بيزنس انسايدر - (ترجمة بلدي نيوز)
إن معركة حلب قد جعلت كل مراقبيها في العالم العربي و الشرق الأوسط وصانعي القرار في الغرب في حالة من التوتر والترقب، فالمعركة قد تكون نقطة تحوّل مهمّة في الحرب الأهلية السورية طويلة الأمد، حيث يقوم تحالف من مقاتلي المعارضة السورية بمحاولة كسر حصار نظام بشار الأسد عن العاصمة التجارية للبلاد، وفي الوقت نفسه، فإن النظام السوري - بدعم من روسيا - يقصف معاقل المعارضة في المدينة التي لا تزال موطناً لأكثر من 250،000 شخص، وفقاً للبي بي سي.
وبفضل مبادرات الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة لتعميق التعاون مع روسيا ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، يمكن اعتبار الولايات المتحدة الآن رسمياً شريكة لروسيا في تلك الضربات الجوية، وهو تعاون تم انتقاده كونه غير متناسق استراتيجياً، كما أنه تصب في مصلحة بوتين.
وكطالبة في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، يهمني القول بأن الجهود الأميركية هي المفتاح الأساسي لذلك المسار العاصف للثورة السورية والتي تحولت إلى حرب في وقت لاحق، ولكن ما هو أقل وضوحاً بالنسبة لي هو مدى إعطاء نهج الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأولوية- لاحتياجات السوريين الفورية الذين يعانون من الحرب والإرهاب، أو لتطلعاتهم من أجل الوصول لتحررهم الذاتي من الحكم الاستبدادي!
وقد ينظر الساخرون لسياسة الولايات المتحدة في سوريا غير مبالين لمحنة وتطلّعات الشعب السوري، والأسوأ من ذلك، فإننا نشهد نموذجاً مصغّراً لترنّح النظام العالمي في سوريا، حيث قلبت الديناميكيات الدولية القائمة منذ فترة طويلة إثر الثورات الشعبية الساعية نحو الحرية والكرامة، فيما يسمى بالربيع العربي والتي أخت لاحقاً منحنى دموياً شديداً.
إن ما يوجد هناك الآن، على حد قول المتخصصين في الديمقراطية -توماس كاروثرز وأورين سامت مارام، هو "سوق عالمية من التغيير السياسي الجديد" والذي تم التنازع عليه من قبل مجموعة من الجهات الدولية الفاعلة عوضاً عن تأثير القوى الديمقراطية الغربية فيها، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، روسيا، الصين، قطر، إيران، تنظيم الدولة، وحزب الله، والتي تتنافس جميعها على تشكيل سياسات الدول الانتقالية في الشرق الأوسط، بينما تكون أدواتها أحيانا هي الدبلوماسية، فإنها وفي كثير من الأحيان تستخدم القوة العسكرية أو الإرهاب.
إذاً فمصالح من السياسية هي التي تنتصر الآن في سوريا؟
نستطيع القول بأن الخاسرين، هم أكثر من أولئك الرابحين
فالوضع معقّد جداً، لأن الكثير من المصالح يتم التلاعب بها، ومنذ أواخر عام 2011، وبعد أشهر من بدء الأسد شن هجمات عنيفة ضد شعبه، تعهّد أوباما بالعمل من أجل الإطاحة به، ومع ذلك، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه علاقات طويلة مع الأسد حيث بقي مخلصاً له، و تغلّبت الولايات المتحدة وروسيا على أول هذه الاختلافات والتوافق على عقد "حل سياسي" في سوريا بعد لقاء جنيف في يونيو من عام 2012، وفي أغسطس من ذلك العام، أعلن أوباما أن أي استخدام للأسلحة الكيماوية من قبل الأسد سيكون "خطاً أحمر" لن يقبل تجاوزه !
ثم وفي أغسطس من عام 2013، أطلق الأسد العنان لمجزرة الأسلحة الكيميائية التي قامت بها قواته في ضواحي دمشق، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1400 من مواطنيه، وحين هدّد أوباما باستخدام الغارات الجوية ضد الأسد، عارض نفسه بعد ذلك بإتمام صفقة بوساطة روسيّة، أبقت يد أوباما بعيدة عن الأسد في مقابل وعد تسليم الأسد لترسانة الأسلحة الكيميائية السورية لتدميرها.
لقد حفّزت سياسة أوباما المتذبذبة في سوريا الجدل الدائر، وخاصة فيما يتعلق بقتال تنظيم الدولة، وتحول نظر أوباما نحو مكافحة الإرهاب، بدءاً من حملة مكافحة تنظيم الدولة "الحل المتأصل" منذ سبتمبر من عام 2014، وهي الطريقة التي تشرح بعضاً من تنافر سياسة الولايات المتحدة.
والحقيقة هي أنه ومنذ الخريف عام 2015، فإن التدخل العسكري الروسي عزز من مواقف الأسد على الأرض، في حين أن قوة الأسد عززت من موقف موسكو في المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، وبالتوازي مع ذلك وفي ديسمبر من العام الماضي، نقلت الأمم المتحدة من تركيزها من تفويض جنيف للتوصل إلى "انتقال سياسي لقيادة سورية" إلى تلك التي تركز على القضاء على الإرهاب في المنطقة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2254.
ولكن السوريين الذين يعيشون تحت القصف الجوي في بلد أفرغ نصفه بشكل تدريجي، لا يملكون تلك الرفاهية والوقت التي يتمتع بها أفق الأمم المتحدة وأوباما طويلا الأمد.
وقد يكون الرئيس الأمريكي قادراً على ممارسة "الصبر الاستراتيجي" خلال يناير 2017، عندما سيشغل الرئيس الجديد المكتب البيضاوي، مواصلاً اختبار مدى صدق الوعود الروسية، ولكن كل يوم يمر يعني المزيد من التضوّر جوعاً والمزيد من الدماء المراقة بالنسبة للسوريين، إن السكان المحاصرين يعانون العذاب في حلب وكذلك في المناطق السورية الأخرى المحاصرة، مثل ضواحي دمشق في داريا.
إن اللامبالاة تجاه الموت السوري يتزايد حدة في الحين الذي يتم فيه تجاهل "المعايير الدولية" للحرب، فقد كانت أحدث شهادة عن الإرهاب المستمر لنظام الأسد، تتجلى باستهدافه لستة مستشفيات في حلب في الأسبوع الماضي فقط.
إن هدف الولايات المتحدة الآن "هو تدمير تنظيم الدولة في نهاية المطاف"، والذي اتُّخذ كأسبقية على أي حتمية أخرى في المساومة ما بين الولايات المتحدة وروسيا ضمن فريق دعم سورية الدولي، مجموعة العمل التي تشارك في مسعاها لتقديم حل دبلوماسي للصراع في سوريا، والتي أصبحت اقتراحاتها تتمحور فقط حول تحديد الإرهابيين المستهدفين في سوريا كوسيلة لإنهاء الحرب، وما اقتراح البيت الأبيض الجديد ، والذي ستتعاون فيه الولايات المتحدة وروسيا لاحقاً في ملاحقة وتحديد مواقع جبهة النصرة، هو مجرد علامة أخرى عن تغير منحى هذا التركيز الجديد.
الانتقال السياسي غير المؤكّد
إن أي شراكة أقوى ما بين الولايات المتحدة وروسيا من غير المرجح أن تحقق أي حل سياسي بعيد المنال، إذ إن الاستهزاء الروسي على نحو صريح باتفاق فبراير لعام 2016 المتفق عليه دولياً لـ"وقف الأعمال العدائية" يوضح هذه الاحتمالات البعيدة، ويجعل من الطريق نحو وقف إطلاق النار حقيقي، أكثر صعوبة بسبب اتفاقية إقصاء ما تسمى "بالجماعات الإرهابية" وأراضيها، والمُعرّفة بشكل غامض!
إن القصف الروسي، جنباً إلى جنب مع غارات الأسد، هي المسؤولة الحقيقية عن أكثر من 5000 حالة وفاة بين المدنيين منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويهدف التعاون الجديد ما بين واشنطن وموسكو، من الناحية النظرية للدلالة بوضوح على الأهداف الروسية والأمريكية المشتركة، وبالتالي تجنّب المدنيين ومقاتلي المعارضة "المعتدلة" والمدعومة من قبل الولايات المتحدة، وفي المقابل على بوتين أن يقوم بالضغط على الأسد لإجباره على الالتزام بالقوانين الدولية في منع استهداف المدنيين.
وقد أعلنت النصرة مؤخّراً عن انفصالها عن تنظيم القاعدة، حيث أن آثار هذه الخطوة هي حتى الآن غير واضحة، إلا أن تداعيات هذه المسألة ستؤثّر على الأرجح على كلّ من ديناميكيات المعارضة المسلحة وسياسة الولايات المتحدة.
في نهاية الأمر، وفي رأيي الشخصي الولايات المتحدة، قد جعلت من نفسها متواطئة وشريكة في دعم روسيا للأسد، وبالتالي فإن واشنطن قامت بفعاليّة بتدعيم نظام قمعي، قمعَ بكل قوة الاحتجاجات السلمية في عام 2011 دافعاً بالبلاد إلى دوامة كبرى من الحروب الإقليمية بالوكالة.
وفي حين يوبّخ أوباما بوتين في خطاباته قائلاً بأنه "قد حان الوقت لتظهر روسيا جدّيتها وذلك بوضع حد للعنف."، مضيفاً بأن "الاستراتيجية العسكرية لمكافحة الإرهاب هي المفتاح"، لكنه في نفس الوقت، يعلن عن التزامه بالعمل مع روسيا بشأن تلك الأهداف ذاتها، إن القيام بمثل هذه التصريحات، لا يقوم بالتخفيف عن أي أحد، باستثناء الأسد وداعميه الروس والإيرانيين.
إن الشكوك الواضحة التي توصّل إليها السوريون في محادثات السلام في وقت سابق من هذا العام هي مُبَرّرة، فقد تمسّكت لجنة المفاوضات السورية العليا بمطالبها بتحسين الأوضاع الإنسانية إلى الحد الأدنى لها، حيث يتضمّن ذلك على إيقاف إسقاط البراميل المتفجّرة على المدنيين من قبل طائرات النظام، وإطلاق سراح السجناء السياسيين ووضع حد لتكتيكات الحصار والتجويع، حيث ردّدت هذه المطالب أيضاً من قبل نشطاء المجتمع المدني السوري عشيّة المحادثات في أواخر يناير/كانون الثاني.
حتى الآن هذه النداءات تم تجاهلها مراراً وتكراراً في عملية المفاوضات المباركة من قبل الولايات المتحدة، ومن وجهة نظري، فإن جون كيري لم يقم ببذل جهود جادة لتلبية مطالب المعارضة بتفويض من الأمم المتحدة، على أساس "تدابير بناء الثقة" والمتّفق عليها في فيينا في الفترة التي سبقت قرار 2254، إن هذه المحاولات لتخفيف من استراتيجية بشار الأسد ونهجه الحربي في "التجويع أو الركوع"، والتي أصبح بوتين منتسباً معتمداً لاحقاً إليها، هي المتطلّبات الأساسية والأولية والتي لم تتحقق حتى الآن في عملية المفاوضات السياسية.
إذ أن التعليق الدرامي لمشاركة المعارضة في محادثات السلام في أبريل/نيسان بالتالي لم يكن أمراً مفاجئاً، بالإضافة إلى أن الاتفاق الأخير ما بين الولايات المتحدة وروسيا لن يساعد محاولات المبعوث الخاص للأمم المتحدة- ستيفان دي ميستورا لاستئناف المفاوضات في وقت لاحق من هذا الشهر.
ينبغي الآن فرض تساؤل هام وبوضوح، إلى أين يا ترى تتّجه هذه العملية الأمريكية- الروسيّة المنسّقة، والتي تزعم بأنها تسعى لإنهاء الحرب السورية والتوصل لتحوّل سياسي؟
فعندما تكون تكلفة خرائط الطرق الدبلوماسية المستمرّة بجداول زمنية مفتوحة- هي دلاء مملوءة بالدم السوري، فإن الألعاب البهلوانيّة لفنّ الحكم الدوليّ تبدو غير ملائمة لمنطقة متفجّرة، ونظام ما بعد الاستعمار والذي بدأت أركانه بالتّداعي مع صيحات "الشعب يريد".
اعتقد بأن اتفاقية الولايات المتحدة وروسيا لا تبشّر مطلقاً بمعالجة الوضع الإنساني المتردّي في سوريا بصورة جوهرية، ولا يسعى بجدّية لوضع حد للحرب في البلاد، إذ أن اقتراح الانتقال السياسي والذي تم التوصّل إليه من قبل "شعب" سوريا، أصبح أقل احتمالاً حتى في ظلّ هذا الجمود الدبلوماسي، و معركة حلب الأخيرة، تؤكّد على أن أولويّة العنف على السياسة هي الأهم في سوريا اليوم، إذ ليس هنالك من حلول دبلوماسية أو غير ذلك في الأفق اليوم، في حين تدور رحى الحرب.
-ليلى صالح، الأستاذة المساعدة في الشؤون الدولية، جامعة قطر.