بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
مقدمة:
دارت الكثير من السجالات على مواقع التواصل الاجتماعي فيما إذا كانت الاحتجاجات الفرنسية تحاكي "الربيع العربي" الذي انطلق من تونس إلى البلدان العربية ذات الأنظمة الشمولية المستبدة, كما ربط متابعون بين ما تمر به فرنسا وبما يجري في سوريا مع اختلافات كبيرة بين نظام فرنسي منتخب شعبيا يواجه موجة من الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعمل لصالح الرأسماليين, حيث أطلقت عليه شريحة من الفرنسيين اسم "رئيس الأغنياء", وبين نظام طائفي موروث سام السوريين سوء العذاب قتلا وجوعا ومرضا وتشردا, واستعان على قتلهم بإيران وروسيا حتى بات يحمل ألقابا عدة مثل (أبو البراميل) و"رئيس الشبيحة".
لا توجد أوجه للتشابه ما بين نظام فرنسي حر يدعم الانتفاضات الشعبية كسلسلة متلاحقة من استمرار الحراك الشعبي حفاظا على مكتسبات الثورة الفرنسية وتجديدها ضمن نظام ديمقراطي منتخب, وبين نظام قاتل استخدم كافة الوسائل للوصول إلى السلطة, ومارس كل المحرمات لوأد الثورة السورية، حيث كان الحسم العسكري أسبق إلى أيّ مسعى سياسي في محاولته لفرض سيطرته بالقوة المسلحة على البلاد كلها.
وما يثير السخرية ما كتبه أحد "شبيحة" نظام الأسد, فارس الشهابي رئيس مجلس "إدارة غرف الصناعة" التابعة للنظام في منشور عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك": "كما فعلت فرنسا بنا عام 2011، وعندما كان عدد النبيحة في شوارع حلب لا يتجاوز الخمسة آلاف إخونجي معظمهم من ريف ادلب.. يجب على حكومتنا وضع رئيس غرفة تجارة و صناعة باريس على لائحة العقوبات السورية.. ما حدا احسن من حدا ونحن بصمودنا ونصرنا, دولة عظمى". ومثله علقت وسائل إعلام موالية للأسد على الاحتجاجات الدائرة في فرنسا.
ويبدو أن أصحاب "السترات الصفراء" يثيرون حالة من الهلع في دوائر نظام الأسد يجسدها مجموعة تشبيحية يتصدرها "اللوبي الإعلامي الإيراني" بأبواقه اللبنانية والسورية في تشويه الاحتجاجات الفرنسية المناوئة للرئيس ماكرون، حيث دمغتها بالمؤامرة التي صنعتها الصهيونية العالمية والولايات المتحدة وبريطانيا على غرار دمغها الاحتجاجات السورية، بأنها قاعدية أو داعشية أو تكفيرية، فوقع الكثير في هذه المصيدة الإعلامية، وتقوَّت الميليشيات الشيعية المسلحة لتتصدر مواجهة ما يسمى "الإرهاب السني" بالنيابة عن الأمريكيين والغرب وفق أجندات ومنافع مشتركة.
بين تجربتين... أوجه التشابه والاختلاف
مارس نظام الأسد عنف الدولة المفرط منذ الوهلة الأولى لانفجار الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها سوريا عام2011م، عبر الاعتقال والمطاردة والاعتداء والإخفاء القسري الذي نال الآلاف من المدنيين، ومثلهم من العسكريين الرافضين للقمع، وكذلك من كل من يتبنى موقفاً مخالفاً له من العلماء، وخطباء المساجد، والكتاب، والأكاديميين، والصحافيين والإعلاميين، وامتلأت المعتقلات بالمحتجين الذين تعرضوا للتعذيب داخلها، ولقي آلاف المعارضين حتفهم بالاغتيال والقتل، وأجبر آخرون أمام هذا التنكيل والقمع وحرب الإبادة على مغادرة البلاد.
وبالمقارنة بين الحراكين السوري والفرنسي؛ فإن أحد أوجه التشابه بينهما ما قاله الصحفي السوري عقيل حسين من باريس لبلدي نيوز: "شمولية الاحتجاجات الفرنسية لجميع فئات وطبقات المجتمع تقريباً ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية وعدم سيطرة حزب أو تيار سياسي محدد على الحراك ما يجعل السيطرة عليه أو احتوائه إن كان من قبل الحكومة أو القوى السياسية المعارضة صعباً بما فيها تلك القوى التي أعلنت تأييدها الكامل بل وانخراطها في الاحتجاجات".
وأضاف حسين "هناك اختلاف بين الاحتجاجات السورية في مرحلتها السلمية من خلال انضباطها وتعبيرها الحضاري, وبين الاحتجاجات الفرنسية من حيث طريقة التفكير, فأعمال الشغب في باريس ليس المقصود منها إثارة الفوضى من خلال تكسير محلات أو حرق سيارات, إنما إلحاق الضرر بشركات التأمين التي يعتبرونها إحدى أشكال الفساد المنظم, لذلك فإن هذه الأعمال تحقق لهم بعضا من مطالبهم".
فيما قارن الناشط السياسي معاوية حمود المقيم في باريس لبلدي نيوز بين الانتفاضتين في قوله: "بدأت الاحتجاجات الفرنسية على إثر رفع الضرائب على مشتقات الوقود, وهناك اتهامات كبيرة لإيمانويل ماكرون الذي كان يعمل في بنك روتشيلد وهو من أكبر البنوك الفرنسية, على أن سياسته تخدم في جانب كبير منها الطبقة البورجوازية, وتستهدف الطبقة المتوسطة وهي طبقة دافعي الضرائب, مما يخلق تفاوت طبقي بين فئة غنية جدا وأخرى فقيرة جدا, لذلك انجفرت هذه الاحتجاجات في أكثر من مدينة ولم تقتصر على أصحاب "السترات الصفراء" وإن كانت تتصدر المشهد, فقد شهدت باريس تزامنا مع احتجاجاتهم مظاهرة حاشدة تطالب بحقوق المرأة, كما شهدت ساحة الجمهورية قبل أيام وسط باريس تظاهرة من أجل البيئة وضد سياسات ترامب إزاء اتفاقية باريس لكنها تحولت إلى ائتلاف واسع من القطاعات المتباينة في المجتمع الفرنسي لتتقاسم غضباً مشتركاً سببه تكاليف المعيشة المرتفعة ضد سياسات ماكرون".
ويضيف حمود "من أوجه التشابه بين الحراكين في سوريا وفرنسا أنه لا يوجد من يمثلها, حيث لم تجد وسائل الإعلام الفرنسية, استجابة من الشباب المنتفض للتحدث باسمها, كما أن اليمين المتطرف واليسار المتطرف يحاول الركوب عليها, ولكن بالمقابل في فرنسا مؤسسات ومجالس منتخبة شعبيا, بخلاف مافيا الأسد التي ثرنا ضدها, والتي تتحكم بنا, وتعاملنا كـ"عبيد".
يمكن استعراض موقع ودور فرنسا في استراتيجيات إرثها من الثورات، من خلال بيان دور الفرنسيين في ثورتهم الأولى عام 1789م, وتحويل بلدهم إلى منارة من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية أضاءت بأنوارها عصور الظلام التي سادت أوربا على مدار قرون, وللاقتراب من المؤتلف والمختلف بين الحراكين والنظامين, ولتفهم طبيعة ما يجري هنا وهناك سنناقش ذلك من خلال مجموعة من المحاور الرئيسة والفرعية، التي تكتمل بها رؤية ما يجري وما يُتوقَّع.
فرنسا الثورة
شهدت فرنسا انتفاضة مايو/ أيار 1968 التي فجّرها الشباب الفرنسي نتيجة لتراكمات فرضتها ظروف محلية ودولية على المستويين السياسي والاقتصادي بسبب تقييد الحريات من قِبَل نظام الجنرال ديغول والتضييق على المفكرين وأهل الأدب والسياسة بحجة الأمن وحماية الجمهورية ومبادئها، وكذلك وضع المستعمرات الفرنسية في الخارج، خاصة الأوضاع في الجزائر وما شهدته من مجازر قبل منحها استقلالها عام 1962 وعودة مليوني فرنسي كانوا يعيشون فيها. فغيّرت تلك الانتفاضة وجه فرنسا, وسمحت بالتأسيس لبلد جديد وذلك بترسيخ الحرية والعدالة الاجتماعية. ذلك لأن الفرنسيين يستلهمون حراكهم ونهضتهم من إرث الثورة الفرنسية عام 1789م التي أعادت بناء الدستور الفرنسي على أساس المساواة أمام القانون، وألغت طبقة النبلاء وأسست جمعية وطنية، مؤلَّفة من نواب منتخَبين يحق لهم التشريع في أي أمر من الأمور، وأطلقت شعارها الشهير: "حرية، مساواة، أخوة", "Liberté, Egalité, Fraternité".
سوريا الأسد
في هذا الصدد، تؤكّد شواهد التاريخ السياسي العسكري السوري، لأكثر من أربعة عقود ونيف من عمر استيلاء آل الأسد على السلطة في سوريا، أن خيار الحسم العسكري كان الفيصل، لتعزيز القبضة على الحكم بواسطة حروبٍ عنيفة خاطفة كالانقلابات العسكرية التي حدثت في أعوام " 1963 و1966, و1970"، التي رافقتها حالات نهبٍ ومصادرة للحقوق بالقوة الغاشمة ومن ذلك ما تعرضت له مدينة حماة من مذابح رهيبة عامي "1964, و1980" والتي راح ضحيتها عشرات الألاف في مجازر جماعية, ومن نتائج تلك الانقلابات نمو النزعة الفردية التي قادت إلى تنازع الحكم بين حافظ الأسد ومجموعة من العسكريين الذين قام بتصفيتهم, وشيئا فشيئا باتت الديكتاتورية نظاما للحكم, وانقلب الأسد لطاغية, وأسس نظاما يقوم على تشويه كل الأسس التي تضعها نظريات الحقوق الدستورية تحت مسميات مختلفة كـ"الجبهة الوطنية التقدمية, ومجلس الشعب", ويدلل التاريخ السياسي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن القوى الخفية العالمية تمكنت من إيصال الرجل الذي تريده إلى الحكم في العديد من دول العالم الثالث كي يخدم مصالحها على حساب مصالح الشعوب وحريتها, وتعد المخابرات المركزية الأمريكية صاحبة الذراع الأقوى بين الأجهزة المتخصصة في صناعة الحكام في العالم كله, وعلى رأسهم حافظ الأسد وورثته.
"المثقفون" نخبة هنا.. ونخبة هناك
إن النخب المثقفة في فرنسا هي التي أقامت وما زالت تقيم الصرح الهائل الذي نشاهده اليوم, وما التقدم الاجتماعي والسياسي والصناعي إلا حصيلة جهد هؤلاء المثقفين وتضحياتهم مثل "روسو وفولتير وديدرو ومونتسكيو وجان بول سارتر وميشيل فوكو وجيل ديلوز وإيف مونتان" وعشرات الفنانين والكتاب الآخرين.
وفرنسا الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة التي نراها لم تخلق بالمصادفة وبالمجان, وإنما بملايين الضحايا وجلّهم من المثقفين الذين كان "استشهادهم" مقدمات سقوط الملكية والإمبراطورية والديكتاتورية التي سادت فرنسا والقارة الأوربية قرونا عديدة من عصور الظلام, وتحول الفرنسيون بالثورة من مجرد رعايا أذلّاء لأصحاب الجلالة إلى مواطنين أعزاء.
أما في سوريا, فكشفت مواقف أغلبية "النخبة المثقفة" إزاء الثورة عن نوازع وضعتهم ضمن فئات متباينة:
ــ الأولى, فئة المثقفين اللامبالين بما يجري في سوريا, الذين أشاحوا بوجوههم كليا عن الاهتمام بالشأن العام وانصرفوا إلى غير ذلك من القضايا الشخصية, معتبرين الاهتمام بالشأن العام مهما كانت أهميته لا يبرر للمثقف أن يعرض نفسه للمخاطر.
ــ الثانية, فئة المثقفين الطائفيين الأقلويين, ويمثلهم علي أحمد سعيد الملقب (أدونيس), الذي وصف الثورة السورية على أنها "مفرغة من العلمنة وهي مشحونة بالنفس الديني، واعتبر الثورة التي تخرج من الجوامع ليست بثورة"، وردد أن "العنف الذي شاب هذا النزاع كان سببا في معارضته للحراك، فهو ضد أي تحرك يقوم على الدين، ويتحدى رموز الثورة أن يتحدثوا بكلمة واحدة عن العلمنة وقضايا المرأة وإشكاليات المفاهيم الدينية ذات الامتداد لتسيير الواقع وتحري آليات تدبير الناس في حال سقط النظام".
وبالمقابل, وفي كتابه "الثابت والمتحوّل" يثبت أدونيس مقالاته الاحتفائية بالثورة الإيرانية 1979. حيث أخذه سحر الجماهير الإيرانية الهادرة, ودعم انقلاب الخميني في إيران، ورأى فيه مؤشراً على إمكانية أن يلعب الإسلام دور "المحرك" من أجل تحقيق "التحرر في الداخل: العدالة والمساواة، وحرية الإنسان، وكرامته، والإلحاح على أن يكون سيّد نفسه، ومصيره", أما موقفه من الثورة السورية فقد كان حاسما منذ البداية، فقد اعترض على ثورات "تخرج من الجامع" فيما أيّد الشيعة الإيرانيين وهم يخرجون من "الحسينيات" ومن أمثال أدونيس, طالب إبراهيم، وشريف شحاذة, وبسام أبو عبد الله, وحسن م يوسف, وعادل محمود, وغسان مسعود, وزهير رمضان وكلهم "علويون", بالإضافة إلى الأبواق الإعلامية الشيعية في لبنان سواء القنوات الفضائية أو الصحف اليومية الممولة إيرانيا, وقد رابطت هذه الفئة في الجبهات الطائفية الأولى مدافعة عن نظام الأسد.
ــ الثالثة, فئة المثقفين المتناقضين المتحولين إلى "شبيحة", وهي تعمل في الحقل العام من خلال الانتماء إلى الأحزاب والجماعات السياسية, أو مستقلين, أو كتابا وصحفيين, ومواقف أصحابها متناقضة من قضية الحريات العامّة بحسب موقعهم من السلطة قربا أو بعدا, فهم ضد السلطة يرفعون شعار الحرية للجميع, وإذا وصلوا للسلطة كـ"وزراء أو أعضاء في مجلس الشعب" وغير ذلك من المناصب, وقعوا في التناقض مع ذاتهم وكانوا أكثر من غيرهم إهمالا للحريات وأشدهم تعديا عليها, بل ويقبل أغلبيتهم أن تكون أقلامهم في جملة الأدوات المسخّرة لتبرير انتهاك جرائم نظام الأسد ضد الشعب, والأخطر في هذه الفئة أنها بثقافتها الواسعة تبتدع أسبابا للدفاع عن الجلاد بصورة من المؤكد أن الجلاد نفسه لا يقدر على الإتيان بمثلها للدفاع عن أعماله الوحشية, ولذلك يمكن تأطيرهم في خانة " التشبيح الإعلامي" كما فعل كل من" فراس سواح ونزيه أبو عفش ورغدا وأنس الشامي ودريد لحام وأحمد حسون وشادي حلوة و"سابقا أنس أزرق"، وغيرهم كثر.
ــ الفئة الرابعة, التي تماهت مع الثورة ونادت بمبادئ الحريات العامة, والعدالة الاجتماعية والمساواة وإلغاء التمايز هي شريحة واسعة ضمن صفوف الثورة, من كتّاب وصحفيين ومحامين وقضاة وأطباء وأساتذة جامعات, ومن أبرزهم: "صادق جلال العظم وياسين الحاج صالح والشيخ سارية الرفاعي وبرهان غليون وعاصم الباشا وعبد العزيز الخيّر وزكريا تامر وسمير عيطة ومي سكاف ورشا عمران وسمر يزبك وعلي فرزات وخطيب بدلة وهمام حوت" وغيرهم كثر.
بين حثالة الفرنسيين وشبيحة الأسد
كتب ماركس في كراس الثامن عشر من بروميير- لويس بونابرت، في رصده وتعقبه للانقلاب الذي قاده لويس بونابرت ابن أخ نابليون(1851)، الذي أقدم على حل الجمعية التشريعية ومجلس الدولة واعتقال عدد كبير من النواب وإعلان الأحكام العرفية في32مقاطعة ونفي الزعماء الاشتراكيين والجمهوريين من فرنسا، وقال عزيز تبسي في مقال له نشر في "مجلة دمشق": "في هذا الهجوم الانقلابي استعان لويس بونابرت على خصومه بجماعات هامشية من الحثالة الاجتماعية من باعة البسطات والقوادين والعاهرات وأصحاب السوابق الجنائية والعاطلين عن العمل, وشكلت سنداً اجتماعياً وميدانياً لانقلابه، ولم يعلم هذا النابليون أنه بهذا الدعم اللامحدود والاعتماد التام على هذه الفئة، قد كرس نفسه زعيماً للحثالة، التي رغم تدريباتها على اللفظية الجمهورية وقيمها التي يجري الغدر بها، ستنسى نفسها من حين لآخر وتحيي السجق والنقانق).
وأضاف تبسي في مقاربته بين حثالة لويس بونابرت, وشبيحة الأسد: "تبقى هذه الجماعات الهامشية على مر التاريخ وفي كافة ظهوراتها على مسرحه أسيرة وضعها الاجتماعي القلق وشرطيتها البافلوفية، حيث الكلبية الجائعة والنهمة والعدوانية تطبيقها الوحيد في الشرط السوري".
رغم كل التكتم عن اسمهم، وإلباسهم أطقم اللجان الشعبية ووضعهم لشاراتها، إلا أنه وفي أول علامات ظاهرة لتبدد "آثار السكرة وعودة الفكرة" سيهتفون بعالي الصوت "شبيحة للأبد كرمى عيونك يا أسد"، ويطلقون في مبادرة لغوية اسم الشبيحات على الجناح النسائي منهم الذي لم تخرج عنه أفعال حربية علنية، باستثناء استعراضات نسوية مبتذلة تبين مدى الاستخفاف بقيم الانتفاضة الشعبية الثورية حين تبرزنها في موقع المؤخرة من البنطال، ممارسات هي من أركان سلوك الساقطات أخلاقياً، ويكون بينهما شبيحة المسيح كذلك على سبيل التنوع الفلكلوري الذي سمته الفاشية في واحدة من هزلياتها السوداء "الوحدة الوطنية".
لم يكن عند هذه الحثالة حياء لتفتقده، كان عندها سجلاً جنائياً أسود ومحكوميات طويلة في السجون التي تديرها شرطة فاسدة ويراقبها قضاء أكثر فساداً، تقدمت الطغمة بكرمها المحصور بأعوانها وفتحت رتاجات الأبواب المغلقة لتطلق ما تبقى من قطيع الكواسر هذا أمام الجمهور الأعزل في الشوارع والجامعات والساحات العامة).
وإن كانت مقاربة ماركس قد شكلت اجتهاداً ثورياً في بلدان الرأسمالية الأوروبية، فإن المقاربة في بلداننا لا تشكل خروجاً عن التنميط التقليدي للجماعات الاجتماعية، التي لم تكتسب تمايزاتها وتتحقق هوياتها الطبقية لغياب نضالاتها النقابية والسياسية وتواطئ أحزابها مع الفاشية الحاكمة منذ زمن طويل، والتعهد ببيع وتسويق اللفظيات الثورية والوطنية والقومية، المجوفة برمتها والفاقدة لأي مصداقية، إن الشبيحة وبعض التشكيلات العسكرية الخاصة (الفرقة الرابعة ومخابرات القوى الجوية على وجه الخصوص) هم القوة القمعية الأكثر عضوية وصلابة في تمثلهم للعدوانية البهائمية الفاشية للطغمة العسكرية عن كل ما عداهم.
خاتمة
لا شك أن هناك حسابات دولية وإقليمية وقفت في وجه الثورة السورية السلمية التي عبرت عن حضارة المواطن السوري, واستغلت تلك الدول الوضع في سوريا لبسط نفوذها في المنطقة، وأسهمت في وأد أحلام السوريين بكلفة باهظة من القتل والتشريد والتجويع, ومع ذلك تعيد احتجاجات أصحاب "الستر الصفراء" الاعتبار للشعوب المناهضة للحكام الفاسدين الذين ساءهم منظر حشود الجماهير الفرنسية في الساحات العامة في غالبية المدن الفرنسية وبالأخص العاصمة باريس, والذي يعيد لذاكرة الأسد القريبة, احتجاج ملايين السوريين الغاضبين والحالمين ضد حكمه الديكتاتوري في الساحات العامة, العاصي بحماة والساعة في حمص والساحة العامة في دير الزور وفي داريا والغوطة بدمشق وغيرها من المدن والأرياف السورية.
ومع تجلي الكثير من شواهد التشابه والاختلاف بين الاحتجاجات الفرنسية والسورية, فإن المسارات بين المحتجين وحكومة ماكرون تتجه نحو الحوار, أو مواصلة الانتفاضة وما يقابلها من ردات فعل عنيفة من السلطة, وما قد ينتج عنها من ارتدادات شعبية تتجاوز الحدود الوطنية الفرنسية إلى الدول الأوربية المهيأة لتحويل أعياد الميلاد القادمة إلى مآتم كبيرة في حال المساس بحقوقهم أو عدم تلبية مطالبهم المشروعة, وبالتالي فإن الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن مدى صمود إيمانويل ماكرون وامتصاصه للشارع الفرنسي الغاضب, أو استقالته في حال اتسعت دوائر الاحتجاجات, بخلاف "الأسد الوريث" الحائر بين تلبية المطالب الروسية، واستكمال المشروع الإيراني في سوريا دون الاكتراث بالشعب السوري الذي استخدم ضده كل سلاح محرّم وعلى رأس ذلك, الأسلحة الكيماوية.