بلدي نيوز
يحيي السوريون اليوم الاثنين 21 آب/ أغسطس، الذكرى السنوية العاشرة على الليلة التي لم ترَ مئات العوائل في الغوطة الشرقية بدمشق النور من بعدها، وباتت محفورة في ذاكرة السوريين، والتي تبعها سلسلة صور وفيديوهات، جسّدت صرخات الألم والموت الصامت على يد نظام الأسد.
يعتبر تاريخ 21 آب 2013، هو تاريخ أبشع جريمة بحق الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، التي تمثلت بارتكاب النظام السوري مجزرة بحق سكان الغوطة الشرقية بدمشق، جرّاء استهدافهم بغاز "السارين" السام، والتي أسفرت عن مئات الضحايا المدنيين.
في تلك الليلة لم يكن الإنقاذ مسؤولية فئة محددة من الناس، إذ حمل جميع الأصحاء على عاتقهم مسؤولية إنقاذ المصابين متجاهلين حجم الخطر في ذلك.
واقتصرت وسائل الحماية وقتئذٍ على أقمشة مبللة يغطى بها الأنف والفم، فيما كانت رائحة السارين الخانقة، لا تفرق بين منقذ وآخر، وعيون القتلى وصرخات المستنجدين، هزمت محاولات صمود الكثيرين.
بلغ عدد ضحايا المجزرة حوالي 1400 شخص، بحسب ما وثّقه الناشطون هناك، بينما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالأسماء مقتل 1144 شخص.
فعاليات لإحياء المجزرة
أحيت مؤسسة الدفاع المدني السوري، مجزرة كيماوي الأسد عبر تنظيم فعالية "إشعال شموع" ونشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتكريم ضحايا الهجمات الكيميائية في غوطة دمشق.
وقال بيان الدفاع إن "عقدا من الزمن مرّ على مجزرة الكيماوي، التي كان ضحيتها آلاف الأبرياء، في مجزرة تعتبر من أبشع المجازر اللي حصلت على مر التاريخ، إذ أسفرت عن موت أكتر من 1100 إنسان خنقاً بغاز السارين".
وشدد بيان الدفاع على "ضرورة السعي لعدم إفلات نظام الأسد من العقاب، وكل أركانه الضالعين في هذه الجريمة وآلاف الجرائم الأخرى".
شاهد على الجريمة
يقول الناشط الإعلامي "أبو محمود الحرك" الذي شارك بتوثيق المجزرة حينها، إن "النسيان بهكذا مواقف صعب.. لازلت أتذكر التفاصيل وكأنها تجري الآن، يستحيل أن تنسى".
ويضيف بلهجته المحلية: "مثل هي اللحظات بعام 2013 دق واحد من رفقاتنا علينا باب المكتب بطريقة مزعجة، فتحت الباب وبدي قله شبك شو خربت الدنيا، قلي ضربوا كيماوي بسرعة حطوا قماش على وجوهكم، وطلعوا صوروا العالم ميتة بالطرقات شي متل الكذب، طلعت وشغلت الكاميرة من باب المكتب لأول نقطة بشوف فيها شهداء، لما شفت الشهداء كوام فوق بعض ماعد طلع معي الحكي، وأنا عم سجل الفيديو".
يستذكر "الحرك"، تلك اللحظات فيقول "أفتل يمين ويسار لفوق وتحت وكيف ما وجهت العدسة عالم ميتة خنق، بالفعل طلع شي متل الكذب، هون لقيت التصوير ما بفيد بشي، ولازم نروح نخلي مصابين وشهداء من منطقة الاستهداف (زملكا - عين ترما)، ورحنا بأول الطريق لقينا سيارات الإسعاف قالبة، وشي فايت بالحيط والمسعفين صاروا شهداء، قلتله لرفيقي يلي سايق المتور لف ورجاع لازم نلحق ننشر شي قبل ما نموت، لأنو ما بدهم يبقى حدا عايش".
وأردف "رجعنا وفتحت نت.. اتصلت بقناة الجزيرة بتذكر على السكايب اسمه طارق.. كان نايم اتصلت بعدة حسابات من عدة قنوات عربية وغيرها من القنوات، كلو نايم وماحدا عم يرد طلع معي حساب لمسؤول وكالة رويترز بالشرق الأوسط فاتح سكايب.. بعتله كل شي مصورو بدون ما قله شي غير أنو النظام ضربنا كيماوي بالغوطة، وهدلون لازم يوصلوا للإعلام ورجعت سكرت نت، وتوجهت للنقطة الأولى يلي عم يجيبوا عليها الشهداء والمصابين، انصدمت بالأعداد أضعاف عن يلي شفتها بأول ساعة من المجزرة".
وأضاف: "رجعت صورت وتوجهت لعند رفيقي يلي متعودين دائما نلحش المقاطع عنده، ونكفي تصوير لما يكون في حدث ميداني، وكروت الذاكرة تبعنا تفلل، قلتله فضيه ونشور، عطاني كرت وقلي تروك يلي معك وكفي تصوير بالفعل تركت الكرت ومشيت وهون بلشت الصواريخ متل المطر تنزل على كل الغوطة، قصف شي لا يصدق بمعدل صاروخين بالثانية".
تعامل لا يرقى إلى مستوى الجريمة
وفي موازاة ذلك، كانت لجنة التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة موجودة في دمشق، وزارت مواقع الهجمات، بعد أيام من المجزرة، وعاينت المواقع وبقايا الصواريخ وأخذت عيناتٍ من التربة، وأجرت مقابلات مع عشرات السكان المحليين الناجين من المجزرة، لتؤكد وفق تقرير لها صُدر بعد أسبوعين من المجزرة، أن الهجوم سببه غاز السارين.
وقالت إن "الجهة التي نفذت الهجوم خبيرة باستخدام الأسلحة المزودة بغازات سامة، وإن الذين نفذوا الجريمة اختاروا المناخ والتوقيت الملائمَين، لتنفيذ الهجوم بحيث يوقع أكبر عددٍ من الضحايا".
وبعد أيامٍ من صدور تقرير اللجنة وبالتزامن مع تهديدات الولايات المتحدة، أنها ستوجه ضربات عسكرية للنظام، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً، تم التصويت فيه بالإجماع، على القرار رقم 2118، الذي طالب بنزع مخزون سلاح النظام الكيميائي وإتلافه، دون أن يستطيع إدانة النظام بالجريمة، وعرقلت روسيا القرار الدولي بالإدانة.
وسبق أن أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بعد أكثر من أسبوعين من الهجوم، حصولها على أدلة توضح وقوف قوات النظام السوري وراء مجزرة الغوطة.
أما تقرير "لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة" الذي صدر في 16 سبتمبر/أيلول 2013 فلم يحمل مسؤولية الهجوم لأي جهة أو طرف، واكتفى بوصف الهجوم بأنه جريمة خطيرة، ويجب تقديم المسؤولين عنها للعدالة في أقرب وقت ممكن، مشيرا إلى أنه تم بواسطة صواريخ أرض أرض، أطلقت بين الثانية والخامسة صباحا، ما جعل حصيلة الضحايا كبيرة.
واكتفى البيت الأبيض حينها بالتعبير عن القلق، ودعا وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جون كيري النظام السوري إلى تسليم كامل مخزونه من الأسلحة الكيميائية، مقابل عدم تنفيذ ضربة عسكرية عليه.
وقدمت الاستخبارات الألمانية تقريراً جاء فيه أن اتصالاً جرى بين مسؤول كبير من "حزب الله" والسفارة الإيرانية في بيروت، أشار خلاله مسؤول الحزب إلى مسؤولية بشار الأسد عن الهجوم وإلى أنه بدأ يفقد أعصابه.
ونشرت صحيفة "الغارديان" بتاريخ 3 أيلول 2013 تقريرا استخباريا فرنسيا أشار إلى أن قوات النظام هي المسؤولة عن الهجوم، وأرفق التقرير الفرنسي صورا تظهر انطلاق صواريخ من مواقع قوات النظام، و47 تصوير فيديو وضعها الناشطون وتحقق أطباء فرنسيون من صحتها.
ولم يتوقف النظام بعد مجزرة الغوطة عن استخدام الأسلحة الكيماوية، إذ استهدف العديد من المناطق 184 مرة، وبلغ عدد المرات التي استخدم فيها ذلك السلاح الفتاك 217 مرة منذ العام 2012 وحتى الآن.