الغارديان - ترجمة بلدي نيوز
لاستكمال خزي وعار عام 2016، تأتي الآن معركة بشار الأسد الدموية على مدينة حلب كما في لوحة غرنيكا ، حتى مع عدم وجود بيكاسو لتصوير ما يحدث، فإن الأحداث في سوريا تصل إلى مستوى جديد من البربرية، حيث حتى في أشد الأيام الرهيبة لصراع القرن ال20، فإن المقاتلين احترموا حينها القواعد الدنيا للإنسانية، إذ لم يكن المدنيون حينها ببدائل عن العدو، كما سُمِحَ للمنظمات الإنسانية مثل منظمة الصليب الأحمر- المستقلة والمحايدة بالعمل وتخفيف المعاناة على الجانبين استناداً على قيمة وحاجة الإنسانية.
ولكن الأسد يستكمل الآن في حلب ، منهجاً معاصراً مظلماً وجديداً من الرمي باحترام المبادئ الإنسانية الإنسانيّة في مكبّ النفايات، تلك المبادئ التي كانت ذات يوم ممنوعة المساس والانتهاك، و يسعى الأسد لإعادة احتلال المدينة الثانية في سوريا من خلال إسقاط كل العلامات الفارقة الأساسية التي أوضَحتها وسنّتها اتفاقيات جنيف بين المقاتلين، وغير المقاتلين وأولئك "العاجزين عن القتال".
فباستخدام القنابل، وحتى القنابل البرميليّة المحظورة، والتي لا تميز بين مدني أو غيره إطلاقاً، و منع غير المقاتلين من الحصول على الغذاء والدواء هو جزء لا يتجزأ من المجهود الحربي لنظام الأسد، كما قُصِفَت المستشفيات، وحتى مستشفيات الأطفال بشكل روتيني، و شرع نظام الأسد حتى بتعريف توفير الرعاية الطبية في المناطق المعارضة بوصفه عملاً إجرامياً، أما "الخوذ البيضاء" الشجعان أولئك المتطوّعون الذين يحاولون تخفيف المعاناة في المناطق المعارضة وغير المعارضة على حد سواء، قد يقبض عليهم ويقتلون كإرهابيين، في الوقت الذي بلغ فيه حجم نزوح السكان والموت والمعاناة في البلاد مستويات لا تصدق، ولكن القوى الغربية باتت عمياء تماماً!
وعلى الرغم من ذلك فإن الأهمّ يتجاوز الجغرافيا السياسية والمصالح الغربية، إن الغرب يدير ظهره الآن لمفاهيم عميقة وليس فقط لمفاهيمِ الحرب العادلة، فقد بات الغرب يجهل الأوقات التي يجب أن تخاض الحروب فيها، في حين وصلت القيم العالمية والغربية في الواقع -وبكونِها قبلت بإنسانيّتها تلك الحرب الدموية- لمستوى وحشي جديد بحدّ ذاته، يجب أن تكون هناك قواعد وبروتوكولات، وبالتالي مذهب للحرب العادلة التي ينبغي أن تخاض كملاذ أخير للدفاع عن القيم الأولى، تشنها سلطة قانونية مع بعض الفرص المعقولة للنجاح.
إن اتفاقيات جنيف مبنيّة على فلسفة الحرب العادلة ، و الدول الموقعة تقبل بقواعد الحد الأدنى لمعاملة ليس فقط السجناء والمقاتلين الجرحى، ولكن المدنيين في مناطق الحرب، إن الاتفاقيات تخلق تفريقاً حاسماً ما بين المقاتلين وغير المقاتلين جنباً إلى جنب مع أولئك العاجزين عن القتال، والذين لا ينبغي إِدراجهم في الصراع بالإضافة للسماح للمساعدات الإنسانية الأساسية للوصول إليهم، وعلى سبيل المثال فإن المستشفيات لا ينبغي أن تكون هدفاً لأي هجوم كان، لقد تم توقيع الاتفاقية الأولى في عام 1864، والتي وفرت مساحة قانونية لعمل الصليب الأحمر، والذي كان قد تأسس في العام السابق من قبل الإنساني السويسري هنري دونان.
إنه ذلك الهيكل الكامل الذي يتم الآن إسقاطه من قبل الأسد وبوتين، اللّذان يقومان بتبرير همجيتهم من خلال الإصرار على أن أي عمل له ما يبرره في الصراع مع الإرهاب، إذ بات كل شيء مستباح لهم الآن، وهكذا في حلب خلال الأشهر الأربعة الماضية، تم استهداف المشافي والمدنيين في كل يوم، يجب على هذا أن يُدان، وإذا ما أردنا القبول بتلك الحرب الدموية والطريقة التي شنت بها، فإن علينا العودة إلى حضارة ما قبل التاريخ.
ومع كل هذا أصبح من المستحيل مقارنة الصراع السوري مع أي خانة أخلاقية، فلا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لانضِمام روسيا لدعم الأسد وإنشاء محمية يقودها الشيعة من إيران ممتدة من لبنان عبر سوريا إلى إيران، وفتح سوريا لتصبح قاعدة لعمليات الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة.
كما لا يمكن للغرب السماح للأسد وروسيا بتدمير قوانين الحرب العادلة وسقوط اتفاقيات جنيف، والثّغاء بإِجراء محادثات سلام أو إدانة مرتكبي الجرائم لفظيّاً في حين لا يقومون بفعل أي شيء، إن الحد الأدنى والواجب علينا هو بالإصرار بالحفاظ على اتفاقيات جنيف في سوريا، فلا يمكن أن نسمح للحجّة القائلة بأن الإرهاب يلغي التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين، ويجب أن تكون هناك مساءلة عن الهجمات على المستشفيات، ودَحض أكاذيب النظام بأن الإرهابيين يختبئون هناك، كما يجب حظر استخدام الأسلحة الكيميائيّة، والقنابل البرميلية والطائرات التي تقوم بقصف المناطق المدنية.
يجب السماح للمنظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود أو الخوذُ البيضاء بالقيام بعملهم الإنساني ذو المبادئ الإنسانية والتي أسّست لأجلها، كما يجب أن يسمح للإمدادات الغذائية والطبية بالوصول إلى المدنيين، يجب أن يفهم كل من بوتين روسيا والأسد بأنّهم قد تجاوزوا حدودهم وأن أي انتصار مكتسب بهذه الطريقة لا يمكن له إلا أن يكون باهظ الثمن عليهم، يجب ألا يكون هناك سماح بارتكاب جرائم حرب أكثر وعدم التساهل مع الجناة، في حين أن هناك حاجة ماسة للتحقيق في ارتكاب القوات الروسية لمجازِر ضد الإنسانية وهكذا بالنسبة لجيش الأسد بالتأكيد، وأي فعل دون ذلك سيكون هدماً لاتّفاقيات ومواثيق جنيف.
لا شك بأن مرتكبي الجرائم أولئك قد استندوا إلى تجاهل الولايات المتحدة لاتفاقيات جنيف في معاملتها للسجناء في غوانتانامو وتعريفها الشامل للإرهاب، والسّماح لقواتها بالتعامل مع المدنيين كمقاتلين إذا ما كان يشتبه بضلوعهم في الإرهاب، كما أنهم يعلمون أيضاً بأن الرئيس المنتخب دونالد ترامب صرّح بأنه يودّ الذهاب في العلاقات لأبعد من ذلك - وبأنه معجب بتجاهل بوتين عديم الرحمة للمعاهدات الدولية والإنسانية "الليّنة"، كما أنهم يعرفون بأنهم سيتمكنون مثل فرانكو في غرنيكا، بارتكاب الجرم مع الإفلات من العقاب.
قد تتمكن بريطانيا من كسب تأييد الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف قوي إزاء ما يحدث، ولكن علينا أن نعلم بأن هذا لن يكون إلا اعترافاً صريحاً للاتحاد بأن مغادرته في بيئة مظلمة كما يحدث الآن هو خطأ جوهري، إنها لصورة أقل ما توصف بالمروّعة: عالم يُحكم من قبل ترامب وبوتين مع غياب وجود أي قوى موازية، أخشى بأننا سنشهد بعد المزيد من الفظائع، كل ما يمكننا القيام به الآن هو العمل كأفراد، في ظل غياب أي مساعدة حكومية.
-ويل هوتون كاتب عمود أسبوعي لأكثر من 15 عاماً في صحيفة الغارديان، ومدير كلية هيرتفورد -أكسفورد، ورئيس مركز "بيغ" للابتكار.