بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
بدأت فيما يبدو قواعد اللعبة فوق الخشبة السورية، في فصلها اﻷخير بالتغيير؛ فالتصعيد بلغ ذورته، مع انسداد الحل السياسي وبروز تناقضات في المصالح بين اللاعبين الأساسيين موسكو-أنقرة.
ومع انسداد أفق الحل، تصبح لغة القوة "العسكرة" إحدى خيارات تطويع اﻹرادات المتصادمة، وهو بالضبط الصورة التي يراد لها أن تكون في هذه المرحلة، من خلال ربط الفصائل المعارضة بالجانب التركي، وكأنها تعمل تحت عباءته، كما تعمل إيران والنظام خلف الغطاء الروسي.
وانطلاقاً من تلك القراءة، بدأ الحديث عن الصدام التركي-الروسي المتبادل على اﻷرض، والذي يحمل عنوان "حميميم ونقاط المراقبة".
تجدر اﻹشارة هنا أنّ المعارك تدار بإرادة ثورية بحتة وبضغطٍ واسع من الشارع، من الطبيعي أن تتقاطع فيه مع مصلحة دول إقليمية كتركيا لكنها لا تعني بالمطلق أنها الحامل والحاضن للعمل.
حميميم مقابل النقاط
كما أنّ معظم المؤشرات تنفي العلاقة أو حتى إمكانية الربط بين ضرب قاعدة حميميم ونقاط المراقبة، وموسكو ﻻ يمكنها أن تغامر في استدراج أنقرة "العضو في حلف الناتو" لمقارعة، من معانيها جرّ المنطقة إلى صراعٍ أوسع.
إضافةً لذلك، فالمعني بقصف "حميميم" هم "هيئة تحرير الشام"، المصنفة إرهابياً لدى الحكومة التركية، ويستحيل أن تعمل تحت عباءة اﻷتراك.
وهذا ﻻ يمنع أنّّ "الدب الروسي" بات على الطرف المناقض والمقابل للدور التركي.
أيادٍ خفية
ميدانياً، وسياسياً؛ القرار العسكري ليس من صلاحيات النظام، مايعني أنّ الضربات التي تستهدف نقاط المراقبة، وإن بدت تثلج صدر هذا اﻷخير؛ إﻻّ أنّ اﻹيعاز بها لن يخرج عن أحد جانبين، موسكو أو طهران.
فاﻷخيرة؛ لديها مصلحة وتحاول أن تستغل القلق والتوتر التركي-الروسي، كذلك من المستبعد أن تكون روسيا على غير دراية، بل تبدو مرتاحة، وإﻻ وجدناها اتخذت خطوات لتقليم أظافر قوات النظام أو تلجيم الرغبات اﻹيرانية، لكنها تسعى لجر أنقرة إلى المستنقع العسكري.
وبمطلق اﻷحوال؛ البصمة الروسية واضحة.
بالمقابل؛ لاشك أنّ أنقرة مرتاحة هي اﻷخرى على خلفية الضربات التي تتلقاها قوات النظام ومعها روسيا؛ فهذا يعطيها قوة للمناورة السياسية وتحقيق مكاسب على طاولة التفاوض.
إﻻّ أنّ المراقب لحركة المعارك، يستبعد عمل المعارضة التام تحت الغطاء التركي، فهو بالنسبة لبعض الفصائل كالهيئة مرفوض شرعاً، وبالنسبة للأخرى مستبعد "وطنياً".
والدعم التركي واضح أنه ينحصر في جانب العمليات العسكرية على النظام بعيداً عن "حميميم".
حق الرد
ومن المنطقي أنّ أنقرة محرجة أمام مؤيديها في الشارع السوري والتركي، بسبب استهداف مواقعها.
وسبق لها أنّ توعدت وهددت بالرد على لسان وزارة دفاعها في 16 من الشهر الجاري.
وبحسب تصريحات المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" التركي، عمر جليك؛ فإن بلاده سترد بحزم على اعتداءات النظام على نقاط المراقبة التركية في منطقة خفض التصعيد شمال غرب سوريا.
وقال "جليك"، "نقلنا للجانب الروسي أننا سنرد بحزم على الاعتداءات التي تطال نقطتي المراقبة التركية التاسعة والعاشرة، والتدابير التي اتخذناها في هذا الإطار".
وتفسير الرد من المنطقي أن يكون عبر تحركات سياسية في مقدمتها انحياز تركية شبه التام للمعسكر اﻷمريكي، وهو ما ﻻ تريده موسكو مطلقاً. إذ إنّ الرد لا يشترط له استخدام القوة في حالة الصراع الدولي.
أمر اعتيادي
عملياً؛ بات استهداف نقاط المراقبة التركية أمر اعتيادي، وهي سابقة جديدة ولم تكن موجودة، والمتابع للسياسة التركية في الفترة اﻷخيرة يجدها متوازنة، ومنسجمة مع مصالحها، وتلعب بحرفية.
بالتالي؛ لا يكمن تجيير "احتفاظها بحق الرد" على أنه حالة مماثلة لسياسات اﻷسد، ودليلاً على ضعفها، بل نستطيع الإشارة أنّ أنقرة تحاول عدم اﻻنجرار، وليس لديها رغبة في مزيد من التورط كون المراد منها ممارسة سياسية الانزلاق بغية الوصول لحد الصدام المباشر، والتعاطي معها يتطلب حنكة سياسية لا ردود أفعال عشوائية.
خاتمة
بالمجمل؛ باتت الرسائل المتبادلة واضحة، فمن جانب اﻷتراك يبدو أنهم يحاولون "ضبط اﻷعصاب"، لعدم الانخراط في الوحل أكثر، فيما بات واضحاً أنّ الضفة المقابلة، تسحب الحبل وتحاول جرّ أنقرة عسكرياً، لتوريطها.
والواضح أنّ المعارضة مستفيدة من الدعم التركي المحدود، إﻻ أنّ العلاقة بين حميميم ونقاط المراقبة تكاد تكون معدومة، ويبدو أنّ المصالح الروسية ستبقى تحت نيران المعارضة، ما بقي القرار سيادياً، وبعيد عن التجاذبات الدولية.
يشار أن قوات النظام، قصفت بالمدفعية الثقيلة نقطة المراقبة التركية، في قرية شير مغار بريف حماة الغربي، اليوم الخميس، 27 حزيران/يونيو الجاري، بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية للقوات التركية إلى النقطة.
وبذلك تكون المعسكرات التي تتبع قوات النظام كررت استهدافها مؤخراً لنقطتي المراقبة التركية في شير مغار ومورك.
والملفت أن استهداف نقاط المراقبة التركية، أتى بفارق يوم واحد من إعلان مواقع موالية لنظام الأسد، تعرض قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية لهجومٍ جديد.
وتتخذ روسيا قاعدة حميميم مركزاً لها ومنطلقاً لطائراتها الحربية التي تقوم بقصف المناطق المحررة وقتل المدنيين.