بلدي نيوز – (نور مارتيني)
تصادف اليوم الذكرى الثالثة لمجزرة الكيماوي، التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين العزّل، في غوطتي دمشق الشرقية والغربية؛ هذه المجزرة المروعة التي ذهب ضحيتها زهاء 1500مدني، معظمهم من النساء والأطفال.
تستحضر "بلدي نيوز" هذه الذكرى المؤلمة، وتعرض لشهادات بعض الشهود ممن خرجوا على قيد الحياة من هذه المجزرة، وما تبعها من مجازر، وتظهر الشهادات حجم المعاناة التي عاناها هؤلاء الناس، والعذابات التي شهدوها.
حول أحداث ذلك اليوم، يقول الشاب "قاسم زيدان"، من أبناء مدينة "عربين"، وهو أحد المصابين الذين كتبت لهم النجاة، والخروج سالمين من تلك التجربة الأليمة: "كنت جالساً في شقتي مع بعض أصحابي، وفجأة بدأ أحد الأصدقاء يقول إنه يعاني من ضيق في التنفس، وراح يسعل سعالاً بدا أولاً أنه مصطنع لمدة خمس دقائق، وبعدها بدأنا نحن الأربعة نحس بذلك، وفجأة نطق أحد أصدقائي وهو من الثوار المسلحين وصاح (كيماوي..ليضع كل واحد منكم خرقة مبلولة ويحطها على وجهه)".
يتابع قاسم سرد أحداث ذلك اليوم العصيب، كيف التزموا جميعاً بتعليمات ذلك الشاب فيما عداه، ويستطرد: "كنا جالسين في أحد الأقبية، فوراً صعدنا إلى الطابق الثاني، وعندها بدأ الصراخ يعلو في الشارع :(كيماوي يا شباب..هل من أحد هنا؟)، وهنا بدأت صرخات المسعفين تملأ الشوارع، وبدأت المساجد تنادي الأهالي بالصعود الى الطوابق العليا ووضع أقمشة مبلولة على الوجه"، ويضيف: "خليط من الأصوات يجعلك تحس برعب غير طبيعي، فورا نزلت أنا والشباب وصرنا ندق على الأبواب لنسعف الناس، وغالباً كنا نكسر باب البيت لنكتشف أن أهل البيت ماتوا مختنقين"..
ويروي "قاسم زيدان" كيف راحوا يحملون المصابين ويسعفونهم إلى النقاط القريبة (عربين ودوما وحمورية)، مؤكّداً أنّ حصة عربين كانت هي الأكبر من حيث عدد الحالات الإسعافية، ثم يردف قائلاً: "حوالي الساعة الرابعة صباحاً أغمي علي في النقطة الطبية، بعد أن أسعفت عائلة، وذهبت في غيبوبة لم أصح منها حتى الساعة 6مساء، وبقيت حتى الساعة 12 من ظهر اليوم التالي أشعر بصداع فظيع، حينها فقط أخبروني أن رفيقنا محمد الذي نصحنا بأن نضع قطعة قماش مبلولة على وجوهنا، قد استشهد، وفوجئت وقتها بعدد الشهداء"..
مشيراً إلى أن الأيام التالية للمجزرة شهدت أعمال البحث عن الأهل والأقارب بين القبور وفي النقاط الطبية.
"أكرم أبو طيبة"، وهو أحد العاملين في مستوصف عربين، والذي كان يوثق ويؤرشف الإصابات التي كانت تصل إلى النقطة الطبية التي يعمل فيها، يقول: "كنت أقوم بعمليات التوثيق والتصوير والإسعاف وحتى تكفين الشهداء، وقد قمنا بتوثيق 240 إصابة في مشفى عربين وحدها، بينهم 88 شهيداً بين أطفال ونساء ورجال"، ويتابع "أبو طيبة": "تؤلمني كثيراً تلك الذكرى، أحاول أن أهرب منها كلما خطرت ببالي، أكثر الإصابات كانت لنساء وأطفال، والضحايا كانوا في الأغلب من الأطفال، قليل جداً هو عدد الأطفال الذين نجوا، أحد الأشخاص كان لديه 5 أطفال أعمارهم بين السابعة والرابعة عشرة، خسر ثلاثة منهم في مجزرة الكيماوي"، ويصف"أكرم أبو طيبة" حالات الهستيريا التي أصابت الناس، والصدمات النفسية، وكيف أن عدداً من الممرضين ممن أصيبوا أثناء المجزرة، أغمي عليهم نتيجة الإصابة، وكيف فقدوا الذاكرة لمدة لا بأس بها.
فيما توضح "أمل" - وهي إحدى المسعفات اللواتي شاركن في إسعاف المصابين- الأعراض التي غلبت على المصابين، فتقول: "الأعراض كانت عبارة عن صعوبة بالتنفس، واحمرار بياض العين بشكل كبير كأنه أصيب بالنزف، سعال شديد، وخروج الزبد من الفم مترافقاً مع هذيان ببعض الحالات، وحركات لا إرادية باليدين والأرجل في بعض الأحيان"، وتوضح أمل أن طبيعة المصابين كانت متفاوتة بين شديدة الخطورة، أو وفاة مباشرة حسب شدة التعرض للغاز، أو حالات اختناق تمت معالجتها بصعوبة.
وعن الفئات التي كانت مصابة، تؤكد "أمل" أنها غير قابلة للتحديد، لأن الغاز استهدف المدنيين من أطفال،مسنين، شباب ونساء، وحتى حوامل في بعض الأحيان، وأن الإصابات بالغالب كانت لعائلات بأكملها.
أما الوفيات فتوضح المسعفة أنها "لم تكن مرتبطة بفئة عمرية دون أخرى، وإنما كانت حسب شدة التعرض للغاز، لكن الاطفال توفوا مباشرة، بينما الكبار عانوا من أعراض الاختناق مدة أطول".
وأما الأذى الذي تعرض له المسعفون فكان "شديداً نوعا ًما، إذ شهدنا في وقتها الكثير من حالات الإغماء والاختناق، وبعض الوفيات حدثت أمامي لشخصين أو أكثر مع كثير من حالات الإغماء"، وفق المُسعفة.
وتلفت "أمل" إلى أن البعض أصيب بحالات فقدان مؤقت للذاكرة استمرت لمدة ثلاثة أشهر في بعض الأحيان، وأن معظم من شهد المجزرة، سواء أكان من المصابين أو المسعفين، أصيب بحالات صدمة نفسية ولكنها كانت متفاوتة الشدة.
ويرى معظم من شهد "مجزرة القرن"، التي ضربت غوطتي دمشق في 21-8-2013 أن تبعات هذه المجزرة لم تنته حتى اللحظة، ويؤكد جميع العاملون في الحقل الطبي أن المنطقة شهدت ارتفاعاً في إصابات السرطان، وهو ما أكّدته "أمل" التي تعمل حالياً في مركز لمعالجة السرطان وأمراض الدم، ويرون أنه ثمة ارتفاع ملحوظ في نسب تشوّه الأجنة، كواحدة من أخطر النتائج التي أسفرت عنها المجزرة.