بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
في أواخر شهر آذار 2018، أعلنت روسيا سيطرتها مع الميليشيات الشيعية الإيرانية وتلك التابعة لنظام الأسد على معظم غوطة دمشق بعد إحكام الحصار عليها، الأمر الذي يعني أن العملية العسكرية قد انتهت عمليًّا وتستكمل بعض الخطوات التفصيلية في دوما. وما يترتب على ذلك من نتائج مؤثرة على مجمل القضية السورية.
تمهيد
تناقش هذه الورقة خسارة غوطة دمشق في إطار العملية العسكرية الروسية المستمرة ضد المناطق المحررة في إطار سياسة خفض التصعيد في التطبيق العملي لمخرجات مؤتمر آستانة, ومآلات انكسار فصائل المعارضة وما أنتجته من مكاسب لنظام الأسد وروسيا وإيران. ونمهد لهذا النقاش باستعراض الأسباب التي أحاطت بهذا الانكسار في أبعاده المختلفة, وما يترتب على ذلك من ارتدادات في المناطق المحررة.
ثم نتناول جوانب هذا الانكسار, أطرافا وخططا ونتائجا, ونتحدث عن الأسباب العميقة في تعثر الفصائل المسلحة المناوئة لنظام الأسد, وتباينات المواقف بينها, واختلافات توجّهاتها, ونتوقف عند انحسارها وفقدان دورها عمليا بعد خسارة مناطقها وحاضنتها معا, وتحولها إلى حالة صراع للبقاء في مناطق تهجيرها ما يعني خروجها عمليا من حسابات الثورة, والدور الإقليمي والدولي في التواطؤ مع الروس في تشكيل الخارطة العسكرية والسياسية سواء عبر مؤتمر آستانة, أو اللقاءات الدولية الثنائية, حيث حاولت كل الدول الفاعلة الالتفاف على القضية السورية, وإخراج الملف السوري من أدراج الأمم المتحدة إلى صفقات سياسية لتقاسم الذبيحة.
وأخيرا, تتوقف الورقة أمام هذه المستجدات بعد تشريح هزيمة عسكر الثورة، وتدفع بالمعارضة لتقديم بدائل للشعب السوري تخدم مصالح الثورة وتعيد توحيد صفوفها وهي قادرة على ذلك، فالثورة نشأت في ظروف أصعب مما هي عليه من حيث انطلاقتها.
مقدمة
جاء انكسار فصائل المعارضة في غوطة دمشق استكمالا لسلسة سقوط المناطق المحررة بدءا من مدينة حلب في شتاء العام 2016م, ثم تتالى اتساع دائرة قضم المناطق المحررة في ريف دمشق ومحيطها وفي حي الوعر الحمصي وتهجير ثوارها وسكانها عبر اتفاقات محلية برعاية روسية, وتعثر الأعمال العسكرية الكبرى في ريفي حماة الشمالي ودمشق، وسط تجاهل أمراء وقادة الفصائل ومعهم القادة السياسيون للمعارضة مواجهة الانهيارات المتعاقبة, ومن ثم الوقوف على أسبابها ما عدا بعض التبريرات التي أطلقها عدد من القادة والتي لا ترقى إلى الحفر في الأسباب العميقة للكوارث المتراكمة على المستوى العسكري, وانعكاساتها على فئة السياسيين الذين انشغلوا في التحضيرات لمؤتمرات جنيف, وآستانة, ومواجهة المنصات الدخيلة على خط الثورة لخلخلة مطالبها واستحقاقاتها.
هذا الإرباك والتشظي, ازدادت هوته إثر الأخطاء التكتيكية التي أصر القادة العسكريون على ارتكابها, بينما كانت الميليشيات الشيعية تعتمد خططا استراتيجية مغايرة جرت فصائل الثورة إلى الوقوع في أفخاخ وألغام تكتيكية عسكرية, وعلاوة على الفشل العسكري, دخلت الفصائل المسلحة في اشتباك بيني أدى إلى انهيارات كبيرة في هياكلها العسكرية .
فجاء مؤتمر آستانة وهو أهم الفخاخ التي نصبها الروس للمعارضة السياسية بعد هزيمة حلب المدوية, وكانت مقدمته اتفاق أنقرة الذي نص على إجلاء سكان المنطقة المحررة من مدينة حلب لتبدأ الماكينة الروسية بالتعاون مع الإدارة الأميركية بعملية وأد الثورة في مقبرة آستانة, غير أن وصول الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة أربك المخطط الروسي, لتأتي الخطوة الاستباقية من موسكو في تخفيف التصعيد قطعا للطريق أمام عزم واشنطن على إقامة مناطق آمنة, لتحتدم المساومات الدولية في جنيف حول اقتسام مناطق النفوذ.
تعتبر هذه التطورات الجارية عاملًا مؤثرًا في مسار الصراع لكنه بالمقابل يمثل مصدرا للاستقطاب والتنافس، ويظهر ذلك بأجلى صورة في الصراعات القائمة بين مراكز النفوذ الدولي.
نتائج سقوط الغوطة ودلالاته
عمدت روسيا خلال عدوانها على غوطة دمشق إلى سياسة الأرض المحروقة لتحقيق الأهداف التالية:
- إنهاء سيطرة فصائل المعارضة على الغوطة.
- تأمين نظام الأسد الذي يسيطر على العاصمة دمشق من أي تهديد عسكري.
- تهجير العدد الأكبر من سكان الغوطة وفق سياسة التغيير الديمغرافي التي تنتهجها روسيا وإيران.
تمكنت روسيا وحلفاؤها من السيطرة على مجمل مدن وبلدات الغوطة مع انتهاء المرحلة الأولى من العملية وإتمام الحصار من كل الجبهات, ومع المرحلة الثانية فقدت فصائل المعارضة سيطرتها على أغلب المنطقة بشكل واضح، بينما تبقى "دوما" في حيز المفاوضات الجارية لترحيل أهلها إلى الشمال.
وفي مقدمة الأسباب التي أدت لسقوط الغوطة ما يلي:
أولا: تكريس حكم القادة, نتيجة فشل الكيانات العسكرية الثورية والسياسية بالتوصل إلى برنامج عمل جماعي, أنتج ذلك على مدار سني الثورة القائد التاريخي والأول في كل شيء, وبالتالي اجتثاث لأي عمل جماعي على كافة المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية.
ثانيا: التناحر الفصائلي الدامي, مع انحسار مناطق نفوذ نظام الأسد, برزت أسماء كتائب ثورية تحت مسميات متعددة, وانحياز غالبيتها عن عباءة الجيش الحر, مثل "سرية الإسلام وأحرار الشام, وشهداء دوما".. لتبدأ عملية التناحر الفصائلي إعلاميا وسياسيا, وتنتهي بمواجهات دامية مثل ما شهدته غوطة دمشق بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن, وأحلاف كل منهما.
ثالثا: دور شرعيي غوطة دمشق في تغذية الصراع الفصائلي, حيث تضم هيكلية كل فصيل معارض "شرعيين" يقدمون فتاوى تخص فصيلهم, وطغى جدل شرعي متباين حول قضايا خلافية, أدت إلى اتساع هوة الشقاق وسفك الدماء, ولنا في ذلك مثلا جرأة فتاوى شرعيي جيش الإسلام وفيلق الرحمن في غوطة دمشق نتيجة الخلاف الفكري المتمثل بتوصيف الجيش بالوهابية, ووصف فيلق الرحمن بالمبتدعة, مما أسفر عن سقوط مئات القتلى من الطرفين والتأسيس لعداوة مستديمة, كان حصادها سقوط معظم الغوطة بيد قوات نظام الأسد. وبهذا تصدر شرعيو الفصائل مشهد التناحر بين إخوة السلاح.
رابعا: الدعم الخارجي المتباين وانعكاساته, إذ تعاظم التدخل الإقليمي والدولي في الصراع السوري, بعد اصطفاف إيران الطائفي وميليشياتها إلى جانب نظام الأسد, ولم تخف السعودية وقطر وتركيا تباين رؤاهم حول المشهد السوري, وحاولت تلك الدول جمع تلك الفصائل المتشرذمة, ونجحت مؤقتا في تشكيل تكتل الجبهة الشامية, وغيرها من التكتلات العسكرية التي لم تلبث أن انفرط عقدها نتيجة الخلاف بين الداعمين وانعكاسات ذلك على الفصائل, كما لعبت غرف "الموم والموك" التي شكلتها دول أصدقاء سورية دورا بارزا في تعميق الهوة بين الفصائل بتحريضها ضد بعضها, واقتصر دعمها على أسلحة دفاعية متوسطة, ورغم الحاجة للأسلحة المضادة للطيران إلا أن الولايات المتحدة رفضت ذلك بحجة وقوعها بأيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة. فالداعم الإقليمي وتحوله إلى لاعب أساسي في المشهد الفصائلي رسخ عملية التجزئة في خطوة امتلاك القرار الوطني المستقل.
خامسا: الغطاء الدولي والسياسي الذي أحاطت روسيا العملية به، حيث وضعته في سياق المراوغة بذريعة مواجهة المنظمات "الإرهابية"، وفق القرار الأممي 2401.
سادسا: عدم تكافؤ ميزان القوة العسكرية في العملية، واستخدام روسيا للقوة المفرطة من خلال أسطولها الحربي حتى تجاوز معدل الطلعات الجوية في اليوم الواحد 150 طلعة جوية, علاوة على استخدامها كافة أنواع الوسائط النارية الأرضية, من مدفعية وصواريخ أرض - أرض محرمة دوليا.
سابعا: غياب موقف دولي أو إقليمي قوي معارِض للعدوان الروسي، رغم محاولات الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوربية تبرئة ساحتها من الجرائم الروسية.
وقد حقق العدوان الروسي على غوطة دمشق بالتعاون مع الميليشيات الشيعية الإيرانية النتائج التالية:
حققت معظم الأهداف التي وُضعت لها، وفي مقدمتها إنهاء سيطرة فصائل المعارضة على الغوطة، وهو ما يتضمن تقويض فكرة تهديد نظام الأسد في دمشق, والحد من خيارات المعارضة.
سيطرة روسيا ومعها الميليشيات الإيرانية والقوات التابعة لنظام الأسد على مساحات استراتيجية واسعة في المنطقة المحاذية للعاصمة دمشق.
تمسك نظام الأسد بموقفه المراوغ من التسوية السياسية بعد زيادة مساحة نفوذه الميداني.
تعزيز روسيا لصورتها كدولة مجرمة قتلت آلاف المدنيين وهدمت بلدات وقرى الغوطة خلال عدوانها الأخير.
ومن أهم دلالات عملية العدوان على الغوطة:
الأولى: رسوخ التفاهمات الإيرانية- الروسية في سوريا وحرص موسكو على مصالح إيران باعتبار تحول ميليشياتها الطائفية لأداة طيعة لتنفيذ أجنداتها.
الثانية: تأكيد روسيا استمرارها بالاعتماد على قوتها المفرطة بالتواطؤ مع المجتمع الدولي رغم استخدام جميع الأطراف المعتدية على الغوطة أسلحة الدمار الشامل ومنها غاز السارين على غوطة دمشق.
الثالثة: عجز المجتمع الدولي عن إيجاد مخرج سياسي للقضية السورية.
الرابعة: محاولة إعادة تأهيل نظام الأسد وتعويمه بعد تراجع الموقف الدولي والإقليمي عن محاكمة الأسد عن جرائمه.
الخامسة: تبلور الحلف الروسي التركي الإيراني المؤقت بعد معركة الغوطة والتوصل إلى تقاسم عملي للمناطق السورية.
وفي النتيجة، جاء العدوان الروسي على الغوطة في صالح روسيا ورؤيتها للحل في الملف السوري, حيث تقوم هذه الرؤية على أسس أهمها القضاء على جميع فصائل المعارضة السورية ورفض أي تسوية سياسية لا تحمل استسلام كامل للشعب السوري المناهض لنظام الأسد.
كما أعطى العدوان بشكل واضح دفعا لموقف الأسد في التسوية االسياسية وخصوصًا في المسار السياسي سواء في جنيف أو آستانة, بعد أن أغلقت موسكو بوابة آستانة التي أوجدها الروس لتنفيذ القضم التدريجي للمناطق المحررة, كما فشل مسار جنيف بعد اللقاء في موسكو الذي جمع لافروف وزير الخارجية الروسي بالمبعوث الدولي ستيفان ديمستورا دون تحديد موعد لجولة قادمة في جنيف, حيث باتت موسكو تمتلك عناصر قوة وضغط في مقدمتها النفوذ الذي حققته بعد التخلص من أهم مناطق المعارضة التي تهدد نظام الأسد بشكل مباشر وتحكمها بالقرار السوري بكل أبعاده الأمنية والسياسية والعسكرية مما أخلّ بتوازن العملية السياسية.
ما بعد الغوطة: مسارات مختلفة
إحكام السيطرة على الجزء الأكبر من الغوطة الشرقية أواخر الشهر الماضي يجعل العملية العسكرية الروسية في إطار المنتهية, باعتبار أن ما تبقى من دوما مجرد مسألة وقت لانسحاب جيش الإسلام منها أو بقاء قسم من مقاتليه بوظيفة شرطة محلية مؤقتة, مما يضعنا أمام سؤال ما الخطوة الروسية القادمة؟
ثمة سيناريوهات متوقَّعة ستعتمدها روسيا بشكل متسلسل بعد التصفية النهائية للغوطة, ويمكن إجمالها بالتالي:
أولا: متابعة عدوانها في القضم التدريجي للمناطق المحررة الخاضعة لفصائل المعارضة في ظل تواجد مناطق عديدة استراتيجية في سوريا لاتزال خارجة عن سيطرة نظام الأسد، وهو ما قد يمهد لعمليات عسكرية جديدة مرتقبة، واتفاقيات تهجير قد تحصل تكرارا لسيناريو الغوطة، وأبرزها مناطق جنوب دمشق، والتي يسيطر عليها كل من فصائل المعارضة وتنظيم "الدولة" وكذلك محافظة درعا التي تعتبر حاضنة مهمة للفصائل، إضافةً إلى القلمون الشرقي، ومناطق ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي المحاصرة، فضلاً عن محافظة إدلب، إلى جانب ما تبقى لتنظيم "الدولة" من جيوب شرقي دير الزور.
ثانيا: تبدو مناطق جنوب دمشق "يلدا وببيلا وبيت سحم وعقربا" في سلم أولويات الروس بعد انتهائهم من الغوطة الشرقية بالكامل، وقد كشفت مصادر محلية أن وفداً روسياً دخل إلى منطقة غرب مخيم اليرموك الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، واجتمع مع قيادته للبحث في خروجهم إلى الشمال السوري.
وأشارت المصادر إلى أن الروس طرحوا على الفصائل خيار البقاء لمن يرغب من المقاتلين بعد تسوية أوضاعهم، وخروج الرافضين إلى الشمال والجنوب السوري، وردت فصائل المعارضة على العرض الروسي بطلب مهلة عدة أيام للتشاور.
كما بحث الروس ملف مناطق مخيم اليرموك والحجر الأسود والعسالي وأجزاء من حي التضامن والقسم الشرقي لحي القدم الذي يسيطر تنظيم "الدولة" على معظمها, وتعتبر هذه المناطق في سلم الأولويات الروسية من أجل تأمين محيط العاصمة من أي وجود عسكري، وكي لا يكون هناك تأثير على القرار السياسي، أو أي استهداف لمناطق سيطرة نظام الأسد.
ثالثا: بعد طي ملف جنوب دمشق، ستكون وجهة الروس منطقة القلمون الشرقي الذي يقع في محيط العاصمة، ويراها الروس منطقة استراتيجية كونها نقطة وصل بين عمق البادية ودمشق, كما أنها قريبة من المناطق الحيوية التابعة لنظام الأسد.
رابعا: تتجه أنظار روسيا إلى درعا المعقل الكبير لفصائل المعارضة في الجنوب السوري, ولكنها مع حلفائها لا تستطيع تجاوز منطقة "مثلث الموت", عقدة الطرق بين محافظات دمشق ودرعا والقنيطرة, لأن عمق مناطق درعا تخضع لاتفاق روسي أمريكي، وبالتالي فإن تحرك روسيا سيكون وفق التفاهمات الدولية.
خامسا: إخضاع مناطق ريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي, حيث اجتمع ممثل روسي مع ممثلين عن ريف حماة الجنوبي، وأمهلهم مدة أسبوع للرد على ثلاثة خيارات، هي التهجير، التسوية، أو الحرب، إضافةً إلى محاولة النظام التفاوض مع مجموعة أخرى من مدينة تلبيسة، لا تمثل الفعاليات المدنية شمال حمص، ما أثار حالة من الانقسام, وتبدو هذه المنطقة مرشحة لتلقى مصير أختها الغوطة لما تمثله من أهمية استراتيجية نتيجة مرور شريان سوريا الاقتصادي عبر مدينة الرستن.
سادسا: التطورات العسكرية المستجدة خلال الأيام الماضية شرق دير الزور، وتقدم تنظيم "الدولة" في مناطق مهمة أربك حسابات الروس بمسار ما بعد الغوطة الشرقية, ولعل موسكو تؤجل كل المسارات المحتملة ريثما تحتوي التحرك الأخير لتنظيم "الدولة".
لذلك ستعمد روسيا إلى تحريك ملف جنوب دمشق, وتؤجل ملف باقي المناطق إلى حين الفراغ نهائيا من ملف البادية ودير الزور.
خاتمة
تمكنت روسيا عسكريا وسياسيا من إخراج فصائل المعارضة من غوطة دمشق بعد خمس سنوات من حصار مميت, وبعد ما يقارب الشهرين من الحملة العسكرية التي اتبعت من خلالها سياسة الأرض المحروقة, مستفيدة من سياسة خفض التصعيد التي ألزمت فصائل المعارضة في مناطق درعا وحمص وإدلب من التحرك لمؤازرة ما تعرضت له الغوطة من محرقة غير مسبوقة في تاريخ الحروب, كما استفادت من تواطؤ المجتمع الدولي في القرار الأممي الذي حولته إلى شرعنة عدوانها.
واقتراب عملية احتلال الغوطة من استكمال جميع حلقاتها, تعني انتقال روسيا إلى مسارات ما بعد الغوطة بشكل عملي, ابتداء من منطقة جنوب دمشق أو القلمون الشرقي, ثم ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي, فيما ستتأخر المقاربة الروسية بخصوص منطقة درعا الخاضعة لتفاهمات روسية أميركية بالإضافة لإسرائيل والأردن, فيما ستكون محافظة إدلب مع ريف حماة الشمالي منوطة بتفاهمات بين موسكو وأنقرة جرى التباحث فيها في اللقاء الذي جمع مؤخرا بوتين وأردوغان وروحاني في العاصمة التركية أنقرة والذي تشير معطياته الأولية لتقاسم مناطق النفوذ, والتخلص من فصائل المعارضة بتغذية الاقتتال الداخلي من جهة, واستمرار الطيران الحربي الروسي بقصف المناطق المدنية لفرض الاستسلام على حاضنة الثورة ريثما تجد الأطراف المعنية بالشأن السوري صيغة حل سياسي بغطاء دولي يضمن مصالح المختلفين والمؤتلفين.
وهذا ما يضع المعارضة السورية أمام خيارات صعبة تقوم على تجديد بناء قدراتها الذاتية, وإيجاد صيغة لتوحيد صفوفها, واعتماد مسار سياسي مستقل تقيم على أساسه علاقاتها مع حلفائها الإقليميين والدوليين, وتجاوز انكسار عسكر المعارضة, لإسقاط وهم الأسد الذي لن يتمكن من إعادة السيادة السورية التي تناهبها حلفاؤه الروس والإيرانيون العاجزون عن إعادة إعمار ما دمرته آلتهم العسكرية، لذلك يبدو لزاما على المعارضة التحرك في إطار تقديم البدائل السياسية وما يتبعها لشعب يستحق الحياة بكرامة وحرية بعيدا عن منظومة الاستبداد, ووضع حد للحرب القذرة التي تشنها روسيا وإيران منذ سبع سنوات ونيف.
يبقى أمام الشعب السوري الثائر تجاوز نتائج الهزيمة العسكرية في غوطة دمشق وآثارها النفسية وذلك بانسحاب المنهزمين من الواجهة, فالثورة السورية مستمرة في إطار أهدافها في تغيير نظام الحكم الذي لا يمكن لروسيا وحلفائها إبقاؤه باعتماد القسوة والعنف والقتل والتدمير إلى ما لا نهاية.