بلدي نيوز- سما مسعود
لم تغب حلب عن ماضي الثورة السورية وحاضرها، ولن تغيب عن مستقبلها، ففي البدايات كانت الدعوات الأعلى والأقوى هي لضم حلب إلى الجسد الثوري، وذلك بعدما تأخر ركبها قليلاً، ومع التحاقها، بذل النظام كل جهد ممكن واستعان بحلفائه الإيراني والروسي حتى يبقي موطئ قدم له في العاصمة الشمالية للبلاد.
ويبدو الوضع في حلب أكثر تعقيداً من سواه، ففي معركة حلب العديد من التوازنات الإقليمية والعالمية، يبرز ذلك جلياً من خلال التقارب الإسرائيلي - الروسي الأخير، الذي أبدى فيه بوتين حرصاً كبيراً على المصالح الروسية الإسرائيلية في سورية.
ماذا بعد قصف حلب؟
يقول العميد صلاح بسيريني لبلدي نيوز: "محرقة حلب هي بمثابة جس نبض الثوار"، ويتابع بسيريني: "الأسد بيدق بيد الروس، لقد أتى الأمر الروسي ببدء معركة حلب، سيعتمدون بداية على سياسية الأرض المحروقة".
وأوضح أن الهدف من سياسية الأرض المحروقة إنهاك الثوار الذين لم يحصلوا على الدعم العسكري منذ شهور، فبحسب رأي بسيريني: "القصف الجوي العنيف سيعقبه تقدم للقوات البرية على الأرض بمساندة جوية روسية".
لكن دخول حلب ليس نزهة لأولئك الضباط الذين يطؤون أرضاها لأول مرة، والنجاح العسكري يعتمد بنسبة كبيرة على المعرفة العميقة لجغرافية المكان، ربما الطيران الروسي يؤمن نوعاً من النجاح للقوات البرية، خاصة وأن مضادات الثوار لم تعد تطاله حيث يحلق على مسافة أبعد من 8 كيلومترات في السماء.
بسيريني الذي خدم في سلاح الجو السوري يقول: "سيهدأ القصف بعد إنهاك الأهالي بالضربات الموجعة ويبدأ بعدها الدخول البري، لكنهم قبل ذلك سيدمرون كل شيء".
فحسب ما يرى بسيريني ما هذا الذي يجري في حلب سوى جس نبض على الصعيد العسكري والمحلي الشعبي.
فمعركة حلب ستستمر، بينما مفاوضات جنيف قائمة ويتم توجيه الدعوات لها والترويج لها.
حيث أعلن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان ديمستورا بأن اجتماعات جنيف المقبلة ستناقش أموراً من أهمها كيفية ممارسة الحكم للسلطة خلال المرحلة الانتقالية، وصلاحيات الرئاسة، والصلاحيات التنفيذية، والرقابة على المؤسسات الحكومية والأمنية والاستراتيجية، والهيئات المشتركة وآليات التنسيق لمكافحة الإرهاب وكيفية إنشاء بيئة محايدة تكفل السلامة للجميع.
وما الغاية من تزامن جنيف مع ما يجري في حلب إلا رغبة السلطة والقائمين على أمر المعركة في كسب المزيد من الوقت تمهيداً لمعركة حلب.
استثنيت حلب من التهدئة الأخيرة التي شملت ريفي دمشق واللاذقية، وما ذلك إلا بضوء أخضر دولي، حيث إن التهدئة أتت ضمن خطة روسية، "وروسيا هي مطرقة بيد الأمريكان" بحسب ما قال العميد بسيريني.
الذهاب إلى جنيف خلال أيار الحالي سيكون بطابع مختلف تماماً؛ فالمعارضة - التي تكتشف يوماً بعد يوم ومفاوضات إثر مفاوضات قيمتها الحقيقة في اللعبة الدولية - ستجد نفسها بعد معركة حلب خائرة القوى خوراً لا يقل عن خور آباء المدينة الذين بكوا أبناءهم ونحبوا عليهم.
عندما تحرق حلب فإن الثورة السورية توأد بيد من يحرق حلب، وتأتي أهمية حلب بوصفها خزاناً بشرياً سورياً، فالمدينة وحدها تحوي ربع سكان سورية، وتقترب من حدود سورية المفيدة المعقل المستقبلي لنظام الأسد.
أين الفصائل المقاتلة؟
على تخوم حلب يوجد جيش الفتح، محرر إدلب، وهو منشغل الآن بترتيب بيته الداخلي، وفي حلب يقاتل فيلق الشام وحركة نور الدين الزنكي، وأحرار الشام والفوج الأول وجيش الإسلام، إضافة لتشكيلات عسكرية صغيرة.
انقطع الدعم العسكري عن هذه الفصائل منذ شهور، ودخلت المعركة أسلحة متطورة ونوعية، ناهيك عن الطيران الذي يعتبر أداة الحرق الأساسية لسكان حلب، حيث بات يطير على ارتفاعات شاهقة فلا تستطيع مضادات الثوار الوصول إليه.
وفي حال حصول تدخل بري فإن الحرب ستكون "حرب عصابات وحرب شوارع" كما قال العميد صلاح بسيريني.
الثوار اليوم هم أضعف من أي وقت مضى، فمع استمرار سياسية الأرض المحروقة فإنه من "الطبيعي أن تكون المقاومة شبه معدومة والوضع يشبه إلى حدٍّ كبير مدينة غروزني" بحسب ما قاله بسيريني.
رفض إقامة منطقة حظر جوي لم تكن قراراً اعتباطياً، حيث ساهمت أمريكا بمنع تسليح الثوار عندما استخدمت حق النقض الفيتو، ربما هذا ما دفع تركيا مؤخراً وبعد زيارة ميركل لها، إلى إقامة منطقة آمنة على طول الحدود الواصلة من جرابلس وحتى اعزاز بعمق 18 كيلو متراً.
وتبقى السعودية متزعمة البلاد العربية – التي وصلت قواتها إلى قاعدة أنجرليك التركية - مكتفية بالتنديد بعد أن مُنعت من التدخل البري من قبل أمريكا.
ويرى مراقبون دوليون أن أمر دخول حلب والسيطرة عليها أمرٌ قائم فيما لو أرادت روسيا وسورية ذلك، فالوضع السوري أقل من أن يذكر أمام الاتفاق النووي الإيراني الأميركي.