أتلانتيك كانسل - (ترجمة بلدي نيوز)
إن أكثر من نصف سكان سوريا في فترة ما قبل الحرب، أصبحوا الآن مُدرَجِين تحت إحدى هذه الفئات التالية: أموات، محتضرون، ذوو احتياجات خاصة، معذّبون، مفقودون، مروّعون، مصابون بصدمات نفسية، محاصرون، مرضى، جائعون، مشرّدون، ونظام بشار الأسد هو المسؤول عن الجزء الأكبر من هذه الإجرام المستشري، وعديم الرحمة.
ولكن إدارة باراك أوباما، وإذا ما بقيت على مسارها الحالي، ستصل لظهيرة يوم 20 من يناير 2017، دون أن تكون قد دافعت عن مدني سوري واحد من همجية الأسد وروسيا وإيران، تلك النتيجة التي كان من الممكن تجنّبها تماماً، قد تخدم كذلك في تعريف السيد أوباما وإنجازاته في الداخل والخارج بصرف النظر عن فشله كرئيس.
لقد قدّم الرئيس أوباما للمؤرخين أدلة دامغة ومهمّة في مختلف مقابلاته حول موضوع سوريا، واصفاً تجاوز خطه الأحمر في سبتمبر من عام 2013 -تلك الضربة القوية لمصداقية الولايات المتحدة والتي لم تغب عن بوتين روسيا، كلحظة رئاسية اعتبرها أوباما مدعاة للفخر، والتي ليس من المرجح لها أن تثير استحسان النقّاد في العقود القادمة، في حين يواصل المتحدّث باسم البيت الابيض جوشوا إيرنست انتهاك القاعدة الأولى للخروج من حفرة كنت قد قعت فيها: أوقف الحفر!
وفي مؤتمر صحفي له في 25 من آب/أغسطس 2016 سألت الصحافة السيد إرنست حول فشل الإدارة الأمريكية في حماية المدنيين السوريين في مواجهة ما وصفه بـ "الاستخدام غير المعقول للعنف ضد المدنيين من قبل نظام الأسد"، وأوضح إرنست مجيباً وذلك باستخدام اللغة التي تعرف بـ"خواء" سياسة الإدارة، على النحو التالي: "لكن نهجنا إزاء نظام الأسد كان منذ البداية لإيضاح أنه فقد الشرعية لقيادة البلاد."، مُدّعياً في الجملة بأسلوب يكاد يكون تمنّياً: إن "روسيا تشاركنا بهذا التقييم،"، كما اقترح إرنست حينها بأن الطريق إلى الأمام نحو إنهاء القتل الجماعي هي أن ترقى لموسكو إلى مستوى التزاماتها وكبح جماح عميلها القاتل، حيث غاب عن خاطره الحقيبة الروسية الخاصة المتزايدة من جرائم الحرب في سوريا.
في الواقع إن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الأسد في سوريا (كبديل لتنظيم الدولة في سوريا) تكمن في رغبتها في استيعاب إيران كشريك كامل في بقاء استراتيجية نظام الأسد في القتل الجماعي، بحيث أن الاتفاق النووي في 14 من يوليو 2015 يمكنه الصمود في رئاسة أوباما، وفي حالة تنظيم الدولة، أشار إرنست بكل فخر جلي بأن الولايات المتحدة قامت بنشر قوات لها على الأرض في شرق سوريا، وهي في حالة حرب مع جماعة إرهابية هناك، وأما في حالة تعرض المدنيين السوريين لجرائم الأسد فليس هنالك أدنى قدر من الحماية، ومع ذلك فقد كان لدى السيد إرنست ذريعة واضحة لا تنطبق على تنظيم الدولة: ألا وهي مستنقع العراق في عام 2003.
كما أضاف إرنست قائلاً، "لقد حصلنا على حالة لاختبار الأمر، فقط عبر الحدود في العراق حول ماهية العواقب التي ستترتب على الولايات المتحدة إذا ما قامت بتنفيذ سياسة تغيير النظام ومحاولة فرض حل عسكري على الوضع" كما ذهب إرنست للقول مضيفاً: "انظروا، حتى الآن فإن هنالك بعض الأشخاص الذين يشيرون إلى أن على الولايات المتحدة بطريقة ما أو بأخرى أن تغزو سوريا".
إنه لعارٌ على وسائل الإعلام السماح باستمرار هذا المتظاهر للخروج على الشاشات دون أي منافس، إذا ما سئل السيد إرنست، لن يكون قادراً على تسمية أي شخص يقوم بإسداء المشورة حول غزو سوريا، إن السيد إرنست لن يكون قادراً، إذا ما طلب منه ذلك، أن يشرح لماذا يكون القيام بإجراءات عسكرية محدودة تهدف الى إنهاء القتل الجماعي للأسد والإفلات من العقوبة، مثل تلك التي يقترحها 51 من المعارضين من ضباط وزارة الخارجية، أمر مبالغ فيه في "تغيير النظام" و"يحاول فرض حل عسكري"!، في الواقع، إذا ما تم تحدّي السيد إرنست فإنه سيكون حينها مضطرّاً لسحب دعواه الباطلة اللاحقة، والتي قال فيها أن ليس هنالك أحد من منتقدي سياسة الرئيس في سوريا قام في أي وقت مضى بتقديم بدائل عمليّة ممكنة لهذا النهج الكارثي المستخدم.
إن النقطة هنا هي لا تتجلى في الحط من قدر جوشوا إرنست، إذ إنه لا ينافق كوكيل حر، بل إنه يفعل ذلك نيابة عن الرئيس، والذي هو غير مستعد ليقول شيئا مثل ما يلي: "انظروا، إنني أدرك ماهيّة الكارثة في سوريا، إنها الرجس الإنساني الأبرز في القرن ال21، كما أنني أعلم أن روسيا وإيران قد قامتا بتمكين تلك العائلة الدنيئة وعصاباتها المرافقة والمقرّبة منها وتشجيعهم على ارتكاب جرائم القتل الجماعي وإرهاب الدولة، لقد قرأت كل المعلومات الاستخباراتية حول تعمّد روسيا لاستهداف المستشفيات المدنية، أستطيع الآن أن أرى آثار الهجرة الجماعية من سوريا على حلفائنا الأوروبيين وحتى على الولايات المتحدة بنفسها في عام الانتخابات هذا، لقد فهمت كل شيء: جيل ضائع من الأطفال السوريين والأشخاص الذين قصفوا دونما هوادة، وأمطرت عليهم البنادق بوابل رصاصها، الأشخاص الذين تعرّضوا للاعتداء الجنسي، والتجويع حتى الموت على أيدي ما تسمى بقوات حكومتهم، إن ما أريده من الجمهور أن يفهمه هو أنه كان علي اتخاذ أصعب الإجراءات كرئيس، أعتقد أن الاتفاق النووي مع ايران حال دون اتخاذ أي اجراء عسكري، وأخشى أنه إذا ما قمت باستخدام صواريخ كروز أو بتوريد أسلحة مضادة للطائرات لجعل الأسد يدفع ثمن ارتكابه لجرائم القتل الجماعي، فإن الزعيم الأعلى للثورة الإيرانية والذي يرى الأسد بكونه العميل الذي لا يقدّر بثمن، سيقوم بإحباط وعرقلة الاتفاق النووي، لربما أكون مخطئاً ولكن هذا هو الخيار الذي اتخذته، وهذا هو السبب لدفع الأموال الطائلة لي!".
من شأن بيان مشابه لما سبق أن يوفّر منصّة مفيدة للنقاش، كما سيجنّب السيد إرنست عناء تقديم الذرائع والأعذار الكثيرة والتي يعلم بالتأكيد بأنها ليست صحيحة ومضللة.
إن وجهة النظر هنا هي أن هنالك خطأ فادح قد تم ارتكابه: ذلك الخطأ التي تقوم باستغلاله بالكامل كل من روسيا وإيران، والتي ليس من المرجح لها أن تتخلى عن الاتفاق النووي اذا ما ضرب عميلها في سوريا، في الواقع، فإن المرشد الأعلى لربما كان مذهولا بنفسه وكأي شخص آخر من السلبية الأمريكية في مواجهة ذبح المدنيين الذي يعتبر إبادة جماعية من حيث الآثار والنتائج.
إن تقاعد (رجل القش) "أوباما"، ووضع القضية الحقيقية على الطاولة ينبغي أن تكون أولوية عالية، حيث أن القيام بذلك لربما يساعد فعلاً في النهوض بقضية الديمقراطية والحكم الذاتي في أمريكا.
-فريدريك سي هوف: مدير المجلس الأطلسي في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط.