بلدي نيوز - (ليلى حامد)
"خائن".. صرخت في وجهه.. حملت طفلتها ذات السنوات اﻷربعة واتجهت إلى بيت أهلها باكيةً، سيراً على اﻷقدام من بوابة مشفى المجتهد إلى حي التجارة في العاصمة دمشق.. تردد، والله عيب.
عشرون عاماً أمضتهما برفقته، زوجةً وحبيبة، كما اعتاد أن يناديها، في دارهم الدمشقي القديم، قبل أن تشتري منزﻻً في عين ترما بالغوطة الشرقية بدلاً عن دفع اﻹيجار.
تحكي عِطاف لبلدي نيوز، لم أصعد الدرج المرتفع على قدمي يوماً، إلاّ إن كان "فادي" في عمله.. اعتدتُ أن يحملني بين ذراعيه كالعروس ويغمرني بكلماته.
عِطاف موظفة في وزارة الصحة، وزوجها يعمل مستخدماً في وزارة اﻻقتصاد، بأجرٍ شهريٍّ محدود، حاله كحال عموم السوريين، شاء القدر أن ترث مبلغاً مكّنها من شراء منزلٍ تصفه بالعش الجميل في منطقة عين ترما، بالغوطة الشرقية، معتقدةً أنّها بتلك الطريقة ستوفر على عائلتها إيجار البيت العربي القديم.
لم يكد يمضي سنةٌ على انتقالهم، حتى حملت بصغيرتها "غنوة"، وبدأ الحراك الشعبي ضد النظام، كانت وزوجها على الطرف المحايد، رغم أنهما ﻻ يرحبان ببقاء بشار اﻷسد، لكنهما ﻻ يريان جدوى الخروج عليه، خوفاً من تجربة الثمانينات، حسبما تقول لبلدي نيوز.
مع تطور المشهد الميداني أجبرا على الخروج من "عين ترما"، رافضةً السكن في بيت أهله، متذرعةً بضيق المكان، في حين أخفت عن زوجها أن "حماتها" وهي خالتها أخت والدتها، هاتفتها قبل أيام وطلبت منها عدم المجيء أو الالتجاء إليهم حتى وإن كان ذلك ليومين، بحسب عِطاف، التي بررت حجتها (بعدم إخبار زوجها) بالقول، "ﻻ أريد أن أخلق شرخاً بين زوجي وأمه، وتمكنت من إقناعه بالنزول في بيت أهلي، على الرغم من مزاج والدتي الذي ﻻ يحتمل، والتي تختلف عن أبي رحمه الله".
تردف عِطاف، شهرٌ كامل أمضيته في بيت أهلي، أما "فادي" فقد تنقل بيننا وبين منزل أهله، وغرفة عمله التي نام بداخلها بموافقة مديره، ثم تكرر غيابه، وطال زمن عودته، وقلّت نفقته على ابنتيه.. شاورته بضرورة أن نستأجر بيتاً وأبدا رفضه بحجة ضيق يده والظروف المعيشية الصعبة.
وافقته على غير رغبةٍ مني.. مضت ثلاثة أعوامٍ على تلك الحال، ويزداد الجفاء بيننا.. في صباح الخامس من أيار/مايو 2015 يرن الهاتف، أنتِ فلانة، زوجك شهيد، يمكن استلام جثمانه من مشفى دمشق "المجتهد"!
تمسح دمعاتٍ نزلت على وجنتيها، وتهمس، استشهد!، استشهد!، تكرر العبارة بضع مراتٍ، وما تلبث أن تستطرد بقوةٍ قائلةً، علمت أنه تطوع في الدفاع الوطني مقابل الحصول على مبلغٍ مالي يقدّر بثلاثين ألف ليرةٍ سورية، والصدمةُ أنه أنفقها على زوجته الثانية، التي فاجأني حضورها إلى المشفى.. صرخت بها، من أنتِ؟.. أنا زوجةُ "فادي" وهذه ابنته، تردف عِطاف، تبلغ الطفلة من العمر عاماً واحداً.
مخدوعةً كنتُ وساذجة.. أيجوز أن تكون تلك الرومانسية مجرد تصرفاتٍ وكلماتٍ بلا وزنٍ أو قيمة؟.. ألقيتُ نظرةً على وجهه المضرج بالدماء.. الرصاصة دخلت واستقرت في رأسه.. ابتعدتُ صارخةً، "خائن.. خائن .. حملت طفلتي ذات السنوات اﻷربعة واتجهت إلى بيت أهلي باكيةً، سيراً على اﻷقدام من بوابة مشفى دمشق "المجتهد" إلى حي التجارة في العاصمة دمشق.. أردد طوال الطريق، والله عيب.
تؤكد عِطاف لبلدي نيوز، أنها لم تكن ضد الحراك الثوري، وإنما تخشى نتائج الثمانينات (تلمح إلى مجزرة حماة التي ارتكبها حافظ اﻷسد)، ولكن تفاجأت بزوجها -المحايد كما تصفه- بالتورط في الدم مع النظام القاتل، مضيفةً، خيانة الوطن ﻻ تقل عن خيانة العائلة، كلاهما وطن.
"قدمتُ له كل شيءٍ.. لكنه خائن، في تلك اللحظة بررت زواجه، لكني لم أبرر موقفه.. ولوﻻ أنّ عناصر المخابرات فهموا مصطلح الخيانة الذي أطلقته على أنه من سبيل رفضي زواجه من الثانية دون معرفتي لكنتُ اليوم في خبر كان"، بحسب وصفها.
عِطاف اختارت أن تكفّر عن خطيئة زوجها وتقف في صف المعارضة، حسب قولها، ووصلت إلى "إدلب" قبل عامين بعد أن دفعت ما يقارب 1000 دوﻻر، وهي تعمل في إحدى المشافي ممرضة.