- middle east eye(ترجمة بلدي نيوز)
بينما الصحفيون الروس يشجبون الدور الذي لعبه بلير في تدمير العراق، لا أحد منهم يجرؤ على أن يسأل عما قامت به موسكو للسوريين الأبرياء.
عقب صدور تقرير "تشيلكوت"، اقترحت آلة الدعاية الروسية بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير يجب أن يعاقب على جرائمه ضد العراق، النقاد ذاتهم الذين لم يجرؤوا على التفكير في تصرفات القوات الروسية في سوريا.
لقد جاء بحماسة رد فعل وسائل الإعلام الروسية على تقرير تشيلكوت، مشددين على رسالة مفادها بأن الغرب عديم الضمير قام بتدمير العراق، في حين وعدوا بالديمقراطية بينما قاموا بجلب المجازر بدلا من ذلك، ولكن أولئك الدعائيين بدوا وكأنهم قد فاتتهم المفارقة بأن القصف الروسي في سوريا قام بقتل وتشويه وتهجير الآلاف من المدنيين السوريين، وسط صمت متعمد جاعلين من هذا الأسلوب محض نفاق.
كان أحد الأمثلة على ذلك ديمتري كيسليوف، المذيع التلفزيون سيء السمعة، والموالي للحكومة، والذي عمل في عدد من كبرى وسائل الإعلام الرسمية، والذي حذّر في أحد المرات من أن روسيا يمكنها أن تحول أمريكا إلى كتلة من "الرماد المشعّ"، كان أحدث تعليقاته على تقرير "تشيلكوت" مرفقاً بصورة لطوني بلير بخلفية كتب بجانبها السؤال التالي، "هل سيتم شنقه؟"، يجب أن يكون كيسليوف قد نسي العلاقات الدافئة التي تمتع بها بلير مع صديقه فلاديمير بوتين في وقت مبكر من بدايات عام 2000، حيث تناقش الأسباب النظرية لإعدام بلير علناً على القناة الروسية الرسمية الرئيسية (روسيا1)، إذ أنه وحتى في مرحلة ما بعد ستالين لم تكن الدعاية السوفيتية جريئة بهذا الشكل.
خلال الحرب السوفييتية الأفغانية في الأعوام (1979-1989)، قامت وسائل الإعلام بشكل أساسي بإخفاء ما كان يحدث هناك، حيث لم يقم أي من مقدمي برامج التلفاز حينها باقتراح استخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة الأمريكية "إمبراطورية الشر" كما دعوها، بقيادة رونالد ريغان، أو دعوا لإعدام الزعيم الإيراني آية الله روح الله الخميني بعد أن دعا الاتحاد السوفييتي ب"الشيطان الأصغر".
وبصرف النظر عن التلفزيون الرسمي، فقد بدأت حسابات وسائل الإعلام الإجتماعية الموالية للكرملين حسابات بمشاركة بيانات مدونات نشرت في عام 2010 من قبل صحيفة الجارديان، والتي تبين خسائر الحرب في العراق من عام 2004 إلى عام 2009، بحيث تظهر تلك البيانات حينها بأن أكثر من 109،000 شخصاً قد قتلوا في المجموع، من بينهم 66،000 من المدنيين، 24،000 من المسلحين و 15،000 من قوات الأمن العراقية، إن نتائج التحقيق الذي أجرته صحيفة لانسيت كانت مرعبة حقاً ب 655،000 من الضحايا، ولكن وبعد عشر سنوات وتحديداً في عام 2013 قامت الصحيفة بتغيير العدد باختلاف كبير ليصبح 117،000.
وردا على تحقيق لانسيت، في نهاية عام 2006 أطلق موقع عراقي رسمي بشكل موثوق تقريراً بشأن هذا الأمر والذي نشر في ما بعد في الولايات المتحدة، ومن ثم في بريطانيا، ووفقا لذلك فإن 13 عاما من الحرب أسفرت عن سقوط 160،000-179،000 من الضحايا المدنيين، وبإضافة المقاتلين تصبح المحصلة 251،000.
لقد ارتفع الإهتمام بسقوط عدد كبير من ضحايا المدنيين العراقيين بعد ظهور تقرير تشيلكوت، ولكن لم يظهر مثل ذلك القلق حول المدنيين السوريين، في عام 2006 بقيت وسائل الإعلام الروسية غير مكترثة بشكل مفاجئ لقتل أكثر من 655،000 من المدنيين، في ذلك الوقت لم يكن هنالك من حاج بالنسبة للكرملين لاختلاق صراع ايديولوجي ضد الغرب والشرق الأوسط، حيث حاولت حينها السلطات الروسية إقناع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة والحكومة العراقية في مشاركة الأراضي مع شركات النفط الروسية.
خلال خمس سنوات من الحرب السورية، وكانت حكومة بشار الأسد باستخدام جميع الأسلحة الممكنة المتوفرة لديها ضد المدنيين والمسلحين.
خلال خمس سنوات من الحرب السورية، قامت حكومة بشار الأسد باستخدام جميع الأسلحة الممكنة المتوفرة لديها في ضرب المدنيين والقوى الثورية، وفي سبتمبر عام 2015، انضمت روسيا إلى جانب الأسد في هذا الصراع، ووفقا للأمم المتحدة، فقد تم قتل 255،000 مدني خلال تلك الفترة (منذ عام 2011)، ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن ما بين 282،000-400،000 قد لقوا حتفهم، ووفقا للمركز السوري لأبحاث السياسة فإن الحصيلة تتجاوز 470،000 شخص حتى الآن، إن سوريا أصبحت بمحصلة ضحاياها تتقدم أكثر بكثير حتى على العراق والتي عانت من الحرب لأكثر من 13 سنة.
ولكن وسائل الإعلام الروسية أخفت ومنذ البداية أعداد الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، في حين تزعم بأن المعلومات حول محصلة المدنيين الذين قتلوا في قصف المستشفيات والمدارس والمخابز والمساجد والمناطق المأهولة هي ببساطة محض زيف، وعوضاً عن ذلك فإن هنالك تقارير عن آلاف من مقرات تنظيم "الدولة" التي تم إستهدافها في ضواحي دمشق، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، في حلب، في الصحراء، في المدارس والمستشفيات.
إن الصحفيين الروس والمواطنين والمؤسسات، لا يملكون القدرة الحقيقية على انتقاد تصرفات الحكومة، إذ أن أولئك الذين تجرأوا إما تم إعتبارهم "عملاء أجانب" أو أنهم لاذوا بالفرار.
في آذار، أعلنت روسيا عن "إنسحابها الجزئي" من سوريا، ومنذ ذلك الحين فإن المصادر الروسية تلتزم الصمت حول "انتصاراتهم على تنظيم الدولة"، في حين تم مؤخراً إعتماد مجموعة من القوانين التي تهدد الناس بالنيابة العامة لأي تقرير يتم نشره حول مواد متعلقة بارتكاب جرائم حرب روسية في سوريا.
في يونيو/حزيران من هذا العام قام وزير الدفاع الروسي بزيارة إلى سوريا، لقد تم تحرير التقرير المصور عن روسيا اليوم، القناة الإخبارية الرسمية، باقتطاع جميع لقطات القنابل العنقودية المحرمة دولياً التي تستخدمها القوات الروسية في سوريا.
إن الصحفيين الروس ما زالوا يقومون بترديد دورهم الذي قاموا به سابقاً في الحرب الشيشانية، في حين نسمع الصوت الأعلى لكيسليوف وهو يقترح إعدام بلير "شنقا" على أفعاله ضد العراق، إن السؤال الأكثر إصراراً والذي يطرح نفسه الآن: "على من ستلقى مسؤولية الجرائم المرتكبة في سوريا؟"
-ناديجدا كيفوركوفا: صحفية روسية قامت بالعمل في عدد من بلدان الشرق الأوسط، قامت بتغطية أحداث "أسطول الحرية لغزة" في عام 2008، 2010، 2011 و 2015 عندما اعتقلت من قبل القوات الإسرائيلية، أمضت أسبوعا في السجن، حازت على جائزة "غالوب" للصحافة العالمية في عام (2007) وجائزة المنتدى الدولي الفلسطيني للإعلام (2016)، ومؤلفة كتاب "فلسطين والمقاومة".