بلدي نيوز – ريف دمشق (جواد الزبداني)
تعاني مدينة مضايا المحاصرة بريف دمشق، من نقص في الكوادر الطبية، بعدما هرب أطباء المدينة إلى خارجها، فيما يعمل ثلاثة أطباء وممرضتين، على علاج قرابة 40 ألف مدني.
الأطباء الثلاثة الذين حملوا على عاتقهم علاج المدنيين، ليسوا من خريجي كلية الطب البشري، فاثنان منهم لم يكملا تخرجهم من كلية طب الأسنان، وطبيب ثالث درس الطب البيطري، وانتقل لعلاج البشر بعدما هجر الأطباء مدينتهم.
يقول الطبيب (محمد يوسف)، وهو رئيس الهيئة الطبية في مضايا وبقين، "درست الطب البيطري، وكنت أعمل طبيبا بيطريا في مجالي بدولة الكويت، لكن عندما اندلعت الثورة عدت وعائلتي إلى سوريا للمشاركة بالثورة، وذهبت إلى القلمون ومن ثم عدت لأكمل عملي في مضايا تلك البلدة الصغيرة التي لا يوجد بها مشفى للدولة"، ويضيف لبلدي نيوز "أجرينا عمليات عدة بلا مختصين ولا جراحين وكتب لها النجاح".
ثلاثة أطباء فقط!
يوجد في مضايا اليوم ثلاثة أطباء وممرضتين فقط، يحاولون تقديم ما يمكن لعلاج 40 ألف مدني محاصرين في مضايا وبقين، مع انعدام الأجهزة الطبية أو الأدوية النوعية، وحتى أدوية أساسية من مسكنات وغيرها.
هروب الأطباء الاختصاصيين، ورفضهم علاج المتظاهرين أو الإصابات من المدنيين، اضطر الطبيب (محمد يوسف) ومن معه على القيام بأكثر من واجبه وخارج نطاق عمله، حيث أصبح طبيباً بشرياً بعد أن كان بيطريا، يقول الطبيب "مع تشديد النظام حصاره علينا، بدأت الإصابات تكثر وتتنوع، فمن إطلاق نار من الحواجز إلى إصابات بالقنص إلى قصف مدفعي وجوي بالبراميل المتفجرة، كنا نقوم بإجراء إسعافات أولية للمصاب، وتقوم لجنة المصالحة بإسعافه إلى دمشق، كون أغلب المصابين من المدنيين، ومع تكرار الإصابات أصحبنا أنا والكادر الذي معي أصحاب خبرة بالإسعافات الأولية، لكننا لم نقم بإجراء أي عملية جراحية، فهناك مختصون يمكن للمصاب الذهاب إليهم".
وفي 1/7/2015، شن النظام وميليشيا حزب الله حملة عسكرية واسعة بهدف السيطرة على الزبداني ومضايا، وحاصرت المنطقتين، ومنعت دخول أو خروج أي شخص، وهنا كان مفترق كبير في حياة الأطباء المهنية.
ويروي رئيس الهيئة الطبية الأسباب التي أجبرته على علاج المدنيين، ويقول "مع بداية معركة مدينة الزبداني ومضايا وبداية الحصار، بدى لنا شدة قسوة النظام وحزب الله وإصرارهم للسيطرة على المنطقة، حيث بدأ النظام بقصف مضايا، وبدأنا باستقبال الإصابات بشكل يومي".
وأضاف الطبيب (محمد اليوسف) "بدأت خبرتنا بالازدياد مع دخولنا مرحلة المجاعة في مضايا، والتي كانت كارثية بالنسبة لنا، فهنا بدأ الشبان والأطفال بمحاولة الاقتراب من الحواجز لجلب الطعام، سواء من أعشاب أو طعام مقابل رشوة الحواجز، ثم انتقلنا إلى مرحلة أصعب بعد زرع ميليشيا حزب الله للألغام في محيط مضايا، ونشر القناصات، فأصبحت الإصابات بغالبيتها بتر أطراف، حيث وصلتنا أكثر من 20 حالة بتر أطراف متنوعة، نتيجة انفجار الألغام، كان أشدها قسوة حالة للطفل (محمد) الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، بعدما ذهب ليجلب لأهله بعض الأعشاب للطعام، لينفجر به لغما أدى لتفتت عضم الكاحل بشكل كامل، مما اضطرنا لبتر القدم، كنا حديثي عهد بعمليات البتر، وكانت من أصعب الأعمال لدينا فنحن أمام خيارين، إما ترك الطرف المصاب ليأكله الالتهاب ويجري في الجسم ويموت، أو المخاطرة ببتر الطرف، وهذا القرار صعب جدا، بالنسبة لنا خاصة أننا عندما كانت تأتي الإصابات إلينا تأتي بدفعة كبيرة فيكون بينهم شهداء وبتر وإصابات بالقناصات، ونحن كنا 6 أشخاص فقط".
وأردف اليوسف "عندما اشتد الجوع بنا، كنا نركب يوميا ما يقارب 50 من السيرومات السكرية الموجودة لدينا، لمنع موت الأهالي بسبب الجوع ونقص السكريات، وكان هناك البعض من يحتاج لأكثر من سيروم يوميا بسبب شدة ضعف جسمه، وحينها بدأت الأهالي بالموت جوعا وبتنا شيئا فشيئا عاجزين، ولا نستطيع تقديم أي شيء لهم، وهذا كان أصعب إحساس أمر به شخصيا".
وتابع الطبيب "في 14/1/2016 دخلت المساعدات الإنسانية إلى بلدة مضايا المحاصرة، وتحسن الوضع الإنساني العام، وانتهى موت الأهالي جوعا، لكنهم تحولوا للموت مرضاً وبالقناصات والقصف.
يقول اليوسف "بعد دخول المساعدات الإنسانية، بدأنا نرتاح لفترة من الزمن بعد فترة تعب وضغوط كبيرة وشديدة جدا، لكن انتقلنا لمرحلة جديدة، حيث بدأنا باكتشاف أمراض جديدة تصيب الأهالي أبرزها كان كواشيركور والسحايا، وكان من الصعب علينا اكتشاف المرض وإعطاء الدواء المناسب للمرضى، بسبب انعدام توفر الأجهزة الطبية أو المختصين، مما دفعنا للقيام باستخدام الواتساب للتواصل مع أطباء بالخارج ليساعدونا بعض الشيء، حيث كنا نقوم بجعل المريض يشرح المرض للطبيب والأعراض، ونقوم نحن بإعطاء الدواء للمريض، وهنا بدأنا باستخدام الواتساب بشكل أكبر، فبدأنا باستخدامه للقيام بعمليات اضطرارية تواجهنا كإصابات خطيرة، أو أمراض لا نعلمها، فأصبحت غرفتا عمليات واحدة حقيقية يوجد بها المريض وواحدة بمجموعة انشأناها للتواصل مع أطباء للمساعدة، حتى بدأنا نستطيع إجراء عمليات للمرضى، بعد أن كان لا يوجد لنا خيار سوى تركهم يواجهون الموت، ومن العمليات التي أجريناها كانت فتح بطن وولادات قيصرية، وإصابات بالرأس والصدر وغيرها وتكللت بالنجاح".
يذكر أن النقطة الطبية في مضايا وبقين تعرضت للقصف مرات عدة، كان آخرها في 15/12/2016، وخرجت عن الخدمة حينها بشكل نهائي، نتيجة القصف العنيف بالبراميل المتفجرة بعد أن قتل طيران النظام 4 وجرح 20 آخرين، وتدمير منازل المدنيين، وتدمير النقطة الطبية بشكل كامل، وأصبح حينها الطبيب (محمد) ومن معه يذهبون للمريض في منزله لعلاجه وزيارته، وهذا الشيء الذي جعله أحد أكثر الأشخاص شعبية في بلدته المحاصرة مضايا، لسكانها والوافدين إليها من الزبداني وريف دمشق.