بلدي نيوز
كشف تقرير خاص أعدته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مدى سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي بات يعاني منها السوريون في مناطق نفوذ بشار الأسد.
ومن خلال لقاءات أجرتها الصحيفة مع بعض السوريين في دمشق وضواحيها، يظهر مدى البؤس والفقر بحياة الناس مع تدهور قيمة العملة المحلية والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية حتى الأساسية منها، ناهيك عن انقطاع كبير في وقود الطهي (الغاز)، والانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي.
ويمر الاقتصاد السوري حاليا في أسوأ مراحله منذ عام 2011، فقد هبطت الليرة هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، ما أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات.
وما يزيد المعاناة، أن حلفاء الأسد الاستراتيجيين، روسيا وإيران، لم يعدا قادرين على تقديم المساعدات الإنسانية كونهما بالأساس يعانيان من قلة الموارد جراء العقوبات الغربية وتبعات جائحة فيروس كورونا المستجد.
وكان السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف قد قال لوكالة الأنباء "ريا نوفوستي" في وقت سابق من هذا الشهر، إن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية".
وأكد أن إرسال المساعدات أضحى "صعبا للغاية" لأن روسيا أيضا تعاني من الوباء والعقوبات الغربية.
وتقول إحدى السيدات التي رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لأسباب أمنية، أنها اضطرت إلى أن تبيع شعرها إلى إحدى صالونات التجميل حتى تعيل عائلتها، مضيفة "كنت أمام خيارين إما أن أبيع جسدي أو أتخلى عن شعري".
وتقول في حديثها إلى الصحيفة "زوجي يعمل نجارا ولكنه يعاني العديد من الأمراض ويعمل بشكل متقطع، ولدينا ثلاثة أطفال علينا إعالتهم، اشتريت بثمن شعري لترات قليلة من وقود التدفئة ومعاطف شتوية لأولادي، ودجاجة مشوية، لأننا لم نتذوق اللحم منذ ثلاثة أشهر".
وتردف "بقيت أبكي لمدة يومين من القهر والألم والعار".
من جانبه، قال فنان موسيقي، إن أكثر ما يشغل الناس هذه الأيام هو كيفية تأمين الطعام وغاز الطهي ووقود التدفئة، مشيرا إلى أن الأجواء الأمنية والقمعية تجعلهم خائفين وغير قادرين على فتح أفواههم للاعتراض على أوضاعهم المزرية والصعبة.
وبالفعل كان النظام، اعتقل المذيعة التلفزيونية المعروفة، هالة الجرف، منذ أكثر من شهر ضمن المجموعة التي اعتقلتها القوى الأمنية، بحجة تسريب معلومات مضللة إلى مواقع إلكترونية خارج سوريا.
ونشرت الجرف يوم الجمعة 22 كانون الثاني، أي قبل توقيفها بيوم واحد منشورا قالت فيه "ليكن شعارك للمرحلة القادمة (خليك بالبيت) والتزم الصمت المطبق"، إضافة إلى الكثير من المنشورات التي تتحدث عن الوضع المعيشي السيء الذي تعاني منه المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
وليس بعيدا عن قصر الأسد، يجني أب لتسعة أطفال ما يعادل 5 دولارات في اليوم من بيع الخضار، وهو مبلغ لا يسد رمق جوعهم، مشيرا إلى أنه نه خلال العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسرعة كبيرة لدرجة أنه قام بتنويع منتجاته لتغطية نفقاته، فأصبح صنع دبس الرمان ومخلل الباذنجان، لكنه توقف عن ذلك بعد ما بات الحصول على غاز للطهي أمر شبه مستحيل.
وأوضح أنه لم يعد قادر على تحمل نفقات المدارس رغم قلتها، لذلك امتنع اثنين من أبنائه عن الدراسة، فيما هاجر آخر إلى ألمانيا ليرسل إلى أبيه بضعة دولارات تكفي لسداد إيجار بيتهم المتواضع، مضيفا أن أحد أبنائه يتفرغ كل يوم لمدة ثلاثة أو خمس ساعات للوقوف في طابور طويل للحصول على بضعة أرغفة من الخبز المدعوم من حكومة النظام.
وقال "حتى الكماليات البسيطة أصبحت نادرة، فقبل أسابيع قليلة اشتريت دجاجة أعدت زوجتي منها ثلاث وجبات".
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، دخل السوريون الذين كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة مرحلة الفقر والعوز.
وفي هذا الصدد يقول وسيم، الذي يعمل في وزارة حكومية، إن راتبه وأجر زوجته، كانا يسمحان لعائلته بالحصول على معيشة كريمة نوعا ما، ولكن ومع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، مما أجبرهم على تناول نوعيات أرخص من الطعام وشراء ملابس مستعملة.
وأوضح وسيم أنه افتتح مؤخرا متجرا للعطور يديره عقب انتهاء دوامه لزيادة دخله، ولكن ذلك يترك له القليل من الوقت للانتظار في طابور الحصول على الخبز، مما يجبره على شراء الخبز غير المدعوم (الخبز السياحي) والذي يكون سعره أعلى بستة أضعاف الخبز المدعوم.
وينهي كلامه "نسمع يوميا تصريحات من الرئيس بشار الأسد وحكومته حول المقاومة والسيادة الوطنية، لكن الحكومة أغلقت آذانها وعينيها ولا تبدي أي اهتمام بظروفنا المعيشية".
المصدر: الحرة