بلدي نيوز – (خاص)
بعد تمكن نظام الأسد مستعيناً بالطيران الروسي ومساعي دول عربية وإقليمية من حصار مناطق المعارضة جنوب ووسط سوريا والتوصل إلى اتفاقات تسوية وتهجير للغير راغبين بالاتفاقات، وانحسار معارضي نظام الأسد في الشمال السوري، وزوال الخطر عن العاصمة وبعض المدن الحساسة، الأمر الذي اعتبرته الدول الفاعلة في الملف السوري بأنه خطوة كبيرة باتجاه الحل السياسي.
ومع الاعتبار الأخير بأنه تم الانتهاء من المناطق التي تطلق عليها الأمم المتحدة "مناطق محاصرة تحتاج لجهود إنسانية"، وبالرغم من فظاعة وفجاجة التنفيذ، إلا أن الأخيرة قالت إنه وبالتعاون مع الدول المعنية بملف الصراع السوري يتوجب السير بالخطوات اللاحقة، كتشكيل اللجنة الدستورية وإقرار دستور جديد ناظم للبلاد وتأهيل مناطق المعارضة ومناطق النظام لتقبل التطورات والخطوات اللاحقة.
ففي الجانب المعارض، تسعى بعض الدول العربية والإقليمية الضامنة للمعارضة لإيجاد جسم عسكري موحد وضامن لتنفيذ اتفاقيات سوتشي وأستانا، كخطوة للأمام مقابل خطوات مناظرة يقوم بها الجانب الضامن لنظام الأسد، وما التغيرات الأخيرة في شمال سوريا إلا خطوات اتفق على تنفيذها بهذا الصدد.
وفي الجانب الآخر، شرعت روسيا مؤخراً بتغييرات كبيرة على مستوى جيش النظام، حيث عززت مكانة الضباط الموالين لروسيا وتسليمهم وحدات في جيش النظام وإقصاء الموالين لإيران وإبعادهم عن دائرة القرار في جيش الأسد، حيث بات الانقسام في جيش الأسد واضحاً وجلياً بين موالين لإيران وعاملين تحت قرار حميميم.
ترافقت التغييرات في مناصب الضباط مع تغيرات في تمركزات وحداتهم، واستقدمت روسيا معظم القوات الموالية لها في مناطق التماس مع فصائل المعارضة بحماة واللاذقية وإدلب وحلب، مقابل إبعاد القوات الموالية لإيران عنها، وتقوم اليوم بتعزيز تواجدها مع مناطق التماس مع المعارضة بغية إقفال المنطقة وتأمينها خشيةً من أي هجوم قد يُستغل من قبل المعارضة أثناء شروعها بالقيام في تغييرات سياسية في العاصمة دمشق.
وتحاول روسيا تحجيم الدور الإيراني في المسار السياسي، بعد أن أيقنت روسيا أن موافقة إيران على اتفاقيات سوتشي وأستانا يعاكس مع ما تقوم به قواتها والميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها على الأرض، والتي تقوم بخرق وتخريب الاتفاقيات، فأوكلت إلى إسرائيل مهمة القضاء على التواجد الإيراني والقطع الثابتة ومعامل التصنيع والتذخير والمعسكرات في سوريا، مقابل قيام روسيا بسحب العنصر البشري الموالي لإيران والمؤتمر بأمرها لجانبها بإغرائه بالمرتبات العالية حيناً والمناصب الرفيعة حيناً آخر.
ويهمن الفكر المافياوي الاستخباراتي على السياسة الشيوعية في روسيا والدول التي تسير على خطها الشيوعي كسوريا وكوبا وفنزويلا حالياً، وليبيا والعراق وأوكرانيا سابقاً، والذي لطالما تستخدمه في التعامل مع الدول التي تملك فيها القرار بالعمالة مع حكامها، وفي حال شعرت المافيات بتقلبات الحاكم العميل لها تقوم بتدبير حوادث ذات ظاهرة عفوية تتخلص فيها من عميلها السري كي لا يفضح مخططاتها أو يبتزها، وباعتبار أن مسارات سوتشي وآستانة تتضمن الالتزام بالقرار الأممي ٢٢٥٤ والذي يفضي ضمنياً إلى عزل الأسد من السلطة، فإنه من المفترض على روسيا اليوم التفكير في آلية التخلص من الأسد خلال فترة زمنية محدودة، تضمن فيها مكتسباتها في سوريا، وتضمن وعدم استغلال المعارضة لهذا الفراغ والقيام بعمليات هجومية.
ومن المؤكد بأن الأسد بات يعي يقيناً بأن روسيا استعملته حتى كامل استحكامها، وأنها اليوم تفكر عملياً في التخلي عنه كشخص والحفاظ على نظامه ككل، فقد بدأ بسياسة جديدة لاحتواء المخطط الروسي والخلاص من النزعات الأخيرة التي بات يعيشها الأسد، وتتلخص الخطة في التضييق الاقتصادي على مواليه والقاطنين تحت سيطرته، والإشارة إلى مكناته الإعلامية من (فنانين، وشخصيات مشهورة) لتخفيف حالة الاحتقان وتوجيه الاتهام للحكومة والمافيات التجارية الموالية لروسيا والتي يطلقون عليها تسمية دواعش الداخل كحسام القاطرجي وسامر فوز وغيرهم، والتذكير دائماً بأن الحل بيد الأسد فقط عبر مناشدات لشخصه مدروسة وغير عفوية، ليقوم بعدها باستصدار مراسيم وقرارات تخفض الضغط الاقتصادي وتخفف من وطأة الاحتقان، ويشعر الشارع بأنه المرجعية الوحيدة والحصرية في حلحلة المعضلات والتي من الممكن أن تترافق مع مسيرات مؤيدة في مراكز المحافظات، تتزامن مع سياسة خارجية باستغلال الأسد للخلاف الخليجي القطري وسعيه لإقامة تحالف عربي يعكس فيه الجدول الزمني الروسي في التخطيط للتخلي عن الاسد والإبقاء على نظام البعث والبدء بجني الثمار الاقتصادية لحربها في سوريا.
واعتمدت روسيا عاملين أساسيين في تمرير وجودها في سوريا وإطالة عمرها وتقوية أوراقها فيها، العامل الأول هو حل جميع القضايا العالقة في سوريا بالعنف المفرط كالمصالحات التي فرضت في الغوطة ودرعا والقنيطرة وريف حمص وغيرها، والعامل الآخر هو التقادم الزمني والذي يسهل على متابع الأحداث السورية ملاحظته من خلال إجراء مقارنة بسيطة بين مطالب الثوار والمحتجين في عام ٢٠١١ ومطالب المعارضة السياسية في العام ٢٠١٩ والتي قد يتدنى سقفها للانحدار أكثر إذا ما استمر الصراع.