بلدي نيوز – (خاص)
يروج التحالف الدولي منذ فترة لمعركته المفترضة القادمة في "الرقة"، والتي أمضى حوالي العام وهو يحضر لها، كما حضر الروس بجبروتهم العسكري كله للمشاركة فيها.
يتبادل النظام والميليشيات الكردية المهمات على الأرض، كقوة برية تنفذ المهام بمساندة الطائرات الغربية والروسية، بعد أن سيطرت الميليشيات الكردية على الشمال السوري بمعظمه، تحت يافطة قتال التنظيم ومحاربة الإرهاب، واستعاد النظام تدمر بعد أكثر من ألف غارة روسية على المدينة تحت اليافطة ذاتها مضيفين إليها "حماية التراث الإنساني" لتجميل جيش الأسد، فيما ينحصر دور الثوار بدور ثانوي في معارك محدودة وثانوية، تهدف لاستنزافهم قبل التنظيم، فهم لا يحصلون على دعم جوي إلا ما ندر، ودائماً خسائرهم كبيرة، بسبب أسلوب العمل المختلف عن عمل الميليشيات الكردية، التي لم تدخل فعلياً أي معركة حقيقية ضد التنظيم وجها لوجه، بل ينحصر عملها بتحديد الأهداف لطائرات التحالف بدون الدخول في اشتباك حقيقي، ثم تمشيط المناطق بعد المعارك والتهجير وتعفيش المناطق المدمرة، في حين قلة أو انعدام الدعم الجوي يدفع الثوار للدخول في معارك حقيقية ضد التنظيم تتسبب في خسائر كبيرة بينهم، في ما يبدو استنزافاً للثوار قبل التنظيم من قبل التحالف الدولي.
معركة الرقة يبدو أنها ستجري بالتزامن مع معركة حلب لإخماد صوت الثوار، وصرف الأنظار عن المدينة التي تتعرض للقصف الجوي والصاروخي؛ فالعالم سيهتم بمعركة الرقة ضد "عاصمة الإرهاب المتعطش لدماء الأوربيين"، وسيتجاهل معركة حلب التي لا تهم التحالف لا من قريب ولا من بعيد مادام الروس طرفا فيها والإيرانيون يحشدون ميليشياتهم استعدادا لمهاجمتها.
ويبدو حسب المخطط أن معركة حلب ستبدأ بالتزامن مع معركة الرقة وستنتهي قبلها، ما يعني أن نتائج المعركة نفسها في حلب من قتل وتهجير للمدنيين لن يكترث لها أحد، وسيتركز النقاش حول معالجة نتائج معركة الرقة، التي تسعى الميليشيات الكردية لتطهيرها من العرب والسيطرة عليها بغية إعلانها عاصمة للفيدرالية الكردية.
لا يبدو أن معركة الرقة ستبدأ قريباً، فمن يريد فتح معركة الرقة في هذا التوقيت يرغب حرفياً بإحراق المدينة بشكل كامل قبل السيطرة عليها، فالمدينة التي لا تزال طرق إمدادها مفتوحة على الجهات الأربعة لن تستسلم بسهولة، فيبدو أن مأساوية معركة عين العرب قد نسيت تماماً، فعين العرب دمرت تماماً، ولم يبق فيها أي بناء قائم نتيجة المعركة الضخمة التي حدثت فيها، وتحديداً بسبب القصف الذي تعرضت له المدينة من طائرات التحالف.
ومعركة تدمر التي لا تعادل مساحتها ربع مساحة الرقة، والتي تعتبر منطقة صحراوية مكشوفة بامتياز، كلفت النظام على الرغم من الدعم الروسي الهائل عدداً غير معروف من القتلى، قد يصل المئات من جنوده والميليشيات المرافقة له، والتي فعلياً لم تنتهِ بعد وما يزال التنظيم ينتظر اللحظة الملائمة ليعود ويثب على المدينة، وينتزعها من الروس والنظام مع أول عاصفة غبارية، حيث سيمنع الدعم الجوي عن قوات النظام هناك، والتي قد تكون أكبر مذبحة تحصل لقوات النظام منذ سقوط اللواء 93 في الرقة .
التنظيم لن ينسحب من الرقة وسيقاتل حتى النهاية هناك، بسبب رمزية المدينة، واعتبارها معركة استنزاف للتحالف والميليشيات الكردية، وإذا صمد لفترة كافية فقد يكون قادراً على صد الهجوم وحتى كسره، خصوصاً مع طبيعة المدينة الجاثمة على ضفة نهر الفرات، والتي تعطيها ميزات كبيرة دفاعية تصعب الهجوم عليها، وتحدد خطوط المعركة التي ستتركز شمال المدينة التي تحيط بها المزارع، وتجعل أي تقدم عسكري باتجاهها محفوفاً بالمخاطر، وسيتكبد المهاجمون خسائر بشرية هائلة في حال قرروا الهجوم بطريقة تقليدية بالاعتماد على هجوم بري، ما يعني أن المدينة ستتعرض كعين العرب للقصف الجوي بشكل أساسي لتدمير الدفاعات، وسينحصر دور القوات البرية على الدخول إلى المناطق التي ستكون قد مسحت بالقصف.
انتحار على أبواب الجحيم
لا يعرف تماماً حجم القوات التي ستشارك في العملية أو نوعيتها لو قررت أمريكا البدء بها قريباً، لكن الضغط الأساسي سيكون للميليشيات الكردية التي ستتكبد خسائر كبيرة خلال هذه المعركة، التي ستستغرق عدة أسابيع إلى عدة أشهر وفق وضع المدينة، وأهميتها ورغبة التنظيم بالدفاع عنها، ومستوى تحصينها.
إحدى أهم ميزات معركة الرقة عن ما سبقها من المعارك، هو كون المعركة في منطقة ليست صحراوية بشكل كامل، كحال المعارك التي حدثت سابقاً، وجود كثافة في المزارع والغطاء الشجري في المنطقة بعمق عدة كيلومترات، ما يعني وجود قدر من إمكانية التمويه والتنقل المستور للمدافعين، ما يؤدي إلى انخفاض فاعلية القصف الجوي، والحاجة للقصف المساحي بشكل أكبر، والدخول بقوات برية في معارك تلاحمية تلغي القدرة على الدعم الجوي، وتتسبب في خسائر كبيرة في طرف المهاجمين، فقوات الميليشيات الكردية مشكلة من قوات منخفضة القدرة العسكرية فعلياً، وغير مؤهلة للدخول في معارك حقيقية على الرغم من الدعم العسكري الخرافي الذي تتلقاه، بالأخص مع انتشار التجنيد الإجباري، والذي اعتمدته الميليشيات الكردية بعد مقتل المئات من عناصرها السابقين ذوي الخبرة خلال معاركها لفترة طويلة ضد الجيش الحر ثم ضد التنظيم.
مساحة مدينة الرقة تعادل عدة أضعاف مساحة عين العرب أو تدمر، ويوجد العديد من التجمعات السكنية في محيط المدينة والتي قد يحتاج بعضها معارك بحجم معركة عين العرب للسيطرة عليه بشكل كامل، كذلك عمليات التحصين التي نفذها التنظيم وما يزال ينفذها تجهيزاً للمعركة، إضافة لكون المنطقة تحتوي الكثير من الطرق الإجبارية التي ستحد من مناورة أي قوة تحاول التقدم نحو المدينة، وتجبرها على الدخول في الكمائن والكثير من المعارك حتى الوصول إلى الكتلة المبنية الأساسية للمدينة، عدا عن سهولة تفخيخ وتلغيم المناطق بحقول ألغام، ما يجعل التقدم في المنطقة المحيطة بالمدينة عملية انتحارية، وبحاجة للكثير من التجهيز وعدد كبير من القوات، وسينجم عنها عدد كبير جداً من الخسائر في الميليشيات الكردية المهاجمة.
عاصمة مركزية
يبدو أن الميليشيات الكردية تسعى جاهدة للوصول إلى المدينة والسيطرة عليها، وتطهيرها من العرب بشكل مشابه لما فعلت في المئات من القرى العربية في الجزيرة السورية، فهي تشكل خطراً كبيراً عليها بكتلتها العربية.
ما يوحي أن الرقة قد تتحول إلى عاصمة للإقليم الذي تسيطر عليه الميليشيات الكردية ، فهي تحقق عدة مواصفات غير موجودة في المدن التي تسيطر عليها الآن وأولها وجود مصدر مائي مهم، ووجود مساحات ضخمة من الأراضي الخصبة والسد الأكبر في سوريا، والسيطرة على طرق المواصلات بين الرمادي وحلب، وما يعنيه هذا لاحقاً من إمكانية السيطرة على حركة التجارة، والسيطرة على أنابيب النفط.