم المساعدة الكافية لأولئك الذين التقت بهم في سوريا، كتلك المرأة العليلة في المستشفى، التي توسلت إليها أن تأخذ أطفالها بعيدًا..إلى أي مكان آمن.
في معظم رحلات الصحفية دي جيوفاني في سوريا، والتي وصفتها بدقة في كتابها، في مطلع عام 2012 بعد مرور عام على الصراع، كانت قد وصفت في كتابها بأنها لاحظت بأن النخبة الثرية في دمشق لا تزال في حالة إنكار حول وجود الحرب، على الرغم من أصوات الانفجارات والقصف التي يمكن سماعها خلال الحفلات المقامة حول المسابح في فندق الداما روز، وبحلول نهاية العام، انزلقت البلاد نحو المنحدر، وكانت الحكومة تقوم باستهداف المدنيين العُزّل.

في مدينة حلب كانت قد كتبت عن تلك المدينة واصفة حالة السكان "كان هناك معياران للبقاء على قيد الحياة: الاختباء من براميل النظام المتفجرة، وإيجاد ما يكفي من القوت اليومي".
ومن ثم تصاعدت أحداث الحرب، وتم اختطاف الأجانب بشكل أكبر، والتقت الآنسة دي جيوفاني بعاملة إغاثة أمريكية الشابة كايلا مولر، والتي اختطفت في صيف عام 2013 شمال سوريا، وبقيت كأسيرة باعتبارها "رقيق جنس" من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي وذلك قبل أن تموت في غارة جوية أردنية في 6 فبراير من عام 2015.

كانت جيوفاني قد رسمت صورة مفجعة لصديقها الصحافي ستيفن سوتلوف، والذي قتلته أيضاً أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014. حيث وصفته قائلة "لهجته العاميّة تلك، شخصيته الأمريكية، فضوله الطفولي، كان قد ساعدني في حلب على نسيان البرد، والقلق، والخوف الشديد الذي ينخر معدتي، لم أكن أتصور أن هذا الطفل الباسم الضاحك الذي كان يلقي النكات ويتابع بشوق نتائج كرة السلة لفريق ميامي الذي كان يعشقه، بأنه سيتم قطع رأسه بتلك الوحشية من قبل مليشيا تنظيم "داعش" الذين لطالما دعاهم بـ"الملتحين".
تقول الصحفية دي جيوفاني، في غضون أشهر قليلة رأيت سوريا وهي تخضع لعملية تحول رهيبة، تحول من شأنه أن يجعل من الوضع أكثر قتامة في السنوات المقبلة، فقد سيطر المتطرفون على مناطق واسعة من البلاد بشكل مرير، مغادِرَةً مدينة حلب، كتبت جيوفاني في كتابها بأنها فعلت ما بوسعها لالتقاط ما استطاعت من الصور بداخل رأسها، صوراً ستتذكرها طويلاً ولن تنساها، صوراً تُظهِرُ هذا البلد العظيم، الذي لم يعد قائماً.

مقالات ذات صلة

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

مطالبات بإعادة إحياء صناعة الأحذية في سوريا

سفير إيطاليا لدى النظام "أبدأ بحماس مهمتي في دمشق"

حملة أمنية لملاحقة خلايا التنظيم شرق حلب

قاطنو العشوائيات في دمشق"روائح كريهة وانتشار للقوارض ومعاناة مستعصية"