بلدي نيوز - (عبدالعزيز الخليفة)
بدأت المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" الذي يقود تحالفا من الأحزاب الكردية من طرف، والمجلس الوطني الكردي الذي يضم هو الآخر 15 حزبا كرديا ويمثل في هيئات المعارضة السورية، منذ نهاية العام الماضي، باجتماع ممثلي المجلس الوطني الكردي، مع مظلوم عبدي قائد "قسد" وهي القوات التي تقودها بشكل فعلي الوحدات الكردية ذراع "ب ي د" العسكرية.
لم تكن هذه المفاوضات التي عادت إلى زخمها في نيسان/أبريل الماضي بضغوط أمريكية وتشجيع فرنسي، لم تكن مثار تشجيع وقبول على مستوى الشارع السوري الداعم للثورة، ولم يخف الكثير من النشطاء والسياسيين والأكاديميين من العرب والأكراد معارضتهم لها.
مخاوف حتى قبل النتائج
قبل نحو أسبوعين وقعت أكثر من 700 شخصية سورية معارضة، على بيان مشترك رفضت فيه الحوار بين "ب ي د" والمجلس الوطني الكردي، معتبرة أنهما يستغلان الظروف والدعم الدولي للحوار على مستقبل الجزيرة السورية والإبقاء على الإدارة الذاتية الكردية للمنطقة كأمر واقع، ثم تطويرها إلى حكم ذاتي، ومن الشخصيات الموقعة عبد العزيز التمو رئيس رابطة المستقلين الكرد، وبرهان غليون، و رياض حجاب، وفارس الحلو، وسالم المسلط غيرهم، ما يعكس بطبيعة الحال مدى التخوف من نتائج الحوار الذي يحيط به الغموض.
التوصل لاتفاق
وفي 17 الشهر الجاري، أصدر الطرفان الكرديان بيانا مشتركا، أعلنا التوصل فيه إلى اتفاق وانتهاء المرحلة الأولى من الحوار بينهما، وأن اتفاقية "دهوك" عام 2014 حول "الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع"، تعد أساسا لمواصلة الحوار الجاري بين الوفدين، بهدف الوصول إلى التوقيع على اتفاقية شاملة في المستقبل القريب.
اتفاقية دهوك
تنص الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، تمثل فيها "حركة المجتمع الديمقراطي" التي يقودها "ب ي د" بنسبة 40%، وكذلك ذات النسبة إلى المجلس الوطني الكردي، ونسبة 20% للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
وبحسب الاتفاق، فإن مهمة هذه المرجعية هي رسم الاستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد، وتشكيل شراكة فعلية في هيئات "الإدارة الذاتية"، والتوجه نحو الوحدة السياسية والإدارية، ومشاركة كل المكونات الأخرى.
السكوت ليس علامة الرضا
معارض سوري مقرب من الائتلاف، قال لبلدي نيوز، إن الائتلاف بطبيعة الحال يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" وقوات "قسد" التي يقودها منظمات إرهابية، وهي امتداد لحزب العمال الكردستاني "ب ك ك"، يتحملان المسؤولية عن جرائم حرب وتطهير عرقي بحق كل مكونات المنطقة، وبطبيعة الحال المفاوضات مع طرف إرهابي مرفوضة من الائتلاف.
وتابع المعارض -الذي طلب عدم ذكر اسمه- أن المجلس الوطني يجري المفاوضات بدون تفويض من الائتلاف الوطني السوري، ويرفض حتى الكشف عن نتائجها؛ فالائتلاف لا يعرف أكثر مما يتسرب من خلال وسائل الإعلام، كما أن اتفاقية دهوك مرجعية الاتفاق بين الطرفين غامضة وليست واضحة بالنسبة للائتلاف، فإدارة ذاتية مشتركة بين الطرفين قد تستعبد العرب والسريان وباقي مكونات المنطقة وترسخ الحكم الذاتي.
أما بالنسبة للمجلس الوطني الكردي، ورغم خوضه لمفاوضات مع "ب ي د"، فإنه عارض انضمام كيان كردي آخر للائتلاف، وصوت أعضاء المجلس على رفض انضمام هيئة المستقلين الكرد التي يقودها عبدالعزيز التمو إلى الائتلاف، وهذا دليل على أنه يخشى فشل المفاوضات مع "ب ي د" ولا يريد منافسين لاحتكارالتمثيل الكردي داخل المعارضة السورية، حسب المصدر.
ضرورة كردية وحاجة أمريكية
يقول الكاتب والناشط السياسي الكردي، حسين جلبي، "صحيح أن وحدة الموقف الكُردي هو ضرورة كُردية.. إلا أن ما يجري حاليا هو حاجة أمريكية بحتة، حيث ستكون المناطق التي تتواجد فيها القوة الأمريكية وتسيطر عليها قوات قسد، هي الملعب الأهم لتنفيذ قانون قيصر، فهي ستكون من جهة البوابة الأمريكية لتطبيق القرار، وبوابة نظام الأسد للنجاة من تداعيته من جهة أُخرى، لذلك فقد اقتضت مصلحة جميع الأطراف تهدئة الأوضاع في المنطقة، وإنهاء الخلافات بينها، والتركيز على تنفيذ قانون قيصر".
وعلل جلبي بحديثه لبلدي نيوز، المخاوف العربية من الحوار الكُردي، بالرعاية الأمريكية له والمبالغة في التعويل عليه، خاصة بسبب مبالغة الأمريكان في التعويل على الحوار، و"إظهار الكُرد وكأنهم انفصلوا عن مكونات المنطقة وانحازوا للأجندة الأمريكية غير الواضحة أصلا، وكذلك بسبب حصول الحوار في غياب وجود عربي من مكونات المنطقة عنه، وكون أحد طرفيه على طرف نقيض من المعارضة السورية، وأخيراً عدم تفهم العرب للحقوق الكُردية في سوريا وعدم اعتبارهم الكُرد شركاء".
وتوقع الكاتب أن تبقى الأوضاع تراوح في مكانها، وفي حال حصول اتفاق الحد الأدنى بين الطرفين، عدم تنفيذه بما يتوافق مع آمال الكُرد وبما يحقق حقوقهم، أو حتى بطريقة تعزز مخاوف الآخرين. الأكيد هو أن توحيد الخطاب الكُردي، معتبرا أن توافق الكرد مهما علت مطالبهم في سوريا مهما علا سقفها، يريح مختلف الأطراف في البلاد، حيث ستكون هناك جهة يتفاوض الجميع معها، ما يضمن تطبيقاً لأي اتفاق مستقبلي، لكن ذلك يبدو بعيد المنال.
مخاوف من النتائج والمرجعيات
"اتفاق "ب ي د" والمجلس الوطني الأخير لا يعني "80% للأكراد مقابل 20% للأغلبية العربية وباقي المكونات، مثلما شاع مؤخرا بوسائل الاجتماعي هذه تفسيرات مغلوطة لا تستند لمضامين الاتفاقيات الكردية، فهذا التوزيع هو خاص بالأكراد وحدهم فقط، 80 بالمئة موزعة بين طرفي الاتفاق (العمال الكردستاني والمجلس الوطني الكردي) و20% لباقي منظومات المجتمع المدني والمستقلين. لا حديث هنا عن مكونات أخرى كما فهم بعض السوريين"، حسبما يقول الكاتب والباحث مهند الكاطع.
لكن ورغم تفسير الاتفاق، يعبر "الكاطع" عن مخاوف من الحوار برمته، قائلا بحديثه لبلدي نيوز، "الحوار دائما مفيد في الأطر العامة، لكن عندما يكون بين أبناء الوطن الواحد ولمصلحة وطنية مشتركة، أما التفاهمات الكردية التي رعتها أمريكا، فقد جرت بين طرف كردي/تركي مرجعيته العمال الكردستاني، وآخر كردي/سوري مرجعيته أربيل."، معتبرا أن "مضمون الاتفاق هو لتقاسم مناطق تسيطر عليها ميليشيات الأمر الواقع الكردية شرق الفرات، وتكريس شكل من السيطرة القومية الأحادية يمهد للانفصال، دون مراعاة الواقع الجيوسياسي والديمغرافي الذي لن يسمح بهذا العبث على المدى المنظور، فنحن نتحدث عن أغنى ثلث في سوريا، لا يتجاوز الحجم السكاني للأكراد فيه ١٥% من سكان هذه المنطقة".
ويشاطر "مضر حماد الأسعد" المتحدث باسم العشائر العربية، الكاطع مخاوفه، ويقول "إنهم يخشون من أن يكون الاتفاق هو ضد العرب والسريان في منطقة الجزيرة، خاصة أنها تشكل الأغلبية الساحقة في المنطقة، والذي يجري هو محاولة الأطراف الكردية صنع أكثرية وهمية على حساب الأكثرية الحقيقة في المنطقة".
وأشار "الأسعد" بحديثه لبلدي نيوز إلى أن الأطراف الكردية المتفاوضة تهاجم علانية الجيش الوطني السوري وتعتبر وجوده في بعض المناطق السورية كعفرين ورأس العين وتل أبيض احتلال، على الرغم أن شريك الحوار الرئيسي هو "ب ي د" الذي يمثل قوة غير سورية يقودها أكراد من تركيا، لافتا أن عدد من كبرى العشائر العربية في الجزيرة السورية أصدرت بيانات ضد الاتفاق.