حان دورك أيها الطبيب.. عبارة غيرت سورية للأبد - It's Over 9000!

حان دورك أيها الطبيب.. عبارة غيرت سورية للأبد

POLITICO -  ترجمة بلدي نيوز
"لقد حان دورك أيها الطبيب" هذه الكلمات التي بدأت واحدة من أقسى الصراعات في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، الحرب السورية.

فقد قام مجموعة من سبعة مراهقين في المدينة السورية درعا، مستوحين عباراتهم من رياح الحرية والديمقراطية التي تهب من الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، بتزيين جدران مدرستهم بهذه الكلمات، في تحد صارخ لذلك النظام القمعي، الذي يديره بشار الأسد، الديكتاتور السوري الذي حكمت عائلته البلاد باستبدادية وطغيان لأربعة عقود، (الطبيب المتخصص في طب العيون).
وسارعت قوات أمن النظام بالتعامل بعنف ووحشية مع أولئك الصغار الذين قاموا بكتابة تلك الشعارات، مما أدى لإشعال لهيب الثورة في مدينة درعا، بادئة بذلك صراعاً دامياً لا يزال مستمراً لأكثر من خمس سنوات، ولا يرى له أي نهاية في الأفق.
وقد شهد هذا الصراع فظائع لا إنسانية لا يمكن تصورها، كاستخدام التجويع كسلاح في الحرب والتفجيرات العشوائية للبراميل المتفجرة، الهجمات الكيميائية المحرمة دولياً، في حين انتشرت أنباء التعذيب القاسي إلى كل وسائل الإعلام الدولية، وبعد أشهر من التحقيقات، خلصت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا بأن النظام السوري قام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مسلطة الضوء على القسوة الواضحة لأمن الحكومة والاستخبارات والقوات العسكرية، ووفقاً لأحد التقارير الأخيرة الصادرة عن اللجنة، قام النظام السوري بارتكاب إبادة جماعية بحق الكثير من المدنيين، مما يجعلها جريمة ضد الإنسانية، وواحدة من أسوأ الجرائم التي يمكن تصورها في القانون الدولي.
ومع ذلك، وبقدر كون الصراع السوري القصة الأكثر وحشية في هذا القرن، هو أيضاً قصة شجاعة لا مثيل لها، فقد خاطر المواطنون بحياتهم لتهريب الوثائق الأساسية والأدلة المادية من سوريا والتي من شأنها أن تسمح بمحاكمة المسؤولين عن تلك الفظائع التي ارتكبت، في عام 2012، وقام مجموعة من الناشطين السوريين الذين يعملون مع منشق عن الجيش أطلق على نفسه اسم القيصر، بتهريب أكثر من 50،000 صورة فوتوغرافية توثق جرائم النظام إلى خارج سوريا، لتقديمها كأدلة على التعذيب الممنهج وواسع النطاق، من التجويع والضرب والقتل وصور الآلاف من الجثث بالإضافة  للكثير من المرضى في مرافق الاحتجاز الحكومية للنظام السوري.
إن هذه الأدلة تسعى لتسليط الضوء على دور الآلاف من الأبطال المجهولين الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم في سوريا لإنقاذ الآخرين، أولئك الممرضين والأطباء المتواجدون في خضم الصراع، والذين عليهم التعامل مع عقبات الحرب الدامية- علاج إصابات مروعة في ظروف قاسية، من دون وجود ضوء أو إمدادات كافية أو معدات، بل حتى العمل على إنقاذ حياة الكثيرين وعلى مدار الساعة ولعدة أيام دون أخذ قسط من الراحة في أقسى الظروف، ومع ذلك، فإن الوضع للأسف أصبح بالغاً في الخطر على نحو متزايد: فقد وصلت الهجمات العشوائية المستمرة للقوات الحكومية إلى مستويات مؤسفة جديدة، بحيث يتم استهداف الكادر الطبي الآن بجانب المدنيين، الذين يسعون لمساعدة الجرحى.
منظمة "مسعفون تحت النار" وثقت مقتل 615 شخصاً من العاملين في المجال الطبي منذ بداية الصراع، إذ كان 97٪ منهم لقوا حتفهم نتيجة لهجمات النظام السوري، بينما تم تدمير أكثر من مائتي مستشفى عن طريق القنابل التي أسقطتها قوات النظام السوري، إما مباشرة أو من خلال حلفائها، الذين عمدوا وبشكل منهجي على استهداف المؤسسات الصحية والإسعافية.
ونظراً لذلك العدد الكبير للمستشفيات التي دمرت ويستمر استهدافها، فمن الممكن القول بأن ذلك هو تكتيك فعلي لحملة يقودها النظام السوري، تهدف إلى التسبب في المزيد من المعاناة على أولئك الذين لا زالوا يقيمون في مناطق الصراع، وإلحاق المعاناة الشديدة على سكان تلك المناطق التي هي خارج سيطرة الحكومة، إن عبارة "حان دورك أيها الطبيب" اكتسبت الآن معنى مختلفاً تماماً، ومأساوي في سوريا.
إن العاملين في المجال الطبي الآن، مستهدفون بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، ويواجهون حملات الاعتقال التعسفي والأشكال الأكثر وحشية من التعذيب، والإعدام في نهاية المطاف، فقط بسبب مهنتهم التي تملي عليهم التزامهم بمساعدة الجرحى والمرضى، إن هناك نوعين من الأمثلة المؤثرة التي تثبت فساد هذا النظام الدموي.
وأولها ذلك الطبيب الإنساني، ساهر حلاق، الطبيب السوري ابن محافظة حلب،  فقد حضر الدكتور حلاق مؤتمراً طبياً في ولاية فلوريدا في أبريل نيسان من عام 2011، وحينما عاد إلى سوريا قام بالتوقيع على عريضة للأطباء، تفيد بعلاج الجرحى المدنيين أي كانوا وتقديم كل المساعدة الطبية اللازمة لهم، لم يكن لدى الدكتور حلاق أي طموحات سياسية على الإطلاق، ولدى عودته إلى سوريا تم اختطافه على أيدي قوات النظام، اعتقل وعذب وأعدم في نهاية المطاف، بينما شوه جسده، وظهرت عليه علامات تعذيب بالصعق الكهربائي، إن عائلة الدكتور حلاق يستحقون العدالة كاملة، إن هؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا هذا العمل المنحط يجب أن يقدموا إلى العدالة بأي وسيلة كانت.
ويتعلق المثال الثاني بوفاة الدكتور عباس خان، فلقد كان الطبيب خان جراح عظام بريطاني، سافر إلى سوريا بهدف إنساني بحت، القيام بعلاج الضحايا المدنيين، في 16 ديسمبر من عام 2013، اغتيل الطبيب خان على أيدي أفراد من قوات الأمن السورية، وذلك بعد سنة كاملة من احتجازه في أقبية النظام وتعذيبه، إن عائلة الدكتور خان تستحق العدالة في محكمة قانونية دولية.
إن هذه الوقائع ليست سوى اثنتين من القصص الكثيرة والمتعددة، والتي تختلف في تفاصيلها ولكن يد القاتل واحدة، فقد قتل أكثر من نصف مليون سوري وفق آخر تقارير للأمم المتحدة، في حين تم تهجير أكثر من نصف سكان البلاد- عدا النازحين في داخل البلاد والمفقودين، ولا يزال هناك عشرات الآلاف من المدنيين السوريين في سجون الحكومة السرية، لقد أصبح الوضع في سوريا، أشد الصراعات دموية وقساوة في القرن ال21.
لقد وسع النظام السوري من حملة استخدامه للبراميل المتفجرة، تلك العبوات الناسفة المملوءة بالمتفجرات والشظايا المعدنية، والتي أصبحت أسوأ كابوس للسكان المدنيين السوريين باستهدافها العشوائي وأضرارها الكثيرة، ورغم أن قرارات مجلس الأمن الدولي قد منعت قوات النظام السوري عن استخدام تلك الأسلحة، ولكن وبالطبع ولمرة أخرى لم يقم النظام بالإذعان لتلك القرارات الدولية، وخلال الأشهر الأخيرة، كانت القوات الحكومية قد أضافت أيضاً الأسلحة الكيميائية لهذه البراميل المتفجرة، مما أسفر عن مقتل ليس فقط المواطنين المتضررين مباشرة من تلك القنابل، ولكن أيضاً الطواقم الطبية التي تحاول مساعدة الضحايا، وعلى الرغم من المخاطر الواضحة، فإن الأطباء كثيراً ما يقررون القيام بمساعدة المصابين في حين ينتهي بهم الأمر إلى استنشاق الغازات السامة.
وليس المقصود بهذا أن يكون هذا التقرير قانونياً، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن القانون الإنساني الدولي، هو مجموعة من القوانين التي تنظم كل صراع بما في ذلك الحرب السورية، في حين يحظر استخدام الأسلحة المصممة لإلحاق أي ضرر مفرط أو غير الضروري للمدنيين والبنية التحتية، وخاصة الأسلحة الكيميائية المحرمة دولية، وعلاوة على ذلك، فإن المبدأ الرئيسي الذي يحكم على الأعمال العدائية هو مبدأ التمييز، الذي يلزم الجهات الفاعلة للتمييز ما بين الأهداف العسكرية والمدنية والامتناع عن مهاجمة المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ولذلك فإنه لا يحتاج إلى تحليل قانوني شامل للاعتراف بأن الحكومة السورية قد ارتكبت ولا تزال ترتكب جرائم دولية على نطاق واسع جداً، وذلك بالتزامن مع إفلاتها بكل مرة من العقاب المطلق.
إن الأطباء في سوريا يصرخون صرخة مشتركة لتلقي المساعدة من المجتمع الدولي: "أوقفوا القصف!"، يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أداء دوره الكامل كضامن للسلام والاستقرار الدوليين، يجب أن يتغلب على الفوارق السياسية ورسم خط أحمر واضح غير قابل للتجاوز، لقد حان الوقت لمجلس الأمن لفرض قراراته التي تلزم النظام في سوريا على عدم استخدام الأسلحة العشوائية والأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين، تلك القرارات التي لطالما كان نظام الأسد يتجاهلها.
يجب أن يبدأ المجتمع المدني الدولي بالتنسيق على أعلى المستويات للضغط على مجلس الأمن لحماية الأطباء والمدنيين السوريين، إذ أن هنالك إجراءات هامة يمكن تنفيذها بسرعة، مثل "منطقة حظر الطيران" أو "ممرات إنسانية محمية" ، والذي سيغير من وضع المدنيين الذين يعيشون على الأرض.
إن الحاجة الملحة للمساءلة القانونية، والتصرف الجدي كانت حاضرة منذ بدء الصراع، ولكنها أصبحت الآن أكثر أهمية وإلحاحاً، إذ لا يمكن لمرتكبي الجرائم الدولية في سوريا الإفلات من العقاب مراراً وتكراراً، لقد طفح الكيل، إن اولئك القتلة يجب ان يواجهوا عواقب العدالة الدولية، وكما زين الصبية الصغار جدران مدرستهم في درعا...فقد "حان دورك أيها الطبيب... بشار الأسد".
*توبي كادمان: المحامي في 9 بيدفورد، والمستشار الدولي في مكتب القانون الجنائي، مؤسس المجموعة الاستشارية TMC "لمنتدى الدولي للديمقراطية وحقوق الإنسان" ، والمحامي بالمحكمة الجنائية الدولية،  المتخصص في القانون الجنائي الدولي.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا