نيويورك تايمز – (ترجمة بلدي نيوز)
على مدى شهور، تراكمت جثث الضحايا تحت ركام المباني في شرق حلب بسبب الطائرات الحربية السورية والروسية ودفن السكان الذين لم يتمكنوا من الفرار أحياءً تحت انهيارات الطوب وقذائف الهاون.
والآن انتهى ذلك تقريباً، ليس لأن الدبلوماسيين توصلوا إلى اتفاق في جنيف، بل لأن بشار الأسد وحلفاءه الأجانب قد حققوا تقدماً في المدينة، بينما يعاني المدنيون هناك البرد والجوع والحزن لوفاة أحبائهم وينتظر عشرات الألوف منهم الحافلات التي ستقلهم من منازلهم إلى أجل غير مؤكد.
ولا يعتبر هذا الانتصار الأول للأسد والذي استخدم القوة الساحقة في الصراع السوري ولكن إخضاع شرق حلب كان له دوي في شتى أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، حيث أثبت أهمية التحالفات السياسية والقمع واليد الحديدية وسلط الضوء على عزوف العديد من البلدان وربما أبرزها الولايات المتحدة عن المشاركة في حل هذه الأزمة.
فقد اعترف الرئيس أوباما، يوم الجمعة في المؤتمر الصحفي الأخير له هذا العام، بأن الحرب المستمرة منذ نحو ست سنوات في سوريا كانت من بين أصعب القضايا التي واجهها، وأن العالم كان "موحداً في شعوره بالرعب من هول المجازر في حلب"، ولكن أوباما الذي سعى عند وصوله للرئاسة للحد من التشابكات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط - دافع عن قراره بعدم التدخل بقوة أكبر.
وأضاف: "للقيام بخلاف ذلك، قد يتعين على الولايات المتحدة أن تكون على استعداد للتدخل والسيطرة على سوريا".
تقول مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "إن التطورات الأخيرة في الصراع السوري بعثت برسالة واضحة للقادة المستبدين والطغاة في المنطقة بأن القوة والاستبداد ينجحان في قمع الشعوب، كما كان هناك درس للشعوب ذاتها بأنها لوحدها في أزمتها والجميع تخلى عنها".
وأضافت: "الجميع كان يراقب بلا حول ولا قوة كيف سيتجلى هذا الصراع". وأردفت: "إنهم يراقبون المدنيين الذين يذبحون بلا رحمة وكل ما يمكن القيام به هو التغريد حول هذا الموضوع في تويتر وتوقيع العرائض."
هذا هو الشرق الأوسط الذي سيواجهه الرئيس المنتخب دونالد ترامب عند توليه منصبه العام المقبل، منطقة حيث تجاوز الجهاديين الحدود، روسيا الصاعدة، إيران التي وسعت نطاق عملها من خلال الميليشيات القوية وحلفاء الولايات المتحدة الذين باتوا يتساءلون إن كانوا يستطيعون الاعتماد على واشنطن.
هذا ولم يظهر السيد ترامب حتى الآن سياسة واضحة شاملة للمنطقة، ما عدا تأكيد دعمه لإسرائيل واستعداده للعمل مع روسيا ضد تنظيم "الدولة"، وربما إقامة "مناطق آمنة" في سوريا، الأمر الذي يتناقض بشكل واضح مع وجود الطائرات الروسية التي تقصف المناطق المدنية!.. ولكن تداعيات حلب تسلط الضوء على الديناميكيات التي من المحتمل أن تشكل المنطقة طوال فترة ولايته.
وقد بدأ المحللون بإضافة حلب إلى قائمة الأماكن التي فشل البشر فيها بوقف المجازر، كما هو الحال في غروزني ورواندا وسربرنيتشا، فحصار وقصف حلب، جاء بعد سنوات من الصراع الذي هاجمت به قوات الأسد المتظاهرين، وألقت عليهم البراميل المتفجرة والقذائف والأسلحة الكيماوية، وبسبب الهواتف الذكية والإنترنت، يمكن القول إن الصراع السوري قد تم توثيقه أكثر من أي نزاع مسلح في التاريخ ولكنه لا يزال يغير قادر على تحقيق المساءلة لمجرمي الحرب.
يقول ديفيد م. كرين، المدعي العام الدولي المخضرم في جرائم الحرب والأستاذ في كلية جامعة سيراكيوز القانونية: "حلب هي رمز لعدم اللامبالاة فالعالم بات يتحرك بعيداً عن كونه قرية عالمية وغدت الدول تعنى بشؤونها الخاصة".
ومع الاعتراف بالضعف الحالي للعدالة الدولية، ما يزال الأستاذ كرين يعمل طوال فترة الصراع السوري على جمع أدلة على جرائم حرب محتملة ضد الأطراف المختلفة على أمل أنها ستواجه يوماً ما المساءلة.
فالصراع السوري لم يبدأ كحرب بل كان ثورة تهدف لإسقاط الأسد، وكان رد النظام على الاحتجاجات بإطلاق النار والاعتقال والتعذيب، ومع مرور الوقت، وضيق مساحة النشاط المدني، وازدياد التحرك العسكري أصبح هذا الادعاء حقيقة على نحو متزايد، وأعطى للدول الغربية سبباً آخر لعدم التدخل.
ورغم استنكار السيد أوباما لكون الأسد زعيماً شرعياً إلا انه أبقى القوات الأمريكية بعيدة عن أي معركة للإطاحة به، وقال إن الولايات المتحدة لا تستطيع حل النزاع وأن سوريا ليست مصلحة أمريكية أساسية.
وحتى عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية وتجاوز الخط الأحمر، لم يقصف أوباما سوريا كما هدد، مما أثار غضب المعارضة وحلفاء مثل المملكة العربية السعودية، الذين شعروا أنه زاد من سلطة الأسد- بدلاً من ذلك- قدم السيد أوباما صفقة لروسيا لتخليص سوريا من الأسلحة الكيميائية.
يقول حسن حسن وهو زميل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن: "إن نظام الأسد قد فاز بالحرب الاستراتيجية، نفسياً، لم يعد يُنظر إلى المعارضة كقوة قادرة على كسر بشار الأسد."
"قواعد اللعبة التي يمارسها الأسد الآن هو أنه يمكنك سحق شعبك، يمكنك تدمير المدن، يمكنك الهجوم بالأسلحة الكيميائية؛ يمكنك تمكين المتطرفين وسيقف العالم الدولي كالمتفرج دون القيام بأي شيء"!