أتلانتيك كانسل- ترجمة بلدي نيوز
لسنوات، ركزت سياسة إدارة البيت الأبيض في سوريا على مكافحة الإرهاب، وحتى في الوقت الذي لا تزال فيه "على مضض" لاعباً رئيسياً في جهود التفاوض على تسوية سياسية، وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد عرض البيت الأبيض التعاون مع الجيش الروسي في سوريا، لتبادل المعلومات وتحديد الأهداف الاستراتيجية وتنسيق الهجمات على تنظيم الدولة وجبهة النصرة والتي أعلنت في يوم 28 يوليو عن انشقاقها عن تنظيم القاعدة، وإطلاق اسم جبهة فتح الشام على نفسها.
وقبل أقل من أسبوع مضى، كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد تواصلا تقريباً إلى تفاهم مشترك بشأن سوريا، وإذا ما توصلا إلى أي اتفاق، فإن المجتمع الدولي شهد على الولايات المتحدة تؤيد النهج الروسي اتجاه حل تلك الأزمة في سوريا، فقد بدأ لافروف على وشك أن يصبح الخليفة في العصر الحديث لسيرجي سازونوف، وزير الخارجية الروسي قبل الحرب العالمية الأولى، والذي كان لولا الثورة البلشفية، قد عمل مع الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في مشروع تقسيم الشرق الأوسط، إن شعور لافروف بالنصر أقنعه بأن تغيير الترتيبات الجيوسياسية التي حكمت الشرق الأوسط منذ الاستعمار الأوروبي له، سيكون شأناً بسيطاً جداً.
إن الاتجاه العام للولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة لا يزال يركز على الإرهاب، بينما يقع حلفاؤها الإقليميين في موقف دفاعي، لقد قدمت الولايات المتحدة لروسيا الحرية المطلقة في الرفض بشدة والتعنت لأي اتفاق متعلق بسوريا، لا يشمل الأسد وحماية مصالح روسيا في المنطقة، في حين يركز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تهيئة الشؤون الداخلية لبلاده لتصبح تحت السيطرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وبعد عدم تولي حلف الناتو دعمه عقب إسقاطه للطائرة الروسية، إضافة إلى تعقيد الوضع بدعم الولايات المتحدة للمجموعات الكردية في سوريا، والذين تعتبرهم الدولة التركية مجموعات إرهابية، بالإضافة لسلسلة من التنازلات عن ما أسمته "خطوطاً حمراء" فيما يتعلق بسوريا، وانشغال أوروبا بأزمة اللاجئين وعمليات الإرهابيين في أراضيها، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بدول الخليج والناجمة عن انخفاض أسعار النفط.
تبدو خطة أوباما للعمل مع الروس فخاً سيقع فيه بنفسه، حيث أن تلك الخطة ترسخ الحصار التي فرضته قوات النظام السوري على حلب، كما ستتسبب بهروب الجماعات الجهادية واللاجئين نحو تركيا، إن هذه الخطة هي مقامرة، ومع ذلك فإنها تهدف لتجديد "التهدئة" بين أطراف الصراع السوري، والعودة إلى طاولة المفاوضات على الانتقال السياسي في البلاد.
من ناحية أخرى، فإن الاختلاط، والتكامل، والتنسيق ما بين جماعات المعارضة السورية وجبهة فتح الشام يوفّر ذريعة للأسد للتدخل عسكرياً في تلك المناطق ومهاجمة كافة قوات المعارضة لتعزيز قبضته على السلطة هناك، ولأنه يفتقر إلى القوات اللازمة للسيطرة على تلك المناطق ذات الأغلبية السنية، سيتعين عليه حينها اللجوء إلى الاعتماد على حزب الله والميليشيات الشيعية للقيام بهذه المهمة، وإذا ما نجحت هذه الميليشيات فإن جبهة فتح الشام وغيرها من الجماعات المسلحة، سواء الإسلاميين أو المعتدلين، سيقومون بالتوجه نحو تركيا لحماية خطوط إمداداتهم من هناك، والذي من شأنه أن يتسبب بتكثيف الحرب في تلك المناطق ودفع المزيد من المهاجرين المدنيين نحو أوروبا.
ويبدو بأن المعركة الأخيرة في حلب ساعدت بجزء ما بإنقاذ موقف أمريكا في سوريا عن طريق وضع موسكو في معضلة تأمل أن لا تتكرر أبداً، إن حلب ليست غروزني عاصمة جمهورية الشيشان، المعزولة تماماً عن محيطها، والتي تعاملت روسيا معها على أنها شأن داخلي، إن حلب هي عاصمة شمال سوريا وقضية مهمة بالنسبة للعرب، والإسلام، والأطراف الإقليمية والدولية، وأنصار المعارضة، ولا سيما تركيا والمملكة العربية السعودية، والتي قدمت الأسلحة بوفرة إلى شمال سوريا في الأشهر الأخيرة.
إن بوتين بنفسه قد لا يكون قلقاً إزاء السيطرة على حلب، لأنه لا يشعر بالحاجة إليها لتسجيل نقاط سياسية على الساحة الدولية، ولكن إيران والنظام يشعران بأن السيطرة على حلب هي أمر ضروري لا بد منهم، كما أنهم يقومون بجر بوتين نحو القتال، إن حقيقة أن حلب لن تسقط بسهولة يمكن أن تشجع البراغماتيين المتبقيين في الكرملين أن يحذروا بوتين من أن المدينة قد تضعه في مواجهة مفتوحة مع غالبية العرب والإسلاميين.
إن السياسات الداخلية للولايات المتحدة قد تشجع الإدارة الحالية لاتّخاذ بعض الإجراءات لتجنيب تغطية هيلاري كلينتون لإخفاقات كل من أوباما وكيري في نظر الحزب الجمهوري في السباق الرئاسي الحالي، حيث لم يكن الدافع لخطة أوباما تلك ينبع عن الخبرة، بل كان بشكل مدفوعاً من قبل الأمل في إنهاء النزاع السوري من خلال الوسائل الدبلوماسية، والتي كانت ستفاجئ الحزب الديموقراطي في الانتخابات القادمة إن نجحت، لقد صرّح أوباما مؤخراً بأن نصف شعره الرمادي هو نتيجة للقاءاته من أجل سوريا، بينما يقول العديد من المحللين السياسيين بأن سياسته لعبت دوراً لدعم النظام السوري وداعميه، كما ساعد في وقف 26 شباط للأعمال العدائية في سوريا، في تحقيق مكاسب كبيرة لروسيا في ميدان المعركة، والذي حسّن من وضعها بشكل أفضل في المفاوضات المقبلة.
ولا يزال بوتين مقتنعاً بسياسة القوة لتحقيق فوزه وفوز حلفائه في سوريا، ويبدو بأنه لن يغير من موقفه هذا حتى يقتنع الروس بأن انخراطهم في سوريا أصبح مكلفاً للغاية، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن إجراء مفاوضات مثمرة، يحتاج إلى جعل القتال في سوريا مكلفاً لبوتين، بينما المفاوضات وهي الخيار الأكثر جاذبية، يستدعي تكثيف الدعم لفصائل معينة من المعارضة التي تقاتل في المناطق المحيطة بحلب، بكونه الوسيلة الأكثر استقامة ، والأقل كلفة، للضغط على بوتين.
إن هنالك تقارير مختلطة حول مقدار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للمجموعات المعارضة حول مدينة حلب، مع بعض التقارير التي تشير إلى أن برامج الولايات المتحدة لتسليح المعارضة السورية خفّض من دعمه لفصائل المعارضة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات، في حين تشير تقارير أخرى إلى أن الجماعات المعارضة في حلب تلقّت أسلحة تُخَصّصُ عادة للجماعات التي تقاتل تنظيم الدولة في شرق سوريا، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى التحرك بسرعة لحل الأزمة لأنها تفقد مصداقيتها أمام العالم .
-فراس حنوش : الناشط من مدينة الرقة، والطبيب السابق في منظمة أطباء بلا حدود في سوريا.