نيويورك تايمز: سوريا غيرت العالم! - It's Over 9000!

نيويورك تايمز: سوريا غيرت العالم!

بلدي نيوز – (ترجمة بلدي نيوز)
يبدو العالم غاضباً وفي حالة من الفوضى وعدم اليقين، ربما أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة- فالقادة المتسلطون يميلون إلى الظهور، والديمقراطية الليبرالية تحت الحصار، ونظام ما بعد الحرب العالمية الثانية يتلاشى مع تدفق القتال عبر الحدود.
أما المؤسسات الدولية -التي بنيت، على الأقل من الناحية النظرية، لتكون بمثابة مكابح للذبح الوحشي- تفشل في تقديم أي حلول.
ولم تعد الثورات الشعبية على جانبي المحيط الأطلسي مجرد حركات غاضبة ضد الدولة بل باتت تثير المخاوف الدينية من "الآخر" وهم هذه المرة المسلمين!
فقد تبلورت هذه التحديات، وازدادت وتيرتها لتغدو حرباً مشتعلة اعتبرها الغرب في وقت ما هامشية حين صنفوا الحرب في سورية على أنها "مسلمون يقتلون مسلمين"!
ولكن هذه الحرب أصبحت الآن في عامها السابع لأنه سُمح لها ان تستمر لفترة طويلة، مما أسفر عن مقتل 400،000 سوري وغرق الملايين منهم في البؤس، كما انها أرسلت موجات صدمة وصلت تردداتها جميع أنحاء العالم، حيث فر الملايين إلى البلدان المجاورة، وبعضهم لجأ إلى أوروبا.
ويبدو أن فكرة أن العالم بعد الحرب العالمية لن يسمح للقادة بقتل مواطنيهم دون تمييز قد اضمحلت تماماً، فرد الحكومة السورية على الثورة، والذي استمر عاماً بعد عام، يهدد بتطبيع مستويات وحشية الدولة التي لم نشهد مثيلاً لها منذ عقود، في حين أن بشار الأسد يستعين بذريعة متزايدة الشعبية بين حكومات العالم منذ 11 سبتمبر: وهي أنه "يحارب الإرهاب"!
يقول المنشق السوري ياسين الحاج صالح، وهو يساري علماني قضى قرابة عقدين كسجين سياسي في عهد حافظ وبشار الأسد: "لم تتسبب سوريا في كل شيء". وأضاف "لكن نعم، غيرت سورية العالم".
إن مجلس الأمن مشلول تماماً وحتى الهجوم الصاروخي الذي شنته الولايات المتحدة على قاعدة جوية عسكرية سورية، والذي أمر به الرئيس ترامب رداً على هجوم كيميائي على بلدة يسيطر عليها الثوار، هو مجرد رد فعل بسيط أمام أحداث ضخمة مضطربة، وهو آخر تدخل من جانب واحد في الحرب. وبعد أسبوعين من ذلك، واصلت الحكومة السورية، المدعومة من روسيا، سياسة الأرض المحروقة وقصف المدن.
ولا يزال هناك عدم توافق في الآراء حول ما إذا كان ينبغي أو لا يزال من الممكن القيام به بشيء من أجل سوريا، أو ما إذا كان النهج الدولي، من شأنه أن يحقق نتائج أفضل.
وهكذا أبقى البيت الأبيض نفسه بعيداً عن سورية بشكل حازم ومفهوم لتجنب أخطاء غزو العراق واحتلاله، وزعم القادة الغربيون أنه على خلاف الحرب الأهلية في البوسنة في التسعينات، فإن الصراع السوري يمكن أن يشتعل بمعزل عن بلدانهم وسواء كان ذلك أخلاقياً أم لا، فقد كانت حساباتهم خاطئة ووصلت الأزمة لعتبة أوروبا وباتت تتجلى في سياستها.
يقول جوست هيلترمان، وهو مدير الشرق الأوسط لمجموعة الأزمات الدولية: "لقد ألقينا بالقيم على جانب الطريق، ولكننا لم نتمكن أيضاً من العمل من أجل مصالحنا الخاصة، لأننا تركنا الأمور تستمر لفترة طويلة في سورية".
فقد بدأ النزاع عام 2011، مع احتجاجات سياسية، وردت قوات الأمن السورية بالقمع، وبعد دعم غربي أقوى في التصريحات الكلامية منه -في الواقع- حمل بعض خصوم الأسد السلاح، وردت الحكومة بالقتل الجماعي والتعذيب والحصار حتى الجوع وقصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومن ثم نشأ الجهاديون المتطرفون، مع إعلان الدولة الإسلامية في نهاية المطاف الخلافة وإثارة العنف في أوروبا.
وقد فر أكثر من خمسة ملايين سوري من بلادهم، وانضم مئات الآلاف إلى درب اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
واستخدمت صور حشود اللاجئين اليائسين -والعنف الشديد الذي واجهوه في سوريا- من قبل السياسيين لتغذية المخاوف من الإسلام والمسلمين، ورفعت الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة الشعارات المناهضة للمهاجرين، من فنلندا إلى المجر.
وقد شكلت أزمة اللاجئين واحدة من أكبر التحديات في الذاكرة لتماسك الاتحاد الأوروبي وبعض قيمه الأساسية: حرية التنقل، والحدود المشتركة، والتعددية، وقد زاد القلق من الهوية والثقافة، مما أدى إلى انعدام الأمن الاقتصادي وعدم الثقة في النخب الحاكمة التي نمت على مدى عقود مع العولمة والأزمات المالية.
وفجأة أقامت الدول الأوروبية أسواراً ومعسكرات اعتقال لوقف المهاجرين، وفي حين رحبت ألمانيا باللاجئين، قاومت بلدان أخرى تقاسم العبء. وتحدث اليمين المتطرف عن حماية الأبيض، وأوروبا المسيحية. حتى حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لٌعبت، جزئياً، على الخوف من اللاجئين.
وفي يوم الأحد، يمكن للمرشحة الفرنسية المناهضة للمهاجرين مارين لوبان -والتي تريد للأسد أن يبقى في السلطة- أن تفوز بالجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية.
كما أن الحزب اليميني الألماني المتطرف ينافس المستشارة أنجيلا ميركل، وفي الانتخابات الهولندية الشهر الماضي، أدى حزب اليمين المتطرف بقيادة جيرت فيلدرز أسوأ مما كان متوقعاً، لكنه حول الطيف السياسي إلى اليمين، حيث اعتمد الحزب الحاكم على تكتيكاته الشعبية، بتحريض الشعب ضد تركيا والمهاجرين.
لقد كشف الصراع السوري –بل وزاد سوءاً- من فشل الأنظمة ذاتها التي يحاربها اليمين المتطرف، فقد أنشئ الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في القرن الماضي، بعد حروب مدمرة، للحفاظ على السلام، ومنع الاضطهاد، وإخضاع القادة للمساءلة وتقديم المساعدة إلى أشد الفئات ضعفاً. لكن الثقة في هذه المؤسسات تنعدم خصوصاً عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها. فاتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب -لم تنفذ على الدوام- وتتعرض للانتهاك العلني.
السيد صالح، منشق سوري، قلق من أن "تأثير سورية على العالم سيجعله أكثر قتامة" إذ قارن النزعة الشعبوية والإسلاموفوبيا اليوم بمزيج الفاشية ومعاداة السامية في الحرب العالمية الثانية.
حيث يقول "إن الأجواء في العالم لا تتجه نحو الأمل والديمقراطية، بل تسير نحو القومية والكراهية وصعود الدولة الأمنية".
في الولايات المتحدة، كما هو الحال في أوروبا، المتطرفون اليمينيون هم الذين يتبنون الاستجابات الاستبدادية العنيفة والعشوائية للتهديدات الإسلامية المتصورة. فالقوميون البيض مثل ريتشارد سبنسر وديفيد ديوك، وهو زعيم سابق لمنظمة "كو كلوكس كلان"، التي تؤمن بالتفوق الأبيض والعنصرية، ينشرون صوراً على وسائل الإعلام الاجتماعية للسيد الأسد الذي يصور نفسه كحصن ضد التطرف!
ويحاول البعض في الغرب تطبيع العلاقات مع الأسد، على أمل أن يساعد ذلك في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإعادة اللاجئين إلى ديارهم. ولكن دون المساءلة أو الإصلاحات السياسية، فإن هذه النتائج أقل احتمالاً.
وفي العقد الماضي من تغطية العنف ضد المدنيين في الشرق الأوسط، غالبا ما يبدو أن القتل الجماعي من قبل الحكومات أقل تأثيراً على للجماهير الغربية من عدد أقل بكثير من عمليات القتل –المروعة نظرياً- من قبل الدولة الإسلامية وأسلاف القاعدة.
ومن الصعب التغلب على الشعور بأن المخاوف الغربية من الإرهاب الإسلامي قد ازدادت حدة لدرجة أن الكثيرين مستعدون للتسامح مع أي عدد من الوفيات بين المدنيين العرب أو المسلمين، وأي انتهاكات لسلطة الدولة، باسم محاربة الارهاب.
وقد لعبت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الإرهاب دوراً بارزاً في جعل انتهاكات القواعد الإنسانية والقانونية روتينية: الاعتقالات في خليج غوانتانامو، والتعذيب في أبو غريب، واستمرار الطائرات بدون طيار والحروب الجوية مع تزايد الخسائر المدنية في سوريا والعراق واليمن وفي أماكن أخرى.
ثم اندلعت الحرب السورية أيضاً عندما كانت المرحلة العالمية معدة للتقسيم وعدم الفعالية، وكانت روسيا حريصة على دور أكبر، وتراجعت الولايات المتحدة، فيما كانت أوروبا تستهلك مشاكلها الداخلية. وقد رأت روسيا والولايات المتحدة مصالح متعارضة في سوريا، مما أدى إلى توقف مجلس الأمن عند حائط مسدود.
وقد كشفت الأزمة عن عيوب منظومة الأمم المتحدة التي تمنح مجلس الأمن حق النقض (الفيتو) أمام المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والامتيازات لدول تقتل شعوبها، أما مبدأ "مسؤولية الحماية"، وهو مبرر قانوني للعمل العسكري لوقف الدول عن قتل مواطنيها، كما في كوسوفو وليبيا، فقد دفن في سوريا.
وحادثة "الخط الأحمر" عام 2013 -والضربات التي هدد بها الرئيس أوباما ولكنها لم تنفذ رداً على هجوم كيميائي سوري أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص- أضافت إلى الشعور بأنه يمكن الإفلات من العقاب. وقد لا يكون السيد الأسد قد أوفى بتعهده بالتخلي عن جميع الأسلحة الكيميائية.
أما الأمم المتحدة، فعاجزة عن أن تفعل شيئاً يذكر غير أن توثق جرائم الحرب التي أصبحت أكثر روتينية.
والآن، يهدد الصراع السوري الأساس الوحيد للحياد الطبي في الحرب -وهو مبدأ من اتفاقيات جنيف اللازمة للحفاظ على الجهود الصحية العالمية مثل مكافحة الأوبئة- وفقاً للمجلة الطبية البريطانية لانسيت والجامعة الأمريكية في بيروت، واللذان حذرا من "استهداف الرعاية الصحية" في سوريا، وخاصة من قبل الحكومة، حيث قتل أكثر من 800 عاملا طبيا في مئات الهجمات، وألقي القبض على الأطباء لعلاج المتظاهرين المصابين، وحجبت الإمدادات الطبية عن المناطق المحاصرة.
يقول الدكتور منذر خليل المسؤول الصحي في إدلب التي يسيطر عليه الثوار إن "هذا سيتكرر في أماكن اخرى" وذلك بعد يوم واحد من معالجة ضحايا الهجوم الكيميائي الاخير.
وأضاف "إذا كانت أوروبا وأمريكا صادقتين، وللحفاظ على القيم التي يدافعان عنها، يجب محاربة هذا القمع... يجب أن يكون هناك ضغط سياسي على نظام الأسد".

مقالات ذات صلة

خسائر من قوات النظام باشتباكات مع التنظيم بريف دير الزور

نتنياهو: سنقطع الأوكسجين الإيراني عن حزب الله الذي يمر عبر سوريا

قصف مجهول يستهدف معبر أبو الزندين شرق حلب

غارات إسرائيلية على مواقع ميليشيات إيران بمحميط دمشق

النظام يوصل قصفه على ريفي إدلب وحلب

خلافات التطبيع تطفو على السطح.. "فيدان" يكشف تفاصيل جديدة بشأن علاقة بلاده مع النظام