التلغراف - (ترجمة بلدي نيوز)
بالنّظر للوضع في سوريا هناك مئات الآلاف من القتلى المدنيين، ملايين من اللّاجئين والنّازحين والمشرّدين، تدمير كبير للمدن والبنى التحتية، و لربما يبدو الوضع من مسافة مُعقّداً وغير قابلٍ للحل، ولكّن التشاؤم ليس حلّاً، هنالك طريقة للمضي قُدُماً، حيث تمّ إعدادها وتقديمها في خطة لسوريا الجديدة، التي أطلقناها في لندن يوم أمس بحضور بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني، وغيره من ممثلي المجتمع الدولي، وكنقطة انطلاق للانتقال من عصر الدكتاتورية العسكريّة والدولة البوليسيّة، إلى عصر الديمقراطية والتسامح نطالب برحيل بشار الأسد وأعوانه.
إن سبب المأزق الحالي والطريق المسدودة التي وصلنا إليها، يكمن في الاستمرار بانتهاك القانون الدولي من قبل نظام الأسد وحلفائه، لقد طرحنا رؤيةً إيجابيّةً للتفاوض، ولكن الأسد ليس لديه أي رؤىً لسوريا غير المزيد من القتل والدمار، واللجوء إلى الفظائع أملاً في عرقلة العملية التي ستبشّر في التحول والتّغيير.
وعلى أساس أن هذه اللحظة بالغة الأهمية في تاريخ سورية تتطلب التضحية، والبراغماتية والشجاعة مع الالتزام بالمبادئ بنفس الوقت فقد اتّخذت المعارضة السورية، الممثّلة باللجنة العليا للمفاوضات قراراً استراتيجيّاً لمواصلة العملية السياسية من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تدعم الجهود الدولية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي، كما أننا ندعو إلى التّنفيذ الكامل للأحكام والقوانين الإنسانية في قرار الأمم المتحدة رقم 2254 برفع الحصار عن المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، والإفراج عن المعتقلين ووقف القصف الجوي والمدفعي وكذلك جميع الهجمات المُطبّقة على المدنيين.
إن المعارضة السورية والتي تخوض معركة شرسة ضد الجماعات التي تستغلّ مشاعر الكراهية والطائفية والمتورّطة في عمليات التهجير القسري والقتل الجماعي، هي جزء أساسي للحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، إذ ومنذ نشأتها دعت لجنة المفاوضات العليا إلى "المواجهة الفكرية" في دعم الجهود العسكرية، والقضاء على الحاضنات الأيديولوجية والتنظيمية للتطرف والطائفية والاستبداد.
وكما قال بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني، "ليس من دافع التقوى أو الورع أن نقوم بدعوة الأسد للتنحّي عن السلطة، ولكن لا يمكن للأسد مطلقاً أن يكون له أي دور في الحكومة المستقبلية في سوريا الجديدة، لأنّه ولطالما كان الأسد في السلطة في دمشق، لن يكون هنالك من سوريا لحكمها".
تتطلّب هذه المواجهة نقل الشّباب للخروج من تلك البيئة التي تعزّز الفكر المتطرّف، وذلك من خلال توفير مناطق آمنة للمدنيّين وتمكين عودة اللّاجئين والمهجّرين داخلياً، كما تضع رؤية لجنة المفاوضات العليا أيضاً برنامجاً للمصالحة الوطنية، وآليات لردع الأعمال الانتقامية، وإطاراً للهوية الوطنية والوحدة، إلى جانب ذلك هنالك حاجة لبرنامج اقتصاديّ لإعادة بناء البنية التحتيّة واستئناف الخدمات لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة.
لقد سعت لجنة المفاوضات العليا لتمثيل كلّ تطلّعات الشعب السوري، فقد بيّنا بتفصيل دقيق مقترحاتنا للتحوّل الديمقراطي في سوريا، والذي سيبدأ بانتقال السلطة إلى الهيئة الرئاسية الانتقالية الشاملة والخاضعة للمساءلة، والتي يتواجد فيها أعضاء من المعارضة والنظام من أولئك الذين لم تتلطّخ أيديهم بالدماء ليتمّ تقاسم السلطة فيما بينهما، وستختتم المرحلة بانتخابات محليّة حرّة ونزيهة، وانتخابات برلمانية ورئاسية، تنتهي باعتماد دستور دائم للبلاد.
لا يمكن للسوريين وحدهم الخوض في معركة تحريرهم، إذ ينبغي على المجتمع الدولي لعب دوره الأساسي في تطهير التأثيرات الخارجية التي تؤدي إلى تفاقم معاناة السوريين: وخاصة تلك الدول التي تقف علناً إلى جانب النظام وتحرّضه دونما خجل على ارتكاب الفظائع على مرأى من العالم بأسره.
وطالما أن هنالك بلدان أخرى تقف موقف المتفرج، مُخفِقَةً في وقف جرائم النظام الذي فقد شرعيّته، والذي أصبح يعتمد في بقائه على الدّعم العسكري الأجنبي، ستستمرّ معاناة شعبي.
إن استعادة الأمن وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة داخل سوريا، سيكون له في الوقت نفسه، تأثير كبير على تعزيز الأمن الإقليمي والدولي، ومعالجة أزمة اللّاجئين المتفاقمة في جميع أنحاء أوروبا، والتهديد المتزايد من تجنيد المزيد من الشباب اليافع لصالح تنظيم الدولة.
إن الطريقة الوحيدة لهزيمة تنظيم الدولة، تكمن في أن تكون هنالك حكومة حقيقية في دمشق تشارك المجتمع الدولي ذات القيم، أعلم بأنها ستكون عمليّة صعبة وشاقّة، ولكن المستقبل الجديد لبلدنا أصبح الآن في متناول أيدينا.
-الدكتور رياض حجاب، المنسّق العام للجنة المفاوضات السوريّة العليا.
