بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
مقدمة:
تحكمت في فصائل المعارضة المسلحة عوامل مختلفة داخلية وأخرى خارجية رسخت انقسامها وتشرذمها وعجزها عن إيجاد صيغة تنظيمية تجمعها في كيان عسكري موحد, فالتنافس البيني على النفوذ المتعلق بالنشأة وبالعامل الإقليمي والتخبط في إدارة المناطق المحررة وتداعيات ذلك على الحاضنة الشعبية, ترك أثرا واضحا على سير المعارك في الجبهات المختلفة بعد التدخل الروسي العسكري وانحسار المناطق المحررة لصالح قوات نظام الأسد في مدينة حلب وريفها .
ويمكن إجمال نقاط التقرير بالتالي:
أ - الواقع العملياتي للمعارضة المسلحة في محافظة حلب
ب - أهم الفصائل المعارضة المشاركة في معارك حلب
ج - التباين بين فصائل المعارضة ونزوعها نحو الوحدة العسكرية.
وفي التفاصيل:
- يعالج هذا التقرير الواقع العملياتي للمعارضة المسلحة في الشمال السوري في محافظة حلب التي استقطبت كل أطراف الصراع في المشهد السوري, باعتبار معركة مدينة حلب وريفها إستراتيجية في رؤية روسيا وحلفائها .
وفي ريف حلب الشمالي يحتدم الصراع بين الجيش الحر ووحدات الحماية الكردية في ظل هزائم متكررة لتنظيم الدولة "داعش" في سباق دولي وإقليمي محموم تحت عنوان "الحرب على الإرهاب."
نعرض في جانب من هذا التقرير المشهد الميداني في جبهات حلب المختلفة (طريق الكاستيلو - فتحة الراموسة – جرابلس).
- وفي المحور ذاته نتوقف عند أهم الفصائل المسلحة المشاركة في جبهات حلب, والحوار المحموم نحو إيجاد صيغة جامعة لها على مستوى الاندماج العملي وفق رؤية سياسية وفكرية وعسكرية مشتركة ...
- تأتي هذه المحاولة للتركيز على الفصائل العسكرية المسلحة بمختلف تياراتها, ونزوعها في الانتقال من حالة التشظي والتشرذم المتجذر في الجسد العسكري إلى البحث عن صيغة وحدودية جامعة لها نتيجة الانكسارات العسكرية والضغط الشعبي المتزايد لتغيير موازين الميدان .
- الواقع العملياتي لفصائل المعارضة المسلحة:
تبسط المعارضة المسلحة سيطرتها على أجزاء واسعة في ريف حلب الجنوبي, بينما تسيطر قوات نظام الأسد والميليشيات الطائفية على الجزء المتبقي من ذات المنطقة (الحاضر, جبل عزان, السفيرة) . بينما تنفرد فصائل المعارضة بالسيطرة على كامل الريف الغربي. وتتقاسم بالتساوي مع قوات نظام الأسد السيطرة على حلب المدينة .
وفي الريف الشمالي تتداخل السيطرة بين الجيش الحر (مدينتا إعزاز ومارع المتصلتان عبر معبر ضيق) وتاليا السيطرة على مدينة جرابلس وبعض القرى في ريفها الجنوبي والغربي في عملية درع الفرات. أما قوات الحماية الكردية فاستولت على (عفرين, وبلدات تتبع إعزاز مثل تلرفعت ومنغ) بغطاء جوي روسي, فيما يقع الريف الشرقي لحلب كاملا في قبضة تنظيم "الدولة".
جاء التدخل العسكري الروسي في سبتمبر أيلول عام 2015 م ليفرض واقعا جديدا على الخارطة العسكرية من خلال اعتماد الأرض المحروقة في معارك حلب ويفتح عدة ثغرات في الريف الجنوبي والشمالي أمام قوات الأسد والميليشيات الشيعية المتحالفة معه، فتمكنت من إطباق الحصار الكامل على الأحياء المحررة من مدينة حلب بعد استيلائها على طريق الكاستيلو المنفذ الوحيد للقسم المحرر من المدينة بعد معارك طاحنة .
سارعت فصائل المعارضة المسلحة إلى تجميع قواها وتمكنت من كسر الحصار عن المدينة بعد تحرير الخط الواصل بين خان طومان والمدارس العسكرية في منطقة الراموسة في عمل غير ناجز لعدم قدرتها على توسيع الفتحة في منطقة الراموسة المستهدفة بالطيران الروسي على مدى الساعة وبمختلف أصناف الأسلحة الأرضية لتتحول معركة حلب لاستنزاف كافة الأطراف المتصارعة .
التطور اللافت والجديد جاء مع التدخل العسكري التركي في الشمال السوري في تقدم مباشر أمام فصائل من الجيش الحر إلى مدينة جرابلس الحدودية لضرب تنظيم الدولة (داعش), وطردها منها في عملية أطلقت عليها "درع الفرات" وهو أول توغل تركي كبير لقواتها الخاصة في الأراضي السورية لمدينة جرابلس كونها تقع على آخر منفذ حدودي تنطلق منها هجمات "داعش" داخل الحدود التركية، وهي عمليا سباق بين قوات الجيش الحر ووحدات الحماية الكردية. لذلك تقتضي الحاجة التركية بحسب بياناتها, الحفاظ على أمنها القومي المتمثل في منع الأكراد من تحقيق نصر سياسي .
أهم فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري
جيش الفتح: تأسس في 24 آذار عام 2015. يضم أهم الفصائل العسكرية في الشمال السوري وهي: حركة أحرار الشام الإسلامية, جبهة فتح الشام, فيلق الشام, الحزب الإسلامي التركستاني, لواء الحق, جيش السنة, أجناد الشام.
من أهم إنجازاته العسكرية تحرير مدينة إدلب ومعسكري القرميد والمسطومة, إضافة لتحرير مناطق واسعة من سهل الغاب. وفي النصف الأول من العام 2016 م تمكن من تحرير أهم المناطق الإستراتيجية في ريف حلب الجنوبي (تلة العيس وخلصة, وخان طومان والمدارس العسكرية في منطقة الراموسة) بالاشتراك مع فصائل الجيش. ويشارك مع غرفة عمليات فتح حلب في معركة تحرير حلب .
غرفة فتح حلب: على غرار "جيش الفتح"، أعلنت عدّة فصائل عسكرية معارضة عن تشكيل غرفة عمليات جديدة، تهدف إلى السيطرة على مدينة حلب وريفها، وطرد قوات النظام السوري منها.
وفي تسجيلٍ مصوّر، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن كل من فصائل، "الجبهة الشامية"، و"أحرار الشام"، و"ثوّار الشام"، و"جيش الإسلام"، و"فيلق الشام"، و"كتائب فجر الخلافة"، وتجمّع "فاستقم كما أمرت" , و"حركة نور الدين الزنكي "، عن تشكيل "غرفة عمليات فتح حلب"، داعيةً جميع الأطراف العسكرية في حلب لـ"الانضمام إليها". هذه التشكيلات والتجمعات الهشة شهدت حالات انسحاب بعض الفصائل واستقطاب فصائل أخرى, وغياب ألوية عن المشهد العسكري لخلافات بينية إيديولوجية وتمويلية. ما حدا بالفصائل الشمالية للبدء بحوار نحو البحث عن صيغة تجمعهم في جسم عسكري موحد.
فصائل المعارضة المسلحة المتباينة ونزوعها للوحدة العسكرية
أمام مشهد تشظي المعارضة المسلحة في ضوء الصراع الدولي المحموم, وفي ظل التوافقات الروسية - الأميركية المستجدة على تشكيل المنطقة, تحاول الفصائل المعارضة تغيير أدواتها واستحداث أخرى تتناسب والتطورات القائمة المتمثلة بمحاولة تصفية الثورة السورية, وإعادة تدوير نظام الأسد, فجاء حراك الفصائل المسلحة وفق التجاذبات الدولية على عدة مستويات:
*على الصعيد العسكري: سارعت أكبر قوتين عسكريتين للمعارضة المسلحة بتفعيل غرفتين عسكريتين (غرفة عمليات جيش الفتح, غرفة عمليات فتح حلب), ونجحت الغرفتان في تحقيق انتصار غير ناجز في فتح ثغرة الراموسة وكسر الحصار عن مدينة حلب المحاصرة, وتحقيق أهدافها المعلنة في تحرير كامل مدينة حلب, فراحت تبحث عن خطوة استكمال إعادة هيكلة حقيقية للفصائل في جسم عسكري واحد بعد انفكاك "جبهة النصرة" عن تنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها, وذلك لسحب ذرائع قصف المدنيين بحجة مكافحة الإرهاب. وبرزت أهمية التنسيق البيني العسكري في معارك حلب الأخيرة وهذه الخطوة لم تعد كافية نتيجة الضغط الشعبي لإيجاد صيغة عسكرية موحدة, ورغبة غالبية العناصر المنضوية تحت رايات الفصائل المختلفة التوصل إلى جسم عسكري موحد يضم كبرى فصائل المعارضة المسلحة التي تشكل في حال اجتماعها ثلاث فرق عسكرية تملك عتادا مختلفا, ويدور بين قادتها حوارات تقترب من تشكيل عسكري جديد, للاندماج في جسد واحد, نتيجة الحاجة التي تأتي بعد تجربة التشرذم والتشظي التي أضرت بالثورة أولا وبالفصائل ثانيا, فالداعم الإقليمي وتحوله إلى لاعب أساسي في المشهد الفصائلي رسخ عملية التجزئة في خطوة امتلاك القرار الوطني المستقل.
*على الصعيد الإستراتيجي
التشكيل الجديد في الحوار القائم بين الفصائل يختلف عن تجارب سابقة على مستوى التنظيم فهو لا يشبه تجربة "جيش الفتح"، أو غرفة فتح حلب, إنما تشكيل يعني الانصهار الكامل بعدده وعدته وسيكون له ذراع عسكري واحد ومؤسسات ناظمة, وإدارات متخصصة بحسب ما يذكره المتحاورون .
هذا التوجه لا يمكن الوصول إليه بدون الانقلاب الكلي, فالتباين جلي وواضح بين الفصائل من حيث:
- المرجعية العقائدية المؤدلجة, والفكرية للفصائل المسلحة .
- عدد العناصر لدى كل فصيل والعدة التي يملكها .
- التمويل المختلف لكل فصيل وأثره السلبي على امتلاك القرار المستقل .
- إقصاء الحاضنة الشعبية التي هي أس الثورة وعدم إشراكها في الحوار الدائر بين قادة الفصائل.
يقابل هذا التباين مقاربات جامعة لتلك الفصائل ودافعة لتحقيق المشروع المنشود ويتمثل بالتالي:
- إسقاط نظام الأسد, أهم العوامل المشتركة لهذه الفصائل, لذلك لابد من مواجهته بجسم عسكري موحد .
- النزعة لدى قادة وعناصر الفصائل في عملية الاندماج والانصهار .
هذه المقاربات غير كافية إلا بالإجابة عن الأسئلة أدناه:
- أين عامل التمويل في عملية التوحد؟
- هل هذا التشكيل مستقل أم يتبع أجندات خارجية؟
- ما هي طرق إمداد التشكيل؟
- كيف يتم توزيع الغنائم؟
-التقاسم السياسي؟ السلطة لمن, وكل جهة ما الذي ستحصل عليه مقابل التخلي عن إمرة قواتها؟
إن توصل المتحاورون للإجابة عن كل هذه الأسئلة, يتعين عليهم استكمال الخطوات التالية:
- طرح التشكيل الجديد على الحاضنة الشعبية من خلال القوى المدنية المتمثلة بالمجالس المحلية المنتخبة شعبيا أو المعينة مما يعزز شرعية التشكيل الجديد .
- اعتماد نظام داخلي يحصر مهام التشكيل الجديد في حماية الجبهات والابتعاد عن الأعمال المدنية .
- الجيش الحر نموذج وطني كأول تشكيل عسكري مناهض, يعتبر القاعدة الشرعية التي هددت نظام الأسد بالسقوط .
- اعتماد الصيغة الوطنية في أي تشكيل جديد يحافظ على الجمهورية العربية السورية, جيش وطني حر.
-علم الاستقلال .
إن نجح الحوار الدائر في تذليل العقبات السالفة والتوافق على المبادئ الوطنية الجامعة, فسيكون التشكيل الثوري العسكري الجديد الذي تقوده هيئات مدنية وتخدمه وتحميه قوى عسكرية شعبية موحدة هو البديل السياسي لنظام الأسد القائم.
خاتمة
بالنتيجة "فالمعارضة السورية المسلحة" عرفت تحولات كثيرة اتجهت في مجملها نحو الانقسام، فبعد أن كان هناك "جيش حر" موحد، حصل الشرخ وتفرعت عنه تدريجيا فصائل مسلحة تتفاوت درجتها في الأدلجة فضلا عن أزمات المعارضة السورية المسلحة الأخرى التي ما زالت تعاني مشاكل التشتت والانقسام والتفريخ المتتالي.
وما يجري من حوار محموم بين الفصائل تحت مسميات وتشكيلات مختلفة في عملية انتقال تنظيمية نحو الاندماج الكلي في جسم عسكري موحد هو أمر ليس بالعسير إذا ابتعد المتحاورون عن العامل الإيديولوجي السبب الرئيسي للانقسام وتشتت الفصائل المعارضة، في الوقت الذي تقترب فيه الثورة السورية على نظام الأسد من إكمال عامها السادس ولا تزال أحلام الثوار تراوح مكانها.
وتطرح العديد من التساؤلات عن حقيقة وأهداف الحوار القائم بين قادة هذه الفصائل .