بلدي نيوز - (نور مارتيني)
شهد الشمال السوري مؤخراً، في محافظتي حلب وإدلب على وجه التحديد، هجمة شرسة شنّها الطيران الروسي بالدرجة الأولى، ومن بعده طيران النظام السوري، كما لا يخلو الأمر من تسجيل حضور بالنسبة لطيران التحالف.
تركّزت الهجمات على البنى التحتية، والنقاط الطبية والمستشفيات، واستهدفت معظمها التجمعات السكانية الضخمة، من أسواق وأفران ومراكز لتوزيع المساعدات الإغاثية، ما تسبب بزيادة دراماتيكية في أعداد الشهداء.
ومع خروج العديد من المنظومات الإسعافية من الخدمة، وتضاؤل حجم الخدمات الطبية المقدّمة من قبل من تبقى من المنظمات الطبية العاملة على الأرض، تتفاقم معاناة الناس في تلك المناطق، وتزداد نسب الوفيات والإعاقات في صفوف من آثروا البقاء، رغم الدمار.
حول الواقع الطبي لمحافظة إدلب، يقول الطبيب "معاوية الأحمد"، وهو أحد الأطباء العاملين في مدينة إدلب "أسفرت الهجمات الأخيرة عن خروج عدد من المراكز الطبية، والنقاط الطبية، وعدد لا بأس به من سيارات الإسعاف، من الخدمة، فعلى سبيل المثال، وخلال الهجمات المتتالية التي شنها الطيران الروسي على المدينة، تركزت الهجمات على المشافي كالمشفى الوطني، ومشفى ابن سينا، وتضرّر عدد كبير من السيارات التابعة للهلال الأحمر، ومنظومة (شام) الإسعافية"، ويوضح د.الأحمد أن الضربات الأخيرة "أسفرت عن خروج جهاز التصوير الطبقي المحوري من الخدمة، وهو ما اثّر على مرضى الحالات الباردة، والعصبية منها على وجه التحديد، حيث بات المريض مضطراً للتوجّه إلى قری قرب الحدود التركية حيث يتواجد جهاز التصوير الطبقي المحوري، الوحيد المتبقي في المحافظة بأسرها".
في السياق ذاته، يقول د.معاوية الأحمد "كوني أعمل في العيادات الداخلية، فقد تراجع حجم عملنا نظراً لنزوح معظم الأهالي من المدينة، ولأن الحجم الأكبر من العمل كان منوطاً بقسم الجراحة، ولكننا لم نتوقف عن استقبال الحالات أياً كان المرض، ومهما يكن بسيطاً، فمشكلتنا هي مشكلة معدّات أما الكوادر البشرية فهي كافية لتغطية احتياجات مشافي المدينة، حيث يوجد العدد الأكبر من الأطباء داخل مدينة إدلب".
ولفت الأحمد إلى أن الأهالي تأثروا بشكل كبير، بسبب الحجم الهائل للدمار الذي تخلّفه الطائرات الروسية، والتي تنسف عدداً هائلاً من الأبنية في كلّ غارة تنفذها، وأن غارة واحدة على حي الضبيط أودت بحياة 30 شخصاً دفعة واحدة، ناهيك عن نوبات الهلع والهيستيريا التي بدأت تصيبهم، والتي تستغرق وقتاً للشفاء منها.
من جهة أخرى، يؤكّد الطبيب "حكيم رمضان" المدير الطبي في مديرية صحة إدلب، أنّ الكوادر العاملة في المحافظة عملت على "التغلب على الوضع الحالي بإقامة عيادات متنقلة، وأخذ الحذر من هجمات الطائرات، باللجوء إلى الأقبية لمواصلة العمل الطبي وإجراء العمليات الجراحية للأبرياء الذين يتعرضون لإصابات بليغة"، لافتاً إلى أنّه من وجهة نظرهم في المكتب الطبي؛ فإن الحلول الوحيدة المتاحة بالنسبة لهم في ظل هذه الظروف العصيبة، تعتمد على التواصل مع الجهات الداعمة في المجال الانساني "الطبي" من قبل مديرية صحة إدلب، لإنشاء منشآت طبية، مجهزة بكافة المعدّات الطبية، وغرف العمليات تحت الأرض كي لا تتوقف أعمال إنقاذ المصابين، ولا يتعرض الكادر الطبي للإصابة أو الموت.
وبيّن د. رمضان أنّ "أعداد الأطباء في المحافظة تراجع بنسبة كبيرة بسبب استمرار القصف الجوي، حيث لم يبق أطباء يستطيعون تغطية أعداد كل المصابين الذين يتعرضون للقصف"، مشيراً إلى أنه "يقدّر عدد جميع الأطباء الموجودين حالياً في محافظة إدلب، ممن يعملون بشكل مستقل في عياداتهم المأجورة، وفي المشافي المدعومة، والتي تنسق مع مديرية صحة إدلب بنحو 500 طبيب".
وحول خصوصية الوضع في مدينة سراقب التي ينتمي إليها د. رمضان، والتي تتمتع بموقع استراتيجي هام، كونها عقدة تتوسط محافظات حلب، وإدلب، وحماة، يلفت د.رمضان إلى أنه "على عكس المعتاد، لم تنسحب الكوادر الطبية من سراقب وأصرّت على مواصلة عملها الإنساني في أماكن غير معروفة للطائرات، داخل سراقب وفي محيطها" .
كما يوضح د. حكيم رمضان أنّ "عدد الضحايا قد انخفض، رغم ازدياد القصف لأنّ معظم أهالي المدينة قد نزحوا نحو أماكن أقل خطورة في محافظة إدلب".
ومنذ مطلع العام الحالي، وبعد التسريبات التي انتشرت حول تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، بإنهاء المعارضة السورية، لم تتوقف الاعتداءات السافرة على المؤسسات الطبية في الشمال السوري، ومع الانسحابات المتزايدة للمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، يتحول الشمال السوري إلى منطقة منكوبة برعاية دولية.