أتلانتيك كانسل- (ترجمة بلدي نيوز)
بالنسبة للكثير من السوريين، فإن السنوات الخمس الماضية من الألم والمعاناة تبدو الآن بأنها قد أضيفت لها كارثة أخرى، انتخاب دونالد ترامب ليصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، وقد عمق مشاعر التشاؤم والتهلكة الكثير من التحليلات الفورية المتدفّقة من مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن والكتّاب المحررين، تلك التحليلات التي تقرأ خطاب حملة المرشّح ومشاريعه حرفياً لتصبح نهج سياسته، إن هذا النوع من التحليل لا يرقى ليكون صحيحاً لسببين: الأول بأنه قد يثبت بأنها غير دقيقة تماماً، ثانياً بأنه يتجاهل العمل الذي يجب القيام به بدءاً من الآن لجعل السياسة الأمريكية إزاء سوريا تتسق مع وعد السيد ترامب "بجعل أميركا بلداً عظيما لمرة أخرى".
إن خطاب الحملة السياسية ليس مؤشّراً لما سيفعله الفائز ما إن يقوم بأخذ اليمين الدستوري، ليصبح الأمر مقتصراً على تصريحاته إزاء سياسته في أثناء حملته الانتخابية، فقد كانت هناك جوانب ثانوية لمسألة أكبر: رغبة ترامب في إثارة تمرّد انتخابي شعبي ضد النخب السياسية الخارجية والمؤسسة السياسية في البلاد بشكل عام، والفكرة هي أن خصمه كان عضواً في كليهما على حد سواء، وفي هذا حصل على مساعدة من انخراط إدارة أوباما في تصريحاتِها الدفاعية لنفس الهدف، المستندة على انتقاد سياسة البيت الأبيض الخارجيّة من قبل موظّفها بن رودس.
وعندما أعربت وزيرة الخارجية السابقة كلينتون عن دعمها لفرض منطقة حظر جوي في سوريا لحماية المدنيين السوريين، أجاب ترامب بطريقة تتّفق مع موضوعه الأوسع نطاقاً بأن: "لدينا مشاكل حقيقية هنا في الداخل"، ولذلك فقد ترك الأمر لروسيا ونظام الأسد لمحاربة تنظيم "الدولة"، بل وحتى دعمهم في هذا المسعى، سواء أعلم ترامب ذلك حينها أو أنه بات يعرف الآن بأن روسيا والأسد ركّزا قوة نيرانهم ليس على التنظيم الإرهابي ولكن على المدنيين السوريين أم لا، فقد كان حينها يقوم بمحاولة إبراز رسالة تتّسق مع إدراكه بأن الكثيرين في جمهور الناخبين الأميركيين قد ضاقوا ذرعاً بمنطقة الشرق الأوسط، في حين باتوا أكثر جاهزية على الأقل من حيث المبدأ، لترك المنطقة ومشاكلها للآخرين.
بالنسبة لترامب، فإن سوريا ليست الحدث الرئيسي، فقد كان الاستياء الشعبيّ متجذّراً من المظالم الاقتصادية والاجتماعية، في حين أنّ كل ما كان ليقولَه بشأن سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع، ببساطة لا يمكن له أن يكون متعارضاً مع الغضب والإحباط الذي كان يحاول تسخِيره لأغراض انتخابية.
إن من غير الممكن ببساطة في هذه المرحلة تسليط الضوء على كيفية قيام دونالد ترامب بالضبط بالتعامل مع سوريا كرئيس للولايات المتحدة، في الواقع فإن هذا ينطبق على مجموعة من القضايا، الناتو وروسيا وأوكرانيا، والتجارة، والهجرة، والعلاقات مع العالم الإسلامي وهكذا دواليك، في حين أنه سيبدأ قريباً جداً بتلقّي إفادات استخباراتية مفصّلة، في الوقت الذي سيقوم فيه بالتعاون مع فريقه الانتقالي للبدء في النظر بترشيح أي منهم وتعيّينه لمناصب السياسة الخارجية، عادة فإن الإدارات الجديدة تأتي إلى المكتب مع أسئلة كثيرة أكثر من تلك الأجوبة حول ما يجب القيام به وكيفية القيام بذلك.
إن السؤال الرئيسي حول ترامب، لا يملك أي علاقة على الإطلاق عمّا قاله بشأن سوريا والشرق الأوسط أثناء حملته الانتخابية، ومن ذلك: فهل يعرف ترامب، ما لا يعرفه؟ ذلك الشيء الذي لم تعرفه الولايات المتحدة ولا حلفاؤها وشركاؤها في العالم، ولم تعرفه الإدارة السابقة في البيت الأبيض، إذ كانت هناك إدارتان متتاليتان في البيت الأبيض تدار تفصيلياً من قبل -أميين سياسيين-، وإذا ما كان دونالد ترامب هو المغزى كما كان رونالد ريغان، مع توفير نطاق سياسي أوسع، وتوجيه السياسات على أساس الأهداف بينما تُفَوَّضُ الاستراتيجيات وتنفّذ من قبل المهرة، في حين أن أولئك المرؤوسين على دراية تامة في الإدارات والوكالات الحكومية، فإن الولايات المتحدة لديها فرصة حقيقية لاستعادة سمعتها ومصداقيتها.
من الممكن بالطبع أن تكون السياسة عديمة الروح والاكتراث التنفيذي نحو حماية المدنيين السوريين والتخفيف من العواقب الإنسانية وسياسة القتل الجماعي أن تزيد من الأمر سوءاً، ومما لا شك فيه بأن ترامب سيتعلّم من خلال الإفادات الاستخباراتية العلاقة الحميمة ما بين سياسة العقاب الجماعي على يد بشار الأسد وقوة تنظيم "الدولة" والمتطرفين في سوريا، ومما لا شك فيه بأنّه سيعلم بأن الدعم الروسي والإيراني والمشاركة في القتل الجماعي تدحض معارضتهم المزعومة للإرهاب، على الأقل في سوريا، حيث تشكل سياساتهم دعماً رائعاً لعميلِهم الأسد، لم يكن من الممكن مطلقاً تلخيص أي من هذه الأمور في مقاطع الحملة الصوتية، كما لم يكن يمكن لأي منها أن تتّسق مع موضوع الحملة الملصق على الجدران بكونه سيلبّي مشاكل الجمهور الأمريكي.
مع ذلك، وفي ظهر يوم 20 يناير من العام القادم، فإن دونالد ترامب سيصبح رئيس الولايات المتحدة، ما بين الآن وحينها يجب أن يقوم ببذل جهود مستديمة للعمل مع فريقه على مجموعة واسعة من قضايا السياسة الخارجية، في حين أن القيام بأداء أفضل في سوريا من إدارة أوباما هو أدنى الإيمان، ولكن فعل الأفضل لن يحدث من تلقاء نفسه، ولن ينجم عن الانتقادات الرجعية والتفسيرات المتعددة لخطاب حملته الانتخابية، يقول السيد ترامب بأنه يريد أن يجعل من أمريكا عظيمة لمرة أخرى، إذاً فإن عليه أن يعمل بجدّ، وعلينا إقناعه بأن عظمة الأميركية يجب أن تنعكس في سياستنا تجاه سوريا والتي ستعكس القيم والقوة الأميركية الحقيقية.
*فريدريك سي هوف: مدير المجلس الأطلسي في مركز رفيق الحريري لمنطقة الشرق الأوسط.