قصة نهوض وانهيار المدينة التجارية العظمى في سوريا - It's Over 9000!

قصة نهوض وانهيار المدينة التجارية العظمى في سوريا

ميدل إيست آي – ترجمة بلدي نيوز
منذ الألفيّة الخامسة قبل الميلاد، كانت حلب قد ازدهرت واستمدت عظمتها كواحدة من أكثر مدن العالم تنوعاً وتألقاً، ولكن وفي العقد الثاني من القرن الـ21، هُدِّدَت هذه المدينة التاريخيّة كما لم يحدث من قبل، حيث قُسِّمَت، ووضعت تحت الحصار حتى اقتربت من الموت، وألقيت عليها البراميل المتفجّرة والقذائف والقنابل، في مشهد بشعٍ من الدمار والخراب.
ويخشى الكثيرون من أننا لربما نشهد آخر طقوس مدينة حلب، حيث تقوم قوات النظام السوري والقوى الجوية الروسية الداعمة لها، بالإضافة للدعم الإيراني المُكثّف، بمواجهة قوى المعارضة، في حين أن الجهود الدبلوماسية الحالية البائسة، في الحصول على المزيد من وقف الأعمال العدائية، يبدو ضئيلاً ومتأخراً جداً، أكثر من أي وقت مضى.
حلب المدينة الأكثر عراقة من لندن، المدينة (اليافعة ذات الألفي عام) وباريس (حوالي 2300 سنة)، تُنافس بعراقتها مدينة دمشق، وجبيل، وأريحا، المدن الأقدم والتي كانت مأهولة باستمرار في العالم. في القرن ال16 كانت مدينة حلب عاصمة التجارة العظمى في العالم، بكونها النهاية الغربية لطريق الحرير الواصل من الصين، حيث هرعت القوى الأوروبية، بدءاً من البندقية، إلى فتح بعضٍ من أقدم القنصليات في العالم فيها.
كانت حلب حينها تُصدِّرُ الحرير والتوابل من الشرق، وكذلك الخيول، بما في ذلك الخيل الشهير "دارلي العربي"، الحصان الأصيل، والذي تمّ شحنه من حلب إلى بريطانيا في عام 1704، حيث جاء من سلالته فيما بعد الكثير من الخيول الفائزة في سباقات بريطانيا.
كيف للعالم الحديث، وبعد هذا كله، أن يولي اهتماماً ضئيلاً جداً لهذه المدينة العظيمة في شمال سوريا، والتي تواجه الآن إمكانية الفناء، وذلك بعد فقدانها بالفعل للكثير من كنوزها، في حين أن أكثر من 12 كم من أسواقها قد حرقت، وشوهدت مئذنة جامعها الأموي الكبير مدمرةً في شهر مارس/آذار من عام 2013.
لقد كان هناك وقتٌ ذُكِرِت فيه مدينة حلب في مسرحيّات الكاتب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير، كمسرحية ماكبث (المقطع الأول: مشهد السحرة -عندما جاء فيه عبارة "لقد ذهب زوجها إلى حلب") وكذلك في المسرحية التراجيدية- عطيل (والتي تروي في مقطعها الخامس، قبل أن يقوم عطيل بطعن نفسه، كيف أنه قام بقتل المُعَمَّمِ في مدينة حلب)، وكذلك الإخوة راسل، ألكسندر وباتريك، كانا قد كتبا قصةً استثنائية حول هذه المدينة، ثالث أكبر مدينة عثمانية، بعنوان "التاريخ الطبيعي لمدينة حلب." والتي نُشرت عام 1756 في لندن والتي سرعان ما بِيعَت بعد أن تمّ نشرُها.
فعلى مرِّ الزمان، كانت مدينةُ حلب قد أَوحَت بالكثير من الإلهامِ إلى زُوّارها، وحتى للعديد من المشاهير من أجاثا كريستي لتوماس إدوارد لورنس. "والمشهور بلقب لورنس العرب".
بل إنّ عميد الكُتّاب عن بلاد الشام والمدن المختلطة في منطقة الشرق الأوسط، فيليب مانسيل، كان قد أَلَّفَ كِتاباً حينها رَسَمَ فيه تاريخ مدينة حلب من العهد العثماني وحتى يومنا هذا، مدعوماً بنصفٍ آخر كان عبارةً عن مجموعةٍ من كتابات السفر التاريخية المختلفة والمكتوبة على مدى أربعة قرون، دَوَّنَها 15 من المشاهير في زيارتهم إلى المدينة، مثل جان لويس بوركهارت، جيرترود بيل وليونارد وولي.
إنّ من اللّافت للنظر بأن هنالك أكثر بكثير ممّا كُتِبَ عن مدينة حلب في الماضي عَمّا كُتِبَ عنها في العصر الحديث. إذ أنّ كتاب مانسيل هذا، ليس سوى واحدٍ من الكتب القليلة المُخَصَّصةِ باللغةِ الإنجليزية.
إذ حتّى في سوريا، في ظل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي، كان قد تَمَّ إهمال و إِقصاءُ المدينةِ الثّانيةِ في سوريا، إلى حد كبيرٍ، لتكون في خلفية الصورة، حيث تَمَّ تَجاهُلُها بشكل مُتَعَمّدٍ إلى حَدٍّ يُرثى له.
ولكن وفي هذا القرن كانت حلب أمام وِلادةٍ جديدة، وذلك قبل أن يَتِمَّ تحويلها الآن إلى خراب ودمار، إذ فُتِحَت العديدُ من المنازلِ القديمة لتُصبِح فنادق ومطاعم عريقة، وبدعم من مؤسسة خان الآغا، والحكومة الألمانية تمَ ترميمُ أجزاءٍ من المدينة القديمة بعناية وبشكل جميل.
إنّ محورَ الكتابِ يُصوِّرُ بشكلٍ غير متردِّدٍ أهل حلب، بحياتهم وتجارتهم ومعتقداتهم، وبجزءٍ ليس بصغير تلك الروابط الغَنِيَّة للمدينةِ مع العالم الخارجي، حيث أنّه لم يكن فقط "أُنشودةً" تصِفُ المعالم المعمارية والثقافية الكبرى في المدينة، وهذا ما جعل منه عملاً أكثر حيوية وأهميّة، ولا تكمنُ الشكوى الرئيسية من عمل مانسيل هذا، سوى بأنه يتركُكَ تريد أن تعرف المزيد والمزيد، مناطقُ كاملة من بُنيةِ حلب في الماضي والحاضر، تَمَّ التَطرُّقُ في وصفها بشكل مجرد، وليس أقلُّها على سبيل المثال تلك الفترات السابقة في ظل الحكم الأمويّ، والحمدانيين (عندما ازدهرت مدينة حلب باعتبارها عاصمة البلاد)، وكذلك عهد المماليك، بالإضافة إلى أن ذلك الكتاب يحتوي على أجزاء تقارب الـ 65 صفحة، مُقسَّمة إلى فصول قصيرة بليغة، لا يزيد حجم كل منها، عن بضع صفحات، كل صفحة منها لا تُقَدَّرُ بثمن، ومُيَسَّرةٌ بشكلٍ كبير، ولرُبَّما كان بالإمكان أن يتِمَ استكشافُها والعمُّقُ فيها بشكلٍ أكبر.
إن هذا الكتاب لربما كان يعتمدُ بشدةٍ على الزوار الخارجيين القادمين إلى مدينة حلب من عدد من الدول الأوروبية المختلفة على مر القرون، في حين أن رؤيتهم وملاحظاتهم تلك كانت رائعة بالفعل، بالإضافة إلى أن وجهات نظرهم كانت قيِّمَةً وغنِيَّةً بالمعلومات، ولكن من المؤسف أن مانسيل لم يقُم بالخوضِ في آراء المصادر والسكان المحليين ووجهات نظر عامة السكان، والذين كانوا قد جعلوا من حلب مقرَّ إقامتهم، وقد كَتَبَ الرَّحالةُ العربُ أيضاً الكثير حول مدينة حلب، بما فيهم ابنُ بطُّوطة- الرحالة المغربيّ والعلّامَة، وذلك في بدايات القرن ال14 في حين وصفها بِدِقَّةٍ وبشكلٍ مُلائِم.
وفي السنوات العشرِ التي سَبَقَت ثورة عام 2011، كانت حلب قد بدأت بإعادةِ الارتباطِ بشكلٍ أكثر ديناميكية مع العالم الخارجي، بالتزامُنِ مع ازدهار السياحةِ فيها، وقبل كل شيء، أعيدت فتحِ العلاقاتِ التجاريّة مع تركيا في الشمال، وتاريخيّاً، كان جنوبُ تركيا حول مدينة كِلِّس وغازي عِنتاب، حيثُ يحتشد اليومُ عددٌ كبيرٌ من اللّاجئين السوريين هرباً من ويلات الحرب، جزءاً جغرافيّاً من المناطقِ الطبيعيةِ النائيةِ لمدينةِ حلب، حيثُ تم اقتطاعُها كاملاً من مدينة حلب في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
وبالنسبة لأولئك الذين كانوا قد أمضوا يوماً نموذجيّاً أو اثنين داخل هذه المدينة العظيمةِ السّاحرة، فإن كتاب مانسل سيكونُ وسيلةً ممتازةً لتوسيع نطاقِ هذا الاهتمام، إذ أنّ أيّ زيارةٍ لهذه المدينة العظيمة لطالما كانت منبع إلهام لزائِريها.
دعونا نأمل وبشدة بأن لا تتحقق مخاوف مانسيل من أن حلب والتي كانت في وقتٍ سابقٍ "نموذجاً للتّسامُحِ والتّعايُشِ" قد تقف الآن على "حافة الانقراض"، أوتصبح كما تلك المدن السورية المدمرة في طول البلاد وعرضها.

مقالات ذات صلة

الحكومة الإيطالية تقنع الاتحاد الأوربي بتعيين مبعوث له في سوريا

محافظ اللاذقية: بعض الحرائق التي حدثت مفتعلة

النظام يحدد موعد انتخابات لتعويض الأعضاء المفصولين من مجلس الشعب

خسائر لقوات "قسد" بقصف تركي على الحسكة

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي

قائد "قسد": الهجمات التركية تجاوزت حدود الرد وأضرت بالاقتصاد المحلي